أنهت المحكمة الاتحادية العليا الجدل المتعلق بالانتخابات، وأصدرت في 21 حزيران/يونيو الحالي حكمًا باتا وملزما للسلطات كافة، يقضي بدستورية أغلب مواد التعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي أصدره مجلس النواب العراقي بتاريخ 6 حزيران/يونيو الحالي، أي القبول بحلول قضاة من مجلس القضاء الأعلى محل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقيام بمهامها. والقبول بإعادة العد والفرز اليدوي لأصوات الناخبين في جميع المراكز الانتخابية في عموم العراق، وعدت ذلك إجراء تنظيميا لعملية الانتخابات العامة لا يخالف أحكام الدستور. لكنها اعترضت على المادة المتعلقة بإلغاء نتائج انتخابات الخارج لجميع المحافظات، وانتخابات الحركة السكانية لمحافظات (الانبار، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى)، وانتخابات النازحين في المخيمات، وانتخابات التصويت المشروط، وانتخابات التصويت الخاص في اقليم كردستان.
ووجدت المحكمة إن الغاء هذه النتائج بشكل مطلق، يشكل هدراً لأصوات الناخبين ومصادرة لإرادة الناخبين، وهو يتعارض مع احكام الدستور التي كفلت للمواطن حقه في المساواة، وحقه بالتصويت. وبذلك يكون قرار المحكمة أقرب ما يكون إلى عملية استرضاء لكافة الأطراف السياسية المتنازعة على نتائج الانتخابات، ما يمهّد الطريق لتسوية سياسية للأزمة يرجّح أنّها مطلوبة بإلحاح من أطراف داخلية وأخرى خارجية مهتمة بالوضع العراقي ومعنية بتهدئته حفاظا على نفوذها ومصالحها في العراق. وبنطق المحكمة حكمها تكون أزمة “الطعون الانتخابية” قد طويت بإلزام جميع الأطراف السياسية والتنفيذية بالحكم والعمل بموجبه. ووفقاً للمستشار القانوني في مجلس القضاء الأعلى، أحمد عبد الرحمن العبيدي، فإن “النتائج التي أعلن عنها سابقاً استناداً إلى العد والفرز الإلكتروني باتت ملغاة وغير معترف بها”. وبحكمها أنهت المحكمة الاتحادية أزمة التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات العراقية.
ومن جانبه، قال رئيس تحالف الديمقراطية والعدالة برهم صالح إن قرار المحكمة الاتحادية بداية مهمة لحماية أصوات الناخبين وأعرب صالح في سلسلة تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر عن أمله بأن يؤدي القرار الى معالجة جذرية للخروقات الخطيرة التي شابت الانتخابات، مؤكدا ضرورة الالتزام بالسياقات القانونية والدستورية في مجابهة التزوير وحماية العملية الديمقراطية.واشار صالح الى ان هذا القرار لن يكفي بحد ذاته، كونه بداية، مبينا ان النجاح في هذا الجهد مرهون بتعاون الجهات المعنية من اجل تنفيذ القانون وازالة آثار التلاعب بالعملية الانتخابية ومنع تعميق التناحر و الشقاق السياسي، مشددا على ضرورةاستقلال السلطة القضائية وحماية الدستور أساس لحماية أصوات الناخبين.
ودعا الكيانات السياسية إلى التعاون والترفع عن مصالحها الفئوية لتصويب العملية الانتخابية بدون تباطؤ درءاً لأي فراغ دستوري قد يودي بالبلد الى أزمة أعمق واخطر.واوضح رئيس تحالف الديمقراطية والعدالة ان المهم هو إرجاع ثقة المواطنين بالعملية الديمقراطية من خلال إجراءات للكشف عن الخروقات التي حدثت في المراحل المختلفة للانتخابات، بما في ذلك حالة الصناديق بعد الاقتراع، لافتا الى ان سلامتها موضع تشكيك جدي وقد تكون مصدرا جديداً للتلاعب بالأصوات.وأعرب عن أمله بأن تكون هذه الأزمة فرصة لمراجعة ومعالجة الاسباب الاساسية لدوامة الأزمات التي باتت تعصف بالبلد، داعيا الى إجراء حوار وطني شامل في اقليم كردستان والعراق عموما لتسوية شاملة والاتفاق على خريطة طريق تخرج البلد من دوامة الأزمات، وذلك على أساس احترام حقوق المواطنين وسيادة القانون ونبذ العنف وحماية السلم المجتمعي بحسب تعبيره.
في حين ، اعتبر قاسم محمد الفهداوي رئيس تحالف عابرون قرار القضاء العراقي بأنه “يعزز الشفافية بالتعامل مع نتائج الانتخابات ويعيد الثقة للمواطن العراقي بما جرى خاصة وأن اعادة العد والفرز سيكون بإشراف قضاة مشهود لهم بالنزاهة والاخلاص ، بذات الوقت سيكون ذلك منطلقا لكشف المزورين ومن تلاعب بإرادة الناخبين لغرض تقديمهم للقضاء العادل لينالوا جزاءهم العادل” .وقال الفهدواي إن تحالف عابرون “يؤكد ثقته المطلقة بالدور الكبير الملقى على عاتق القضاة والذين سيشرفون على اعادة العد والفرز وتقييم ما جرى بالعملية الانتخابية نحو انصاف الجميع والسير نحو المستقبل المشرق الذي ننشده جميعا “.
أكد القيادي في ائتلاف الفتح وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي إن تطبيق قرارات المحكمة الاتحادية بشأن نتائج الانتخابات سيجنب العراق الفراغ الدستوري.وأوضح الخزعلي في تغريدةٍ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي إن قرار المحكمة بإقتصار إعادة عملية العد والفرز اليدوي على المحطات التي وردت حولها شكاوى وطعون والمصادقة على النتائج التي لم تتعرض للطعن يمكنه أن يجنب البلد الفراغ الدستوري الخطير في هذه المرحلة حال الإسراع في تطبيقه وبشكلٍ مهني.
ومن جانبه، قال مقرر لجنة تقصي الحقائق حول نزاهة الانتخابات، النائب عبد الكريم عبطان، إن “القرار القضائي بات ملزماً وواجب التنفيذ وهو انتصار للعراقيين ككل”، معتبراً أنه “ستكون هناك نتائج جديدة لكل الكتل السياسية والمرشحين بعيداً عن النتائج التي أعلنت سابقاً”، لافتاً إلى أنه “ستترتب على عملية العد والفرز جملة من الاعتقالات وأوامر الزج بالسجون”. وأضاف “نعم ستكون هناك تغييرات على مستوى الكتل وعلى مستوى المرشحين الفائزين منهم والخاسرين”.
وبهذا الحكم أقرت المحكمة الاتحادية ثلاث مبادىء دستورية جديدة وهي على النحو الآتي:
1- يحق لمجلس النواب العراقي سن قوانين في الجلسة الاستثنائية.
2-يحق لمجلس النواب العراقي تعديل وتغيير قوانين العملية الانتخابية بعد إجرائها وقبل إعلان نتائجها.
3- أكد مجلس النواب العراقي على دستورية عدم إرسال القوانين لرئيس الجمهورية للمصادقة عليها.
وفي توقعات أولية، يرى مراقبون أن الإجراءات التي ثبتتها المحكمة الاتحادية، لن تغير كثيرا في معادلة النتائج المعلنة بالنسبة للفائزين الكبار والصغار على حد سواء، لا سيما مع إبقاء أصوات الخارج والنازحين، التي أشيع عن حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق. ومع اقتراب مجلس النواب العراقي من نهاية ولايته الدستورية، يقفز إلى الواجهة السياسية في العراق سؤال يتعلق بكيفية استمرار السلطة التنفيذية في عملها مع غياب السلطة الرقابية التي يمثلها مجلس النواب، وهو سؤال يترجم مخاوف مختلف الأطراف السياسية من إمكانية استغلال الحكومة لصلاحياتها الواسعة في التضييق على منافسيها من الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة. ووفقا للدستور العراقي، فإن الحكومة تتّحول إلى تصريف الأعمال بانتهاء عمر مجلس النواب، وهو أربع سنوات تقويمية تبدأ من أول جلسة يعقدها مجلس النواب. لكن القوانين العراقية لا تفصل في صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، ما يعتبره فقهاء الدستور إطلاقا تاما ليدها.
لذا فتح حكم المحكمة الاتحادية العراقية، الباب واسعًا أمام احتمالات عدة للمرحلة المقبلة، لا سيما أن عمر مجلس النواب الحالي ينتهي في 30 حزيران/بونيو الحالي، الأمر الذي قد يدخل البلاد في فراغ دستوري. وللتجاوز على هذا الفراغ ربما يلجأ مجلس النواب العراقي إلى عرض مقترح التمديد لنفسه إلى حين الإعلان عن نتائج إعادة العد والفرز اليدوي، والمصادقة على النتائج من قبل المحكمة الاتحادية. فبحسب المتابعون للشأن العراقي فإن مجلس النواب العراقي قد يخطو خطوات سريعة في تنفيذ ذلك للحيلولة دون حدوث أية فوضى أمنية أو اضطرابات بعد انتهاء مدته الحالية، موضحين أن مجلس النواب العراقي يبحث الآن عن أي مسوغ دستوري يمنحه الاستمرار حتى إعلان النتائج النهائية. ذلك أيضًا ما أكده مقرر المجلس، نيازي معمار أوغلو، حين أشار إلى وجود مقترح لإصدار قانون يتيح لمجلس النواب الاستمرار بعمله إلى حين الانتهاء من المصادقة على أسماء المرشحين الفائزين، بحسب ما نقلته عنه وسائل إعلام محلية.إلا أن هذا الحل قد لا يرضى أطرافًا أخرى، لا سيما تلك التي تمتلك فصائل مسلحة؛ كالقوى المنضوية ضمن تحالف “الفتح”، الذي تحدث قادته بنبرة رافضة لقرار القضاء، إذ ينذر هذا الخطاب باحتمال انحدار الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، ودخول البلاد في الفوضى الأمنية التي حذر منها في وقت سابق رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي.
أن مصالح الأطراف العراقية المتنافسة على نتائج الانتخابات ستدفعهم إلى وجوب الحفاظ على الوضع القائم وحماية العملية السياسية من الانهيار، ما يحتّم بالنتيجة الدفع باتجاه تسوية سياسية، ولتحقيقها دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى إجراء حوار وطني واسع لجميع القوى السياسية في البلاد تأتي في اطار سعيه من أجل ان تضع جميع الكتل السياسية ما لديها على طاولة الحوار والخروج بحلول جذرية تخدم العملية السياسية. لحل الأزمات التي ألمت بالعراق منذ عام 2003م ولغاية يومنها هذا، لذا حتمت المسؤولية والضمير الوطني لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في طرح تلك المبادرة، للعبور بالعراق للمكانة التي يستحقها في نظر مواطنيه ودول العالم ومدخل ذلك الدولة المدنية التي تحترم خصوصية كل مقوماتها القومية والمذهبية في إطار الرابطة الوطنية الجامعة لكل العراقيين.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية