ومع تكثف التحرّكات الإقليمية والدولية من أجل تفادي مواجهة عسكرية أشمل في الجنوب السوري، تتحرّك روسيا من أجل فرض شروطها على المعارضة السورية التي لا تزال تتمسّك بموقفها الرافض لتسوية هي أقرب إلى الاستسلام، مستفيدة من وضع استثنائي يتمتع به الجنوب السوري المتاخم للأردن الذي يحاول تجنّب امتداد تبعات الصراع إلى أراضيه. وحاولت عمّان وموسكو تجسير الهوة بينهما في ما يخص هذا الملف، حين قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن “روسيا تقيّم الجهود التي تبذلها الأردن لتحقيق المصالحة بين قوات النظام السوري والمعارضة السورية في الجنوب السوري”، مضيفاً في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، أمس الأربعاء، في موسكو، أن “روسيا والأردن أكدا في محادثاتهما ضرورة تنفيذ الاتفاقات الخاصة بالمنطقة الجنوبية لخفض التصعيد في جميع بنودها، بما فيها مكافحة الإرهاب”. وادّعى لافروف أن “الإرهابيين يسيطرون على نحو 40 في المائة من أراضي المنطقة الجنوبية لخفض التصعيد”، مضيفاً أن “مهمة مكافحة الإرهابيين جنوب سورية لا تزال الأكثر أهمية”.
من جهته، عبّر الصفدي عن قلقه من الأوضاع الأمنية جنوب سورية، قائلاً إنه “من الضروري بدء حل هذه القضية ووقف لإطلاق النار، ثم الانتقال إلى حل المسائل التي ستساعد في منع وقوع كارثة إنسانية في هذه المنطقة”. وأكد أن “التسوية السياسية وحل المسائل الإنسانية يعدان الاتجاه الأكثر أهمية في تسوية الوضع جنوب سورية”، لافتاً إلى أن “الحكومة الأردنية تعمل ما بوسعها لدعم اللاجئين السوريين الموجودين في أراضيها”.
واستؤنفت الأربعاء المفاوضات بين المعارضة والجانب الروسي، مع تأكيد مصادر إعلامية معارضة أن وفد الجيش السوري الحر يطرح وقف إطلاق نار شاملاً، وبوجود ضامن دولي كـ “نشر قوات عربية (أردنية) مع الشرطة العسكرية الروسية في نقاط مراقبة على هيئة القوات التركية في الشمال، وعودة قوات النظام إلى خطوط ما قبل الهجمة الأخيرة”، بالإضافة إلى عودة جميع النازحين إلى ديارهم وبضمانة من الشرطة العسكرية الروسية. وعلم “العربي الجديد” في سياق معركة درعا، أن “جلسة التفاوض التي كانت مقررة مساء الثلاثاء في مدينة بصرى الشام، توقفت قبل أن تبدأ فعلياً، لأن نصاب الوفد المفاوض باسم الفصائل السورية المسلحة لم يكتمل، إذ يصرّ الوفد على أن تتمثل القنيطرة ودرعا بشكل كامل في الوفد، على سبيل التضامن والتكافل. وعندما لم يكتمل نصاب ممثلي المحافظتين الجنوبيتين، طلب الوفد من الروس استمهاله ريثما يكتمل نصاب الوفد من المحافظتين لكي يكون القرار واحداً وموحداً”. وأكدت المصادر أن “المعارضة توافق على تسليم السلاح الثقيل في حال وجود ضمانات جدية، تحول دون ارتكاب قوات النظام مجازر بالمدنيين، إضافة إلى تسوية ملف معتقلي الجنوب، وكشف مصير المغيبين، وتسوية أوضاع المنشقين عن جيش النظام، والمطلوبين للخدمة الإلزامية، وعودة جميع الموظفين إلى وظائفهم الحكومية، وخروج من لا يرغب بالتسوية إلى أي منطقة في سورية”.
وذكرت مصادر مطلعة أن “النظام يريد السيطرة على معبر نصيب الحدودي من أجل تحقيق نصر إعلامي يبرر من خلاله لمواليه حجم الخسائر التي تتكبدها قواته منذ بدء عمليته العسكرية في 19 يونيو/ حزيران الماضي”. وأشارت المصادر في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنه “من المرجح أن يتولى الجانبان الروسي والأردني إدارة المعبر، على أن يكون الموظفون من النظام والمعارضة السورية المسلحة، وفق طرح روسي، فيما يطالب وفد المفاوضات بفتح معبر نصيب بإدارة مدنيين، وتأمين من الشرطة العسكرية الروسية”.
وأوضحت المصادر أن “المعارضة السورية لا تزال ترفض طرحاً روسياً بضمّ مقاتليها إلى الفيلق الخامس الذي يشرف عليه الجيش الروسي، الذي يطالب بتشكيل لواء لهذا الفيلق في جنوب سورية، قوامه من مقاتلي المعارضة السورية الراضين بالتسوية الروسية”. وبات واضحاً أن موسكو تبحث عن نفوذ بلا منازع في جنوب سورية، من خلال إملاء شروطها على المعارضة السورية التي تحاول تحسين شروط الوصاية الروسية. وتدرك موسكو أن أمر درعا مختلف عن بقية المناطق السورية فإمكانية التهجير المشابهة لمناطق سورية أخرى، تكاد تكون معدومة، إذ ترفض المعارضة هذا المبدأ بالمطلق من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد الشمال السوري قادراً على استيعاب موجات نزوح جديدة، خصوصاً أن الجانب التركي أقفل هذا الباب. ويدرك الأتراك مدى خطورة أي موجة نزوح على الأمن التركي، فالشمال كأنه قنبلة موقوتة وانفجارها يعني إغراق تركيا بالنازحين.
كما أن الأردن كان حاسماً برفض فتح حدوده تحت أي ذريعة، ومن ثم فإن الروس مضطرون لنسج خيوط اتفاق مع المعارضة يبقيها في الجنوب، ولكن “بلا مخالب”، إذ يطالبون بالسلاح الثقيل الذي على الأرجح سوف يحيّد في أي اتفاق مقبل. ويبحث الأردن عن بيئة آمنة في جنوب سورية لعودة مئات آلاف النازحين السوريين على أراضيه، والذين يضغطون على اقتصاده المتهالك أصلاً، ومن ثم فإن عمّان مضطرة للضغط على المعارضة السورية لقبول التسوية الروسية، وألا تتركهم لمصير متوحش مجهول.
من جانبه، يرى الباحث في مركز “جسور” للدراسات عبد الوهاب العاصي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “هناك اختلافاً واضحاً بين الجنوب السوري وبقية المناطق السورية”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “قوى الثورة في الجنوب السوري تهدف لامتصاص الاستراتيجية الروسية في السيطرة، وهي برنامج المصالحات وتجريد الفصائل من سلاحها”. وأضاف أنه “قامت قوى الثورة في الجنوب قبيل المعركة بأشهر بشن حملة اغتيالات واختطاف بحق عرّابي المصالحات، بالإضافة لتشكيل هيئة إشراف ومتابعة نتجت عنها غرفة عمليات مركزية”. وأعرب عن اعتقاده بأن “الغرفة خففت من نتائج المعركة، وتوقفت المصالحات، وهذا ما دفع روسيا إلى فتح باب التفاوض بعد وجود ملامح لاستنزاف طويل الأمد لقوات النظام السوري وعدم قدرة هذا الأخير على عزل حوران لجزر متعددة”.
وتابع العاصي قائلاً إن “تفاوض المعارضة السورية في الجنوب هو وفق لاءات ثلاث هي: لا للتهجير، ولا لتسليم السلاح، ولا لدخول قوات النظام”، مضيفاً أنه “من دون وجود أدوات ضغط عسكري، ستنجح المعارضة في توجيه دفة التفاوض لحل وسط سيسهم على الأرجح في التأثير على شكل الحل السياسي العام في سورية، وحتى على واقع قوى الثورة والمعارضة في الشمال السوري”.
إلى ذلك، لا يزال النظام يلهث وراء تحقيق اختراق كبير في جبهات القتال إلا أن مقاتلي المعارضة السورية يصدّون محاولات قواته ويوقعون بها خسائر كبير. وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان أن “النظام يحاول إظهار أنه سيطر على بلدة داعل كانتصار جديد بينما هي بالأساس من المناطق التي وقعت اتفاقية مصالحة مع النظام قبل العملية العسكرية”، مضيفاً أن “النظام نقض العهود وبعث بقواته لداخلها بعكس الاتفاق الذي كان يقضي بعدم دخول قوات النظام إليها”. وأشار إلى أن “قوات النظام تحاول التقدم باتجاه بلدة طفس، إلا أن جميع محاولاتها كان مصيرها الفشل حتى اللحظة، إذ استطاعت قوات المعارضة في تلك المنطقة تدمير عدد من مدرعات قوات النظام وتكبيدها خسائر”.