من المفترض أن يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم أن بلاده لم تعد تعتبر أن الاتفاق النووي مع إيران يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي، وأن طهران لم تتقيد بروحية الاتفاق، لكنه على الأرجح لن يعلن الانسحاب منه على الفور، بل سيحيل الأمر على الكونغرس ليناقش احتمال إعادة العمل بالعقوبات التي كانت مفروضة على طهران قبل كانون الثاني (يناير) 2016.
ومع أن الإيرانيين يتوقعون إلى حد كبير مثل هذا الإجراء من ترامب الذي توعد خلال حملته الانتخابية بـ «تمزيق» الاتفاق فور توليه الرئاسة، إلا أن احتمال أن يدرج الرئيس الأميركي «الحرس الثوري» في قائمة الكيانات الإرهابية هو ما يقلقهم بالفعل، لأنه ينقل العقوبات إلى مستوى جديد غير معهود.
وعبّر المسؤولون الإيرانيون في سلسلة من التصريحات والتحذيرات عن هذا القلق، وهددوا بتدفيع الولايات المتحدة «ثمناً فادحاً»، وباعتبار قواتها العسكرية في المنطقة «أهدافاً مشروعة» لهم مثل «داعش»، علماً أن الأميركيين لم يتحدثوا إطلاقاً عن الخيار العسكري، بل فقط عن تفعيل العقوبات الاقتصادية.
لكن لماذا كل هذه الضجة حول «الحرس»، ولماذا يخشى الإيرانيون كثيراً فرض عقوبات عليه، حتى ليبدوا أنهم أكثر اهتماماً به من اهتمامهم بتخلي الأميركيين عن الاتفاق النووي؟
وكالة «أسوشيتد برس» أجرت تحقيقاً قبل يومين في طهران حول ردود فعل الإيرانيين على احتمال إعادة فرض العقوبات على بلادهم، وكان لافتاً قول بعضهم إنه عملياً لم يشعر بانعكاس رفع العقوبات على حياته اليومية، على رغم إبرام الحكومة صفقات ببلايين الدولارات، وأن إعادة فرضها لن تؤثر كثيراً في الوضع المعيشي، بعدما اعتاد الإيرانيون إجراءات التقشف التي ظلت مفروضة لأكثر من عقد.
وأوضح التحقيق أن التضخم لا يزال على حاله وفرص العمل ضئيلة. وقال أحد الذين سئلوا رأيهم: «لم أرَ أي فائدة من الاتفاق، وما يهدد به ترامب لن يغير شيئاً».
وباعتراف وزارة الداخلية الإيرانية قبل أسبوع فقط، وصل معدل البطالة في بعض المدن الإيرانية إلى 60 في المئة. وحتى الرقم الرسمي الذي يحدد المعدل العام للبطالة في كل البلاد بـ 12 في المئة، يبدو غير واقعي في ضوء اعتبار الحكومة أن من يعمل ساعة واحدة في الأسبوع ليس عاطلاً من العمل.
لكن ما لم يقله الإيرانيون في شوارع طهران هو أن البلايين التي وصل بعضها نقداً بالطائرات من الولايات المتحدة بعد الاتفاق، ذهبت إلى أغراض أخرى لا علاقة لها بتحسين أوضاع المواطنين، وذهبت تحديداً إلى «الحرس» الذي يدير ما يزيد عن ثلث الاقتصاد الإيراني، ويدر أرباحاً هائلة على المرشد خامنئي وقادة التيار المتشدد، ويتولى تطوير القدرات العسكرية الإيرانية، وخصوصاً الصاروخية.
«الحرس» هو الضامن للنظام ضد أي محاولات للتغيير من الداخل، وذراعه في الخارج، وكانت له اليد الطولى في الانقضاض على المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجاً على التزوير في الانتخابات الرئاسية لعام 2009. وإدراج هذا الجهاز الأمني والعسكري في قائمة المنظمات الإرهابية سيقلّص قدراته التعبوية ويحرمه من حرية الحركة في المنطقة، وخصوصاً في العراق وسورية ولبنان. «الحرس» هو «رأس الأفعى» التي لا يفيد معها الاكتفاء بقطع أجزاء من ذيلها.
وتؤكد العقوبات الأميركية على «حزب الله» أيضاً، وهو ميليشيا رئيسية في «الحرس الثوري»، أن الثغرة في الاتفاق النووي التي استغلتها إيران لتعزيز نفوذها الإقليمي وتهديد استقرار دول المنطقة، ستقفل.
بالطبع ستستغل إيران الموقف الأميركي الجديد لتكرار تهديداتها وعنترياتها. لكن التجربة علمتنا أنها حين تهدد بإغراق تل أبيب بالصواريخ وتتوعّد القوات الأميركية في المنطقة، إنما تنهمر الصواريخ على اليمنيين، وتتحرّك الخلايا التخريبية في البحرين، ويتعرّض المزيد من السوريين للقتل والاقتلاع.
حسان حيدر
صحيفة الحياة اللندنية