بونيفاس.. مفكر انتقد إسرائيل فاتُّهم بمعاداة السامية

بونيفاس.. مفكر انتقد إسرائيل فاتُّهم بمعاداة السامية

باسكال بونيفاس مفكر فرنسي متخصص في العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية، أسس عام 1990 معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (إيريس)، الذي يعد من أبرز مراكز التفكير في العالم. لكنه منذ انتقاده لإسرائيل، وهو يعاني من مختلف أنواع المضايقات، ومن الاتهامات الموجهة له بمعاداة السامية. من أبرز مؤلفاته “هل بالإمكان انتقاد إسرائيل؟”، و”معادٍ للسامية”.

المولد والنشأة
ولد باسكال بونيفاس يوم 25 فبراير/شباط 1956 في العاصمة الفرنسية باريس.

الدراسة والتكوين
درس بونيفاس في ثانوية سانت إكزبيري في منطقة مانت لاجولي غربي باريس، ثم في جامعة “باريس8″، ومعهد باريس للعلوم السياسية بجامعة “باريس2”.

وحصل على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم السياسية عام 1980، ودكتوراه الدولة في القانون العام عام 1985.

المسار المهني والفكري
نشط بونيفاس ضمن الحزب الاشتراكي الموحد إلى حدود 1980، ثم انتقل إلى الحزب الاشتراكي لاحقا، حيث عمل مع المجموعة البرلمانية للاشتراكيين داخل الجمعية الوطنية.

كما عمل بديوان وزير الداخلية اليساري السابق جان بيار شوفينمون ما بين عامي 1988 و1992، ثم عمل لاحقا في ديوان وزيرين آخرين للداخلية والدفاع، قبل أن يغادر الحزب الاشتراكي عام 2003.

كما نشر أعمدة بصحف عديدة في فرنسا وإسبانيا وتونس والإمارات، وشارك في لقاءات وبرامج تلفزيونية.

عمل بونيفاس مدرسا بمعهد العلوم السياسية في فرعيه بمدينتي ليل ثم باريس، كما درس بجامعة “باريس 13″، وهو أستاذ محاضر في معهد الدراسة الأوروبية بجامعة “باريس 8”.

شكل عام 1985 نقلة بارزة في حياة بونيفاس، حيث دخل عالم الإصدار والنشر عبر بوابة المجلة السنوية “العام الإستراتيجي” التي تتابع وتناقش وتحلل مسار ومستقبل القضايا الدولية الشائكة خلال عام كامل.

أسس عام 1990 معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية “إيريس” الذي يعتبر من أهم معاهد التفكير والبحث في فرنسا. وقد حظي المعهد بصفة “المنفعة العامة”، وهو ما يخول له الاستفادة من امتيازات قانونية ومالية كثيرة.

وقد صنف المعهد عام 2014 في المرتبة 26 ضمن مؤسسات التفكير “Think-thank” من طرف جامعة بنسلفانيا الأميركية لمعاهد الدراسات الدولية وتحليل السياسات خارج الولايات المتحدة.

وفي 1991، أصدر “المجلة الدولية والإستراتيجية”، وهي مجلة تصدر كل ثلاثة أشهر.

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان من بين الأوائل الذين تحدثوا بإسهاب عن الرغبات المتزايدة لإنشاء دول جديدة عبر الانشقاقات التي تكون في الغالب انشقاقات دموية، مبرزا أثر ذلك على السلم الدولي.

كما طور بونيفاس مفهوم “جيوسياسية الرياضة”، وتحدث عن الأدوار الإستراتيجية والدبلوماسية للرياضة.

وفي 1998 شغل عضوية معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني، وبقي في هذا المنصب حتى 2004. كما كان عضوا بالمجلس الأعلى للتعاون الدولي ما بين عامي 1999 و2003.

وما بين عامي 2001 و2005، شغل بونيفاس أيضا عضوية المجلس الأممي الاستشاري لقضايا نزع السلاح.

وبونيفاس كذلك عنصر نشيط بلجنة الدعم والتفكير في الأكاديمية الدبلوماسية الأفريقية، إلى جانب مؤسسات تفكير عديدة.

بدأت مشاكل بونيفاس منذ العام 2001 تقريبا، عندما عبر عن مواقفه بشأن الصراع العربي الإسرائيلي التي تجرأ فيها على توجيه انتقادات عديدة لإسرائيل، خلافا لما يتبناه تيار النخبة في فرنسا وأوروبا عموما، وتسبب ذلك في مغادرة شخصيات عديدة لمعهد “إيريس”.

فبالنسبة لبونيفاس، فإن الأحزاب السياسية -وبينها الحزب الاشتراكي- ملزمة بتغيير إستراتيجية تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، باعتماد مبدأ الدفاع عن المبادئ الإنسانية العالمية، عوض الارتهان للوزن السياسي والعسكري لكل دولة.

وفاجأ الجميع وقتها بمقارنته بين أرييل شارون والسياسي النمساوي يورغ هايدر المتهم بتمجيده للنازية، وهي المقارنة التي أغضبت يهود فرنسا. وما زاد الأمر تعقيدا وقتها بحسب تقارير إعلامية، نقل صحف أوروبية عن بونيفاس تصريحه الساخر بضرورة وضع إسرائيل على لائحة محور الشر.

ووجد بونيفاس نفسه محاطا بجو عدائي لانتقاده إسرائيل ودعوته للتعامل معها بناء على القيم العالمية، مما دفعه لإصدار كتاب “هل بالإمكان انتقاد إسرائيل؟” الذي أكد فيه أنه في فرنسا لا يمكن توجيه أي انتقاد لإسرائيل بغض النظر عمن يسيطر على السلطة.

وجلب له الكتاب سخط يهود فرنسا ومن يدورون في فلكهم، واتُّهم بمعاداة السامية، وطالت “اللعنة” حتى إعلاميين تحدثوا بإيجابية عن الكتاب في وسائل إعلام فرنسية، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على تقديم استقالاتهم.

أما بونيفاس فقد ضيق الحزب الاشتراكي الخناق عليه، وأقيل من منصبه كمسؤول عن ملف القضايا الإستراتيجية بالحزب، مما اضطره لمغادرة الحزب نهائيا عام 2003، منتقدا بشدة ارتهانه للانحياز الكامل إلى مواقف يهود فرنسا المؤيدة لإسرائيل.

ومن الكتب المميزة التي يوضح فيها مواقفه بخصوص هذا الموضوع الحساس، مؤلفه الذي صدر عام 2018 بعنوان “معادٍ للسامية” (Antisémite) الذي يؤكد فيه أن الاتهامات التي وجهت إليه بأنه معاد للسامية غير صحيحة، موضحا أن تعمد النخبة الخلط بين معاداة السامية وهو أمر مرفوض، وبين انتقاد إسرائيل والحركة الصهيونية؛ ليس بريئا، مشددا على أنه لا علاقة له بمعاداة السامية، وأنها تهمة هو بريء منها.

تلك النخبة وجه بونيفاس انتقادات لاذعة للعديد من وجوهها في كتابه المميز “المثقفون المزيفون” (les intellectuels faussaires).

المؤلفات
إلى جانب إصداره “العام الإستراتيجي”، ألف بونيفاس العديد من الكتب التي شغلت الرأي الفرنسي والعربي، في مقدمتها “هل بالإمكان انتقاد إسرائيل؟”، و”معادٍ للسامية”، و”المثقفون المزيفون”.

كما أصدر “لكي نفهم العالم”، و”الإطفائيون المهووسون بإشعال الحرائق”، و”المثقفون النزهاء”، و”فرنسا المريضة في الصراع الإسرائيلي العربي”.