في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس ترامب لإلقاء خطاب هام حول السياسة تجاه إيران في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، تدرس إدارته عدداً من الطرق لتناول الموعد النهائي للمصادقة على الاتفاق النووي في 15 تشرين الأول/ أكتوبر. وحتى الآن، أثار خطاب الرئيس الأمريكي وبعض أعضاء حكومته تكهنات حول امتناعه عن المصادقة.
وبدلاً من تخلي الإدارة الأمريكية عن النفوذ الكبير الذي تمارسه على مؤيدي الاتفاق، لا بدّ أن تنظر إلى نقاش المصادقة كفرصة للضغط عليهم من أجل اتخاذ خطوات بشأن إيران كانت قد أُرجأت منذ زمن وأبدوا استعداداً لاتخاذها. ومن خلال القيام بذلك، يجب أن يسعى الرئيس الأمريكي إلى تحقيق ما يريده ويراعي في الوقت نفسه ما يستطيع الحصول عليه بواقعية.
عدم وجود سياق للمصادقة؟
لم تشكّل الإدارة الأمريكية حتى الآن إطاراً لسحب الثقة من الاتفاق. وتميل معظم التقارير والتحاليل ذات الصلة إلى المزج بين سحب الثقة وإجراءين آخرين: أولاً، تبيان عدم تقيّد إيران بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» وثانياً، اتخاذ قرار بوقف تنفيذ الالتزامات الأمريكية التي تفرضها «خطة العمل الشاملة المشتركة». ودفع سوء الإدراك هذا بالكثيرين إلى الاستنتاج أن سحب الثقة هو أمر غير مبرر أو يلحق الضرر مباشرةً بالمصالح الأمريكية. وإذا تنظر الإدارة الأمريكية جدياً في سحب الثقة، فلا بدّ أن تبذل جهداً أكبر بكثير للتصدي لهذه الأخطاء وإيجاد إطار يمكن فيه الحكم على مسألة سحب الثقة بناءً على ميزاتها الخاصة بدلاً من المزج بينها وبين الخيارات الأخرى.
وفي ما يتعلّق بالنقطة الأولى، ينص “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” لعام 2015 بوضوح على أن المصادقة لا تعتمد على ما تقوله “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن تقيّد إيران. وبدلاً من ذلك، يقوم معيار “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” على تحقّق الولايات المتحدة من “تنفيذ إيران للاتفاق على نحو شفاف وكامل ويمكن إثباته بما في ذلك جميع الاتفاقات التقنية أو الإضافية ذات الصلة”، وهو معيار أكثر تطلباً مما تفرضه “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وفي 22 آب/أغسطس على سبيل المثال، ادّعى رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” علي أكبر صالحي أن صور مفاعل أراك الذي يُفترض أنه متوقف عن العمل قد تم “التلاعب بها” وأن إعادة تشغيل المفاعل لن تستغرق إلا بضعة أشهر. ولم تردّ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” علناً على تعليقات صالحي. ففي الواقع، قد لا تفرض عليها إجراءاتها التعليق على تصريحات مماثلة. إلا أن عدم توضيح هذه التصريحات الإيرانية الاستفزازية يجعل من الصعب على إدارة ترامب القول إن الاتفاق النووي “يُنفَّذ على نحو شفاف وكامل ويمكن إثباته”.
أما في ما يخص النقطة الثانية، فقرار سحب الثقة لن يؤدي تلقائياً إلى تغيير العقوبات الأمريكية المفروضة حالياً على إيران أو إيقاف أي إعفاء/ تعليق صدر عن واشنطن من أجل تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة». ويمكن أن يقرّر الرئيس الأمريكي في أي وقت إعادة فرض عقوبات ما قبل «خطة العمل الشاملة المشتركة». وإذا امتنع عن المصادقة بموجب “قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني” في الأسبوع المقبل، فلن يؤثّر ذلك في الإعفاءات المعمول بها حالياً. وبعبارة أخرى، تشكّل المصادقة بموجب قانون المراجعة المذكور والإعفاء من العقوبات المتعلقة بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» حدثيْن مستقلين.
ومن الناحية العملية، سيثير سحب الثقة من دون شك جدالاً في الكونغرس حول إعادة فرض العقوبات بموجب القانون أم لا، ولن يتصرّف البيت الأبيض على الأرجح حتى انتهاء هذا الجدال، لا سيّما وأن قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني يوفّر مراجعةً معجّلة في غضون ستين يوماً. وفضلاً عن ذلك، تشير السوابق بشدة إلى أن أي تشريع جديد سيسمح بإعفاءات رئاسية من أي عقوبات أُعيد فرضها. وخلال فترة النقاش في الكونغرس، ستمارس الإدارة الأمريكية بالتالي نفوذاً كبيراً على مؤيدي الاتفاق – سواء كانوا محليين أو أوروبيين أو إيرانيين من أجل الضغط لاتخاذ إجراءات تزيد من احتمال بقاء الولايات المتحدة في الاتفاق.
ما يمكن لواشنطن الضغط من أجله من الناحية العملية
بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، احتفظت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقدرة على عزل إيران بسبب سلوكها الذي يقع خارج نطاق الاتفاق النووي. وبالفعل، لفتت إدارة أوباما النظر مراراً إلى رعاية طهران للإرهاب وتجارب قذائفها الصاروخية وشرائها للأسلحة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان من خلال إصدار تصنيفات جديدة بموجب العقوبات المعمول بها. وواصلت إدارة ترامب هذا النهج ولا يحتاج قرار المصادقة إلى تعديله، إذ يمكن لواشنطن أن تدفع حلفاءها الأوروبيين إلى بذل جهد أكبر على جميع الجبهات إذا أرادوا أن تصحح الولايات المتحدة «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو البقاء ضمنها على الأقل.
وسلّطت الضغوط الأمريكية الضوء أيضاً على لجوء إيران إلى ممارسات مالية مضللة لتمويل أنشطتها غير المشروعة. ونظراً لطبيعة هذه الممارسات المستمرة لا بدّ أن تحثّ واشنطن السلطات الأوروبية على تذكير مصارفها بأهمية تطبيق قواعد “إعرف عميلك”. وسيكون هذا التحفيز ملائماً، لا سيما وأن «الحرس الثوري الإسلامي» وغيره من الكيانات الإيرانية لا يزال خاضعاً لتجميد الأصول من قبل الاتحاد الأوروبي.
ويتعين أيضاً على الإدارة الأمريكية أن تضغط من أجل التنفيذ الفعال لكافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وفضلاً عن إعادة التشديد على القرار 2231 – الذي نفّذ «خطة العمل الشاملة المشتركة» ومضى قدماً بهيكلية عقوبات الأمم المتحدة المتبقية ضد إيران – تذكّر واشنطن المجتمع الدولي بأن طهران تسخر علناً من الحظر الذي يفرضه المجلس على تصدير الأسلحة الإيرانية والحظر المستقل على تصدير الأسلحة إلى «حزب الله» والمتمردين الحوثيين في اليمن. وعلى سبيل المثال، تستطيع الإدارة الأمريكية إثارة المخاوف بشأن الدور الذي يؤديه «حزب الله» في تأجيج العنف الطائفي في سوريا كوسيلة لإعادة البدء بإجراءات منع نقل الأسلحة الإيرانية للحزب، وخاصة عن طريق استئناف بعض الجهود الإضافية التي نُفّذت بعد الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل في عام 2006. وفي السياق نفسه، لطالما نقلت “ماهان إير”، وهي شركة الطيران الأكبر في إيران، أسلحةً لقوات الحزب في سوريا. ومع ذلك، ما زال يُسمح لطائرات “ماهان” بالتحليق بحرية فوق أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. ونظراً لتزايد أهمية الدور العسكري لـ «حزب الله» في المنطقة، ينبغي أن يحثّ المسؤولون الأمريكيون نظراءهم الأوروبيين على حظر رحلات “ماهان” الجوية واتخاذ إجراءات بموجب التصنيف الإرهابي للجناح العسكري لـ «حزب الله» من قبل الاتحاد الأوروبي في عام 2014.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال عدد من كيانات تطوير الصواريخ الإيرانية خاضعاً لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن الممكن أن تزداد هذه القوائم من دون آثار تذكر على العلاقات التجارية والدبلوماسية المتنامية بين أوروبا وإيران. وفيما يتعلق بالمسألة النووية، قد تشجع واشنطن التنفيذ الدولي الفعال “لقناة المشتريات” التي يفترض أن تستخدمها إيران لشراء التكنولوجيا اللازمة لأنشطتها النووية، فضلاً عن بدء النقاشات بشأن التوصل إلى توافق بين أعضاء «مجموعة الخمسة زائد واحد» حول ما الذي سيحدث عندما تحين مواعيد انقضاء «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي خلال كل ذلك، لا بد أن يأخذ المسؤولون الأمريكيون في عين الاعتبار أن العقوبات تشكّل جزءاً واحداً فقط من سياسة تحتاج إلى إشراك عناصر أخرى من السلطة الوطنية، بما في ذلك الدبلوماسية والخطوات العسكرية المناسبة (مثل اعتراض عمليات نقل الأسلحة في البحر).
ويكمن التحدي الذي تواجهه إدارة ترامب في التوصل إلى الوسيلة الأفضل لتنشيط التحرك الدولي بشأن هذه المسائل وتعزيزه. ويجب اتخاذ أي قرار بشأن ما إذا كان ينبغي عدم التصديق على الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات أم لا ضمن هذا السياق: ما الذي ستحصل عليه الولايات المتحدة إذا ما صادقت من جديد و/ أو استمرّت بالإعفاءات، وما الذي ستخسره إذا لم تعيد المصادقة؟ وإذا مضت الإدارة الأمريكية قدماً من دون أن تطلب من حلفائها التصرّف في هذه المجالات، فلا يمكنها أن تتوقع من هؤلاء الشركاء التعاون في المستقبل.
تحويل الخطب الرنانة
إن خيارات واشنطن متنوعة أكثر بكثير من الاحتمالين المتطرفين المتمثلين بإعادة المصادقة على «خطة العمل الشاملة المشتركة» كما هي أو الخروج التام من الاتفاق. وقد يؤدي اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً ضد الأنشطة الإيرانية الإقليمية المزعزعة للاستقرار وتوسيع نطاق برنامج القذائف الصاروخية المترافق مع الدعوة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي إلى إعطاء الرئيس الأمريكي التبرير الكافي إما لإعادة المصادقة على الاتفاق في وقت لاحق أو لسحب الثقة منه مع مواصلة الإعفاء/ تعليق العقوبات بصرف النظر عما يفعله الكونغرس. إن أولئك الذي يرغبون في تمسّك الولايات المتحدة بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» لا يستحسن أن يرفضوا مثل هذه الحلول الوسطى الخارجة عن السيطرة. وإذا أصرّ النقّاد على عدم قبول أقل من إذعان ترامب، فسيعرّضون «خطة العمل الشاملة المشتركة» لخطر كبير.
كاثرين باور
معهد واشنطن