بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في آيار/مايو الماضي، وفرضها عقوبات اقتصادية على إيران وصلت إلى مستوى فقدانها حصتها النفطية في السوق العالمية ولم تعد أمامها أدوات من الممكن أن تحافظ بها على صادراتها سوى توعد الدول التي من المتوقع أن تعوض النقص المحتمل في العرض. إزاء هذه التحديات التي تواجه إيران يبرز إلى الواجهة مجددًا الدور التركي كطوق نجاة للإقتصاد الإيراني. وفي هذه الحالة لن تفوت تركيا الفرصة الذهبية التي قدمتها لها إدارة ترامب جراء سياساته المتشددة تجاه إيران. لتفرض شروطها عليها لإنقاذ الاقتصاد الإيراني من ورطته القادمة.
فعلى الجانب السياسي تركيا لا ترغب أن تستحكم إيران في العراق بمفردها لذا ستطلب منها أن تضع بصمتها في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، من خلال انضمام بعض الشخصيات السياسية العراقية إليها، والمحسوبين على جماعة الاخوان المسلمين أو المقربين منها. وعلى الجانب الأمني، ونظرًا لما يشكله حزب العمال الكردستناني من تحدي أمني لوحدة التراب التركي ستطلب تركيا من إيران التعاون معها في تصفية هذا الحزب، فإذا وافقت إيران على ذلك ستكون تركيا المنفس الاقتصادي لإيران. كما أن تركيا ستستفيد اقتصاديا من فرض العقوبات الاقتصادية علىها، إذ ستنشط عملية التبادل التجاري بكافة أشكاله والأفضلية هنا إلى تركيا التي ستزودها إيران بالنفط والغاز الطبيعي وبالمقابل ستزودها تركيا بكل ما يحتاجه سوقها المحلي من سلع ضرورية.
فتركيا بعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية وتجديد الشعب التركي ثقته بالرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الشهر الماضي، يسعى أردوغان ليلعب دور محوري في العراق من خلال تشكيل تكتل سُني عراقي. هذا الدور الذي كان من المفترض أن تضطلع به المملكة العربية السعودية. لولا الأداء الضعيف الذي مارسه ثامر السبهان سفيرها السابق في العراق و”المُجمد” حاليا في الخارجية السعودية، فلم يستطع السبهان أن يقترب من كل أطياف العملية السياسية في العراق وركز جهوده على طيف واحد وكانت النتيجة الفشل وما أدل على ذلك نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في العراق الشهر الماضي، فالقائمة الانتخابية التي شكلها السبهان وقدم لها الدعم المادي الكبير، هذه القائمة فشلت فشلًا ذريعًا في الحصول ولو على مقعد نيابي واحد في العراق. فالسبهان لم يكن على مستوى طموح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، فبدل من أن يخفف على المملكة العربية السعودية المشكلات التي تواجهها في الإقليم بل زادها “طينة”. فالأمير كان يطمح في إقامة علاقات طيبة مع العراق ولكن السفير السابق فشل في ذلك. وبهذا الفشل تلاشى وانتهى الدور السعودي في العراق ليحل مكانه الدور التركي وبقوة، فلربما هذا الدور قد يكون مرحبًا به من قبل الولايات المتحدة الامريكية لتطويق النفوذ الإيراني في العراق، فتركيا فعلى الرغم من توتر علاقاتها مع حليفها السابق وشريكها الحالي واشنطن إلا إنها تبق قوة إقليمية من الصعوبة بمكان أن تفرط واشنطن في علاقتها معها.
فتركيا في العراق لن ترتكب الأخطاء التي وقع بها ثامر السبهان، فهي معيار الصديق والخصم في العراق مبني على أساس المصالح العليا للسياسة الخارجية التركية فهي لا تنظر إلى انتماء السياسيين في العراق على أساس الُهويات الفرعية” كردي، سُني، شيعي” بل تنظر إلى كل ذلك غلى أنهم عراقيون، وتبني موقفها منهم على أساس سياسي وليس قومي أو طائفي، بمعنى أن أي سياسي عراقي يدعم حزب العمال الكردستناني يُعد عدوًا لتركيا حتى لو كان سُنيًا. فتركيا لن تقبل بوجود سياسيين أو نواب عراقيين يتكلمون بلسان حزب العمال الكردستاني إذ يعد ذلك إحدى الخطوط الحُمر في السياسة الخارجية التركية.
خلاصة القول أن تركيا التي تراجع دورها الإقليمي مع انطلاق ما اصطلح عليه إعلاميّا بالربيع العربي، وانعكس سلبيا عليها في بعض محطاته، ربما تستعيد دورها الإقليمي المحوري عبر العقوبات الاقتصادية على ايران ومن إحدى بواباتها الرئيسية، العراق.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية