بغداد – بدأ بريت مكغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق، جولة جديدة من المشاورات مع مختلف الأطراف السياسية في بغداد، على أمل حشد الدعم اللازم لبقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في منصبه لولاية ثانية.
وتتواصل المفاوضات بين مختلف الأطراف العراقية تحت ضغط المهلة الدستورية، التي أعلنها الرئيس فؤاد معصوم، محددا الثالث من الشهر المقبل موعدا لانعقاد البرلمان المنتخب، ما يتطلب حسم أسماء المرشحين لمناصب رئيس البرلمان ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
ومع أن الترجيحات تصب في صالح الفريق السياسي الداعم للعبادي، إلا أن محورا آخر مدعوما من إيران، يحاول بشتى الطرق الدفع بمرشح مختلف لمنصب رئيس الوزراء.
ويتنافس محوران شيعيان على منصب رئيس الوزراء، الأول يضم مقتدى الصدر والعبادي وعمار الحكيم، فيما يضم الثاني نوري المالكي وهادي العامري.
ويقول ممثلو كل طرف، إنهم الأقرب إلى تشكيل الكتلة الأكبر، التي تملك حق ترشيح رئيس الوزراء.
ولم يقتصر الانقسام السياسي على المكون الشيعي بشأن المرشح لمنصب رئيس الوزراء، إذ يلوح احتمال التشظي في سماء المكون السني، الذي ينقسم ممثلوه بين مرشحين اثنين لشغل منصب رئيس البرلمان، الأول هو محافظ الأنبار محمد الحلبوسي، والثاني هو نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، في حين تتحدث المصادر عن مرشح ثالث هو وزير التربية السابق محمد تميم.
وقالت مصادر سياسية رفيعة لـ”العرب”، إن “المحور السني، الذي تشكل عقب الانتخابات العامة من 53 نائبا، مهدد بالتفكك حاليا بسبب خلافات داخلية بشأن المرشح لرئاسة البرلمان”.
وأشارت المصادر إلى أن الانقسام السني، ربما يتحول إلى فرصة لدى أي من الطرفين الشيعيين اللذين يتسابقان على منصب رئاسة الوزراء، موضحة أن الفريقين الشيعيين يجريان اتصالات مكثفة مع أطراف في المحور السني على أمل اجتذابها.
وعقد زعيم تحالف الفتح، هادي العامري المدعوم من إيران، لقاء مع زعيم المشروع العربي والقيادي البارز في المحور السني خميس الخنجر المدعوم من تركيا وقطر، لبحث فرص بناء تحالف مشترك.
وذكرت المصادر أن “الخنجر لا يمانع التحالف مع العامري، لكنه يفضل التريث في إعلان هذا الأمر حاليا”.
وعلى عكس الانقسامات الحادة في الأوساط السياسية الشيعية والسنية، بدا الموقف الكردي موحدا، ولم تفلح محاولات عديدة في اللعب على تناقضات قواه الداخلية.
وشكل الحزبان الكرديان الرئيسيان، الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه وترأسه لسنوات عديدة الرئيس الراحل جلال الطالباني، وفدا تفاوضيا مشتركا للحوار مع القوى الشيعية والسنية.
وتقول مصادر مطلعة على كواليس المفاوضات إن الانقسامات التي تضرب القوى الشيعية والسنية، دفعت الأطراف الكردية إلى رفع سقف مطالبها.
وينتظر الأكراد أن يوافق أي من الفصيلين الشيعيين المتناحرين على مطالبهم من الحكومة الجديدة، ليعلنوا دعمهم له.
ولا يمانع الأكراد دعم العبادي أو غريمه المالكي، في حال تعهد أي منهما بالموافقة على المطالب.
ويخطط الأكراد لحصد مكاسب واسعة خلال مرحلة المفاوضات، تتعلق بإعادة ترتيب وضع كركوك التي خسروا السيطرة عليها لصالح القوات العراقية إثر استفتاء الاستقلال، فضلا عن ضمان حصتهم من موازنة البلاد العامة والحصول على ضمانات تسمح لهم بتصدير النفط المستخرج من مناطقهم بشكل مستقل.
ويعتقد فريق العبادي أن لا وقت يكفي لبحث كل هذه المطالب، بينما يتسرب أن المالكي على استعداد للموافقة عليها جميعا.
ويقول مراقبون إن الأكراد سيحاولون الحصول على مكاسب في المفاوضات حاليا تسهل لهم التحول إلى دولة لاحقا استجابة لحلمهم القومي التاريخي، ما يضع الأطراف السياسية الشيعية والسنية على حد سواء أمام مسؤوليات جسيمة تتعلق بنواياها إزاء وحدة البلاد.
ووسط هذا التجاذب الحاد، يسعى ممثل ترامب في العراق إلى إقناع قوى سياسية شيعية وسنية وكردية بالوقوف خلف العبادي لينال ولاية ثانية.
وبدأ بريت مكغورك جولة مباحثات جديدة، الثلاثاء، بلقاء نائب الرئيس أسامة النجيفي، حيث ناقش الطرفان “ملفات مهمة تتعلق بالتطورات السياسية وطبيعة المباحثات الجارية بين الكتل السياسية لتشكيل الكتلة الأكبر”.
ووفقا للمصادر، فإن المبعوث الأميركي سيلتقي جميع الأطراف التي يمكن أن تنخرط في مشروع دعم العبادي في بغداد وأربيل، مشيرة إلى “رغبة أميركية ملحة في حسم ملف المرشح لرئاسة الوزراء بسرعة”.
ويشير مراقبون إلى أن التسوية الأميركية – الإيرانية غير ممكنة هذه المرة، وأن الصراع بين الطرفين في العراق أشد وضوحا من أي وقت مضى، وهو ما يشير إلى نهاية الاتفاق الذي ساد عبر السنوات الماضية.
ويقول مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” إن التنافس على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر إنما يجري من قبل تحالف مدعوم أميركيا وآخر مدعوم إيرانيا، وهو ما يشكل بداية لحرب صامتة، توقع الكثيرون أن يكون العراق ساحتها.
ويؤكد المراقب أن كل طرف يلقي بكل ثقله من أجل أن يتحكم بمصير العراق، لا على مستوى الأربع سنوات المقبلة بل على كل مستقبل العراق، مضيفا أنه “إذا ما فاز تحالف المالكي ــ العامري فإن العراق سيكون إيرانيا إلى الأبد، وهو أمر لا ينسجم مع طبيعة المرحلة التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات مشددة على إيران.
ولم يستبعد أن تقدم الولايات المتحدة مكافأة لإيران في الوقت الذي يجب فيه أن تدفع ثمن تدخلاتها في المنطقة وفي مقدمتها التدخل في العراق.
ويلفت إلى أنه إذا ما كان طرفا الصراع السياسي داخل العراق معلنين، فإن هناك أطرافا لا تزال غير مقتنعة بجدية الطلاق الأميركي ــ الإيراني في شأن العراق، وأن تلك الأطراف تنتظر أوامر أميركية مباشرة لتحسم موقفها، وهو ما ستكشف عنه اتجاهات حركة بندول الساعة الأميركية.
العرب