بعد عام من تنصيبه ..سياسة ترامب الشرق أوسطية تنهار

بعد عام من تنصيبه ..سياسة ترامب الشرق أوسطية تنهار

في أيار (مايو) الماضي، وعلى غداء عمل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض، تعهد الرئيس ترامب بالتوسط في الوصول إلى المرحلة النهائية والمراوغة من عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وأعرب الرئيس الأميركي الجديد عن رأيه بأن العملية “بصراحة، ربما لا تكون بالصعوبة التي اعتقدها الناس على مدى السنوات”. وقال ترامب إن لدى إدارته “فرصة جيدة جداً جداً” لإتمام العملية. وقال لعباس: “وأعتقد بأنك تشعر بالطريقة نفسها”. ورد الرئيس عباس: “لدينا أمل”، وامتدح ترامب “لشجاعته وضيافته وحكمته وقدراته التفاوضية”.
بينما يشهد ترامب مضي عام على وجوده في المنصب، تتعثر سياسته الخارجية الطموحة الخاصة بأكثر مناطق العالم سخونة في العالم. وكان من المقرر أن يذهب نائبه، مايك بينس، إلى الشرق الأوسط ليزور كلاً من مصر والأردن وإسرائيل، في غمرة غضب متنام من تصرفات إدارة ترامب وإيفائها بالقليل جداً من تعهداتها، وحيث لا توجد تقريباً أي فرصة لتحقيق تقدم في أي وقت قريب، بينما شغلتها تماماً التزامات عسكرية أطول مدى للحفاظ على مكاسبها القليلة. ورفض عباس -الذي رهن مهنته السياسية بصنع السلام مع إسرائيل- حتى مجرد مقابلة بينس.
وكانت عملية السلام العربية الإسرائيلية -التي تعد أقوى مبادرات الرئيس- قد انفجرت الشهر قبل الماضي بعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقال عباس في ثورة غضب أثناء كلمة له استغرقت ساعتين يوم 14 كانون الثاني (يناير): “اليوم هو اليوم الذي تنتهي فيه اتفاقيات أوسلو. لن نقبل أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً بعدما فعلوه معنا.. المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”. وشدد الرئيس الفلسطيني على أن ما كان قد وُعِد بأنه “صفقة القرن” تحول إلى “صفعة القرن”.
كانت لدى ترامب أربعة أهداف في الشرق الأوسط عندما جاء إلى البيت الأبيض، والتي تبدأ بإعادة تحريك عملية السلام. وكان الهدف الثاني هو إنهاء الحرب ضد “داعش”، التي كان سلفه باراك أوباما قد بدأها في العام 2014. وكان الهدف الثالث هو وقف نفوذ إيران في المنطقة وانتزاع المزيد من التنازلات الجديدة منها بخصوص برنامجها النووي. والهدف، الرابع هو تعميق الدعم لنوع معين من القادة العرب، وعلى نحو خاص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعائلة المالكة السعودية. وقال ترامب في كلمة له في الرياض، التي كانت أول محطة في أول رحلة خارجية له كرئيس: “يجب أن نسعى إلى الشركاء، وليس الكمال”.
يعطي بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ونجل وزير خارجية لبناني سابق، الرئيس ترامب علامة (ج) في أفضل الحالات. ويقول: “في بعض المناطق تسير سياسته بشكل حسن. وتشكل الحرب على ’داعش‘، التي كانت قد بدأت في عهد رئاسة أوباما، نجاحاً رئيسياً. لكن سياسته تسير في بعض المناطق على نحو مرعب، بما في ذلك عملية السلام التي أصبحت أسوأ بشكل كبير”.
ويضيف سالم: “المشكلة الفعلية هي أنه ما يزال من غير الواضح مَن وما هي الإدارة الآن، بعد سنة من دخولها البيت الأبيض. إنها لم تعزز صناعة القرار لديها. من هو المسؤول؟ هل يتحدث تلرسون نيابة عن الحكومة الأميركية؟ هل يفعل كوشنر؟ ما يزال الكثير من الناس في الشرق الأوسط مصعوقين بشدة. أضف إلى ذلك أن الرئيس متقلب وغير قابل للتنبؤ بتصرفاته. فقد يكون لديه موقف يوم الاثنين، ثم ما يلبث أن يغيره يوم الثلاثاء. ويحير ذلك الناس في المنطقة. على الأقل، مع بوتين أنت تعرف مع من تتعامل. ما يقوله يوم الأثنين سوف يصمد حتى الجمعة”.
ليست الأسئلة مقصورة على الشرق الأوسط . فقد ذكر استطلاع للرأي العام أجراه مركز أبحاث “بيو” ونشرت نتائجه مؤخراً، أن عدم التأييد العالمي للقيادة الأميركية ضرب رقماً قياسياً عالياً في العام 2017. ومن المفارقات أن أعلى نسبة عدم تأييد لإدارة ترامب سجلت في النرويج -83 في المائة- البلد الذي كان ترامب قد استشهد به الشهر الماضي على أنه مصدر مفضل للمهاجرين.
تمتد الضربة الارتدادية على قرار القدس أيضاً إلى ما وراء الشرق الأوسط. ففي الشهر قبل الماضي، صوتت الولايات المتحدة بالنقض (الفيتو) على مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يطالب الولايات المتحدة بالتنازل عن قرارها. وقد دعمت الدول الأربع عشرة الأخرى التوبيخ. وبعد أيام قليلة، دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرار ترامب (بكل الدول الأعضاء). وكانت نتيجة التصويت 128 صوتاً مع مشروع القرار (بما فيها كل حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين باستثناء إسرائيل)، في مقابل تسعة أصوات ضده (بما فيها أصوات دول هامشية، مثل مايكرونيزيا ونارو وبالو وتوغو). وامتنعت خمس وثلاثون دولة -العديد منها تتلقى مساعدات أميركية- عن التصويت بعد تهديد الولايات المتحدة بوقف الدعم المالي للدول التي تصوت لصالح مشروع القرار.
ورد ترامب على ذلك بالقول: “كل هذه الدول.. تأخذ مئات الملايين من الدولارات، وحتى مليارات الدولارات ثم تصوت ضدنا. نحن نراقب تلك الأصوات. دعوهم يصوتون ضدنا -سوف نوفِّر الكثير. نحن لا نهتم”.
تسند إدارة ترامب إلى نفسها الفضل عن المرحلة النهائية في الحرب ضد “داعش”، لكن ذلك يأتي بكلفة ما يبدو الآن انخراطاً عسكرياً مفتوح النهاية في سورية. وقالت وزارة الخارجية الأميركية مؤخراً إنها تنوي الإبقاء على ألفي جندي أميركي في سورية لتعقب فلول “داعش” ولضمان استقرار البلد الذي مزقته الحرب، والمساعدة على عملية الانتقال السياسي.
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين، مؤخراً: “ما يزال داعش موجوداً. ولم تنته الحملة العسكرية ضد ما تسمى الخلافة في وادي الفرات. ثمة قتال عنيف متواصل بينما نحن نتحدث الآن”. وفي الأثناء، يعيد بعض المقاتلين رصّ صفوفهم في حين شن الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة 53 ضربة جوية في سورية في غضون أسبوع. وأضاف المسؤول: “إنهم ما يزالون يتوافرون على الإمكانية لعمل ما هو أكثر من تعطيل المحاولات الجارية لإضفاء الاستقرار، ناهيك التحول السياسي والانتقال في سورية”. وخلص إلى القول: “وهكذا، فإن الهزيمة الدائمة لهذا التواجد الخبيث هي مطلب ضروري في سورية كما في العراق من أجل تحقيق أي تقدم في المستقبل”.
وما يزال الجمود يغلف مباحثات السلام بين نظام الأسد والمعارضة بعد سبع سنوات من اندلاع الحرب السورية. وقد خفضت واشنطن تدخلها الدبلوماسي في موضوع تهيمن عليه كل من روسيا وإيران. في حين تبقى المعارضة السورية المدعومة أميركياً منقسمة وعاجزة سياسياً.
وفي موضوع إيران، قوض حديث ترامب الفظ أهم اتفاق يحد من انتشار الأسلحة النووية في ربع قرن. كما خففت الصفقة التي تم التوصل لها في العام 2015 بين إيران وست قوى عالمية رئيسية من التوترات بين إيران الثورية والمجموعة الدولية. ويتضارب قرار الرئيس ترامب أحادي الجانب بعدم رفع العقوبات عن إيران -كما تنص الصفقة- مع موقف كل من بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا.
وقال لي مسؤولون أوروبيون مؤخراً، إن جهد ترامب الرامي إلى إلغاء الصفقة الإيرانية يقوض العلاقات عبر الأطلسي في صلب الأمن الأميركي. وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فرديريكا موغيريني: “إن الاتفاق عامل، وقد أقرته الوكالة الدولية للطاقة النووية تسع مرات، وهو شأن حاسم بالنسبة لأمن أوروبا والعالم”. ويخشى مسؤولون أوروبيون آخرون من أن تعيق استراتيجية ترامب حول الأسلحة النووية، القائمة على مبدأ العمل منفرداً، معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تعتبر الأساس الذي تستند إليه كل الجهود الرامية إلى احتواء الأسلحة النووية.
بالإضافة إلى ذلك، أقلق اختيار ترامب حلفاء عرباً يميلون إلى الأوتوقراطية خبراء الشرق الأوسط ومجموعات حقوق الإنسان. وكان تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” عن مصر، والذي نشر في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي قد ذكر أن حالات التعذيب هناك وصلت مستويات “وبائية”. ولاحظت المجموعة مؤخراً أن حكومة السيسي “اختارت إنهاء العام الماضي بتنفيذ أحكام بالإعدام أقرتها محاكمات غير عادلة”. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد أن فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري له كمتسابق للرئاسة الأميركية، كان السيسي أول زعيم في العالم يهاتف المرشح الجمهوري ويلتقي به على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وفي الأثناء، يجري تجاهل دول كانت حليفة منذ أمد طويل -بلدان مثل تونس التي تمر بانتقال سياسي هش. وكانت احتجاجات قد اجتاحت عشرات من البلدات والمدن في تونس الشهر الماضي بسبب ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والمواد الأساسية والخدمات، وفرض ضرائب جديدة على المكالمات الهاتفية واستخدام الإنترنت والفنادق والواردات الكبيرة مثل السيارات. ومنذ العام 2011 الذي شهد بداية الربيع العربي عندما أحرق بائع خضراوات تونسي متجول نفسه احتجاجاً على استشراء الفساد والفقر والظلم، ما تزال أسعار الغذاء ترتفع سنوياً في تونس بما يصل إلى ثمانية في المائة.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت تونس في تقليص وظائف القطاع العام -في وقت تبلغ نسبة البطالة 15 في المائة و30 في المائة بين الشباب، بمن فيهم خريجو الجامعات. وخلال الاحتجاجات التي امتدت لأسبوع تقريباً، شهدت تونس ولادة حركة احتجاج جديدة -“ماذا ننتظر؟” أو “فش نستانو”. وقد كُتبت هذه العبارة على أسوار عامة وسياجات في عموم البلد وانتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية.
كان ترامب قد تعهد في كلمته التي ألقاها في الرياض بأنه “لا ينبغي أن يشك أصدقاؤنا بدعمنا أبداً. سوف توفر شراكتنا الأمن من خلال الاستقرار وليس من خلال الفوضى المتطرفة”. لكن مثال المتاعب الاقتصادية في تونس ينعكس أيضاً في بلدان أخرى، من المغرب ومصر إلى اليمن ولبنان. وتواجه البلدان التي تحاول إجراء إصلاحات -تحديث الاقتصادات واجتذاب المستثمرين الأجانب أو المقرضين- غضياً متنامياً من الشعوب التي تتوقع المزيد من الإصلاحات بعد الانتفاضات العربية.
وقال لي رباح رزقي، كبير اقتصاديي البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “الإصلاحات هي افتراق يلقى الترحيب مع الوضع القائم السابق. لكنها لم تجلب نوع الفوائد التي كانت متوقعة على المدى القصير. وقد رفعت كلفة المعيشة من دون مساعدة أو تغيير الديناميات الأساسية”.
وأضاف: “لم يعد العقد الاجتماعي السابق، حين كانت الوظائف تعرض لدعم السكان، قائماً الآن لأن الصناديق المالية فارغة والنمو السكاني سريع جداً، مما يجعل من المستحيل دفع رواتب كل هذه الوظائف العامة. التحديات ضخمة وخطر استمرار العنف وعدم الاستقرار ما يزال كبيراً”.
الآن، بعد مرور سنة على بدء رئاسته، تواجه عقيدة ترامب من التحديات في الشرق الأوسط أكثر من تلك التي كانت موجودة عندما أدى اليمين الدستورية يوم تنصيبه ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية.

روبين رايت

صحيفة الغد