دمشق – يزداد التصعيد العسكري التركي على الحدود مع سوريا، في انعكاس لاستعداد تركيا للتخلي عن سياستها التي تقوم على ربط تحركاتها العسكرية في سوريا بموافقة روسيا أو الولايات المتحدة. لكن سرعة الوتيرة التي تقود إلى قيام إقليم كردي بالقرب من حدودها دفعها إلى تبني مخاطرة غير محسوبة العواقب.
وتحمل لهجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تزداد عدائية بالتدريج تجاه الأكراد والولايات المتحدة، مضمونا يشير إلى أن تركيا باتت مستعدة للمخاطرة بالدخول في مواجهة مباشرة مع قوات أميركية تتمركز في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، من أجل إبقاء جيبي منبج وعفرين، اللذين يسيطر عليهما الأكراد، منفصلين عن بعضهما البعض.
ويقول محللون إن تركيا تخاطر بتحركاتها العسكرية بإعادة اتفاقات خفض التصعيد، التي تم التوصل إليها في سلسلة مؤتمرات عقدت في أستانة، إلى المربع الأول، وعرقلة جولة جديدة من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف.
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، الأربعاء، إنه دعا الحكومة السورية والمعارضة إلى اجتماع خاص في فيينا الأسبوع القادم.
وقال دي ميستورا، في بيان، إن الاجتماع المزمع عقده في 25 و26 يناير الجاري سيركز على القضايا الدستورية في سوريا.
وأضاف البيان “يتطلع المبعوث الخاص إلى مشاركة الوفدين في هذا الاجتماع الخاص. ويتوقع أن يأتي الوفدان إلى فيينا على استعداد للدخول في حوار موضوعي معه ومع فريقه، مع التركيز بشكل خاص على حزمة القضايا المتعلقة بالدستور من أجل التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254″.
وما يثير حفيظة الأتراك هو تصميم الولايات المتحدة على الاستمرار بدعم وتدريب قوات يهيمن عليها الأكراد، من ضمنها قوة حدودية قوامها 30 ألف رجل، خارج إطار أي تفاهمات دبلوماسية سواء في جنيف أو أستانة أو المؤتمر المزمع عقده الشهر المقبل في سوتشي.
جوشوا لانديس: الأميركيون سيدعمون دولة كردية في شمال الفرات
لكن الولايات المتحدة تصر على الحفاظ على ضبابية بشأن مدى استمرار الدعم المقدم للأكراد وأهدافه.
ويقول جوشوا لانديس، الباحث المتخصص في شؤون سوريا في جامعة أوكلاهوما الأميركية، إن “الولايات المتحدة تدعم قيام دولة مستقلة في منطقة شمال نهر الفرات، وهي منطقة تتحكم بحصة كبيرة من احتياطات سوريا من النفط والغاز، وتضم السد الرئيسي لتوليد الكهرباء، بحيث يكون لديها جيشها الخاص، وتدرس فيها المناهج المدرسية باللغة الكردية”.
وأضاف “سيصبح هذا الكيان دولة يديرها الأكراد بحكم الأمر الواقع إذا ما استمرت الولايات المتحدة في حمايتها وتمويلها”.
ويخلط ذلك كثيرا من أوراق أردوغان، الذي بات يشعر أنه ترك وحيدا لمواجهة عدم يقين استراتيجي تقوده قوات أميركية على الأرض. فعرقلة الولايات المتحدة لاتفاق ضمني بين تركيا وروسيا لبسط سيطرة تركية على عفرين، مقابل تسهيل دخول الجيش السوري لقاعدة أبوالظهور العسكرية الاستراتيجية جنوب شرق إدلب، قلصت كل الخيارات التركية.
وتقول مصادر إن مفهوم الدعم الأميركي “المؤقت” لقوات سوريا الديمقراطية عزز الصبر التركي، لكن الإعلان عن قوة حدودية كردية طويلة الأمد قضى على هذا الصبر، وأظهر استعداد أردوغان للمغامرة والوقوع في فخ عفرين، من دون انتظار بناء توافق مع الولايات المتحدة أو روسيا.
وكانت تركيا تحاول توظيف التقارب الذي حققته مع روسيا وأثمر عن اتفاقات أستانة، في الحصول على شرعية روسية لضم عفرين بنفس نهج ضم مدينة الباب التي تقع إلى الجنوب الشرقي، مقابل صفقة تحرير حلب من أيدي المعارضة عام 2016.
لكن إصرار سوريا على حضور ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الحليف لوحدات حماية الشعب الكردية، مؤتمر سوتشي، وإبقائها على قنوات مفتوحة مع خصوم تركيا، عكس عدم رغبة روسية في تقديم تنازلات تسمح لتركيا بالدخول في مواجهة مباشرة معهم.
وقنوات الاتصال مع روسيا مفيدة أيضا للأكراد، إذ مازال عدم اليقين تجاه خطط الولايات المتحدة وأهدافها عاملا رئيسيا في إبقاء الأكراد على علاقات قوية مع روسيا التي ستمثل، إن وصل الأكراد إلى طريق مسدود في التسوية النهائية، مخرجا نحو أي مصالحة مستقبلية بين الأكراد ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول محللون إن معركة عفرين قد تنعكس على اقتصاد تركي يقترب من حافة الانهيار، وعلى استقرار نسبي مع الأكراد في الداخل، كما ستشكل مستنقعا للقوات التركية لن تخرج منه لسنوات قادمة.
العرب اللندنية