دلالات ردود أفعال دولية على الانتخابات التركية

دلالات ردود أفعال دولية على الانتخابات التركية

لم تقلق أمريكا من نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، كما فعلت بعض العواصم والصحف الأوروبية، فوزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو علق عليها بكلمة واحدة وهي: «إن الانتخابات في تركيا انتهت، بعد الآن يمكننا الخوض في مرحلة محادثات مثمرة أكثر»، جاء ذلك في تصريحات أدلى بها بومبيو، يوم الأربعاء أمام لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ الأمريكي وأضاف في معرض إجابته على أسئلة النواب: «تركيا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق بشأن مدينة منبج السورية، معرباً عن تفاؤله حيال إنشاء العلاقات بين البلدين في هذه المرحلة»، وقال: «خلال فترة مهامي كانت العلاقات مع تركيا صعبة، وكذلك كانت في السابق، لم يكونوا راضين عن إنشائنا علاقات وثيقة مع قوات سوريا الديمقراطية، لقد حققنا قبل 3 أسابيع تطوُّرًا في موضوع منبج».
وعن الاتفاق قال بومبيو: «ما حدث في نهاية المطاف، سيكونون (الأتراك) جزءاً مهماً من الحل السياسي، ينبغي علينا القبول بالعمل جنباً إلى جنب على أحسن وجه معهم».
وحيث إن هذا الاتفاق تم التوصل إليه وإعلانه قبل الانتخابات بأيام، فإن ذلك مؤشرٌ على أن العلاقات التركية الأمريكية كانت قد تصالحت وتفاهمت على نقاط الخلاف بينهما، وأن هذا التفاهم ساهم بدرجة ما على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، ومؤشرات ذلك عودة السفير الأمريكي إلى أنقرة قبل الانتخابات بأسبوع واحد تقريباً، بعد غياب دام عاما تقريبا، وكذلك الاحتفال الذي أقيم في أمريكا لتوقيع عقد امتلاك تركيا للمقاتلة الأمريكية الحديثة إف35، وإن تأخر تسليمها فعليا لحين إجراء تدريبات عسكرية عليها من قبل الطيارين الأتراك في أمريكا، إضافة لذلك التصريحات الأمريكية حول الانتخابات، بمطالبة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جميع الأحزاب، التي شاركت في الانتخابات للعمل معاً لإدارة الحياة السياسية بعدها، أي ان أمريكا نظرت إلى الانتخابات التركية على أنها حدث داخلي، وفضلت التفاهم مع تركيا على مستقبل المنطقة بعيدا عن المناكفات، وكأنها كانت على معرفة بأن مستقبل تركيا واضح المعالم السياسية، وبالتالي فإن التعامل مع الأتراك كشركاء سياسيين على مستقبل المنطقة هو الحل الأفضل، وبالأخص في سوريا، فالتعاون والتفاهم مع تركيا هو المسار الأفضل بين حليفين استراتيجيين لعقود طويلة.
يمكن النظر إلى الموقف الأمريكي على أنه طبيعي، حيث أن امريكا تغلب مصالحها دائماً، وبتوافق الاستراتيجية الأمريكية مع تركيا بغض النظر عن الحزب الحاكم، علما أن ما يدفع أمريكا إلى التفاهم مع القيادة التركية، هو أن أيَّ تباعد بينهما سيكون لصالح روسيا بالتأكيد، ولعل تصريح الرئيس الروسي بعد إعادة انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية، كان وقعه على مسامع البيت الأبيض قويا، فبوتين قال: «نتائج الانتخابات دليل واضح على النفوذ السياسي الكبير لأردوغان وعلى الدعم الواسع الذي تحظى به قيادته».
هذا التصريح الروسي فيه تحريض للسياسة التركية لمزيد من الاستقلال عن السياسات الغربية والأمريكية، التي أضرت بالأمن القومي التركي في المرحلة الماضية، ولكن إصرار السياسيين الأتراك على التمسك بالتوازن في العلاقات الدولية، شجع مواقفهم السابقة في التفاهم مع امريكا لحماية الحدود الجنوبية التركية من المخاطر الانفصالية للأحزاب المسلحة الكردية، التي راهنت عليها أمريكا لتحرير الأراضي السورية الشمالية من تنظيم «داعش، وربما راهنت عليها أمريكا لتأمين النفوذ الأمريكي على الأرض، لحماية أكثر من عشرين قاعدة عسكرية أمريكية شمال سوريا وشرقها الجنوبي، ثبات السياسة التركية على مواقفها الصلبة وإقناعها للإدارة الأمريكية بأنها خاطئة، وأنها إنما تساعد تنظيمات إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني الموجود على قوائم التنظيمات الارهابية الأمريكية الرسمية، ما أدخل الادارة الأمريكية في حرج شديد بين مؤسساتها التنفيذية والتشريعية داخل الكونغرس الأمريكي.
أما مؤسسة حلف الناتو فقد سارعت رئاستها إلى تهنئة الشعب التركي بعد ساعات من إعلان النتائج غير الرسمية، التي أشارت إلى فوز أردوغان بنسبة 52% ، وما لفت قيادة حلف الناتو هو المشاركة الكثيفة في الانتخابات، حيث بلغت 88% من الشعب التركي، وهي من أعلى النسب الدولية في المشاركة بالانتخابات الأوروبية والعالمية، فقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ: «أهنئ الشعب التركي لمشاركته الكبيرة في الانتخابات»، وأضاف: «تركيا هي حليف مهم جدا للناتو، ليس فقط لامتلاكها موقعا استراتيجيا مهما من الناحية الجغرافية، وإنما أيضا لدورها الحساس في مواجهة الإرهاب»، أي أن الناتو حريص على كسب تركيا في الحلف وعدم تباعدها عنه.
وما كان أكثر أهمية هو نتائج الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية خارج تركيا، فأهم الإحصائيات لنتائج تصويت الأتراك في الخارج، تبين أن نسبة التصويت للرئيس أردوغان كانت عالية في الدول الأوروبية، التي كانت معادية لأردوغان في السنوات الماضية، وهذه بعض الاحصائيات بين المتنافسين الرئيسيين، وهما الرئيس رجب طيب أردوغان ومرشح حزب الشعب الجمهوري محرم أنجي، حيث كانت نسب المرشحين الآخرين أقل منه بكثير:
في ألمانيا كانت أكثر الدول الأوروبية تصويتاً من حيث عدد الناخبين البالغة (717992) ناخب، ونسبة التصويت فيها هي 49.7%، وكانت نسبة التصويت لمرشحي الرئاسة:
%64.78 لرجب طيب أردوغان، مقابل %21.88 لمحرم أنجي. أما في النمسا فكانت نسب التصويت %73.16 لصالح اردوغان مقابل %15.89 لمحرم أنجي، وفي بلجيكا كانت نسب التصويت %77.48 لأردوغان مقابل %13.25 لانجي. وفي الدنمارك %59.18 لأردوغان مقابل %15.77 لأنجي.
هذه بعض نسب التصويت في بعض الدول الأوروبية، واللافت للنظر أن هذه الدول كانت الدعاية الإعلامية فيها ضد أردوغان خصوصاً، وضد السياسة التركية عموماً، وهذا يؤكد أن الإعلام الغربي في هذه الدول الأوروبية لم يحسن تقدير العقلية التركية وردود أفعالها، وهو ما ينبغي أن تكون له دلالاته في المستقبل.

محمد زاهد جول

القدس العربي