أمضى الديبلوماسي والباحث ديفيد آرون ميلر 10 سنوات، عضواً في فريق التفاوض الأميركي في محادثات النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وعمل في ذلك مع إدارات جمهورية وديموقراطية. وهو أودع هذه الخبرة في كتابه «الأرض الموعودة: بحث أميركا المراوغ عن سلام إسرائيلي- فلسطيني» (2008). بعد هذا تحوّل ميلر إلى دراسة تاريخ الرؤساء الأميركيين، ومدى تطابقهم، أو اقترابهم أو ابتعادهم مِن معايير العظمة، وذلك في كتابه «نهاية العظمة: لماذا لن يكون لأميركا رئيس عظيم آخر؟» (2015).
ويحدد ميلر الرئاسة العظيمة في التغلب على أزمة كبرى، وأن تستخدم نتائجها لإحداث تغيير جذري يترك الأميركيين أفضل في شكل أساسي وإلى الأبد. وبتطبيق هذا المعيار، يسجل ميلر أن تاريخ أميركا عرف ثلاثة رؤساء عظام: جورج واشنطن، الذي أطلق الجمهورية، وأبراهام لينكولن الذي جمعها معاً وأنهى العبودية، وفرانكلين روزفلت الذي أخرج أميركا من الركود العظيم، وبذلك تحققت في المعايير الثلاثة العظمة. فقد عبَروا حشداً من الأزمات، واتسم كل منهم بالقدرة على تشكيل الحوادث.
أما النمط الثاني من الرؤساء، فهم الذين اقتربوا من العظمة: توماس جيفرسون، اندرو جاكسون، وثيودور روزفلت، وربما ودرو ويلسون وهاري ترومان. فهؤلاء «شكّلوا الأمة والرئاسة بطرق درامية وذات شأن ولكن مِن دون أن يلمسوا قمة العظمة، فزمانهم كان متحدياً، ولكن من دون أن يكون منذراً بكارثة للبلد، وميراثهم كان مثيراً للإعجاب ولكن من دون أن يكون تحويلياً، وأخطاؤهم وفشلهم أكثر أهمية ومدعاة للملاحظة»، وفق ميلر.
ويلتقط ميلر الرؤساء الخمسة الذين تركوا أثراً: فرانكلين روزفلت، ترومان، ايزنهاور، كينيدي، وليندون جونسون، بإيماءة إلى ريتشارد نيكسون. ومع ذلك فقد اغتيل كينيدي، وأحجم جونسون عن الترشح بسبب فيتنام، وتنازل نيكسون تجنباً للعزل. أما فورد وكارتر، فكانا انتقاليين. وريغان وكلينتون صنفهما ميلر رئيسين لامعين أنزلا بنفسيهما الفضيحة (إيران كونترا ومونيكا لوينسكي). وبالنسبة إلى بوش الأب، فكان قديراً مع بعض النجاح الملحوظ في السياسة الخارجية، فيما سِجِل بوش الابن سيلقى مِن التاريخ أقسى حكم. وبالنسبة إلى أوباما، فإن ميلر يصفه باعتباره الرئيس المخيب الآمال، الذي أثار أعلى التوقعات ولكن لم يستطع تحقيقها.
ويخلص ميلر إلى أن أميركا تعيش عصر «ما بعد البطولة»، فليس من المحتمل أن تحصل على رئيس عظيم آخر، فالمجتمع المعولم أصبح أكثر تعقيداً، فيما الإرهاب يفرض بطبيعته سياسة دفاعية، والسياسة الأميركية باتت أكثر استقطاباً وحزبية. وعلى هذا، ينصح ميلر الأميركيين بأن يكفوا عن توقع رئيس عظيم، فما يجب أن تنشده أميركا هو رؤساء «جيدون» وليسوا عظماء.
الارتباك الذي يحيط برئاسة دونالد ترامب منذ يومها الأول، جعل باحثين يعتبرون أنه «أضعف رئيس أميركي»، فهل نستطيع أن نتصور أي مكانة كان ميلر سيضعه فيها بين أسلافه، ويدلل به على دعوته الأميركيين ألا يتوقعوا رئيساً عظيماً آخر؟
السيد شلبي
صحيفة الحياة اللندنية