تسعى روسيا إلى إبرام تسوية في إدلب شبيهة بتلك التي جرت في الغوطة الشرقية، باعتبارها الخيار الأقل كلفة، في ظل وجود أكثر من 80 ألف مقاتل في المحافظة، ويقول متابعون إن تركيا سيكون لها الدور الأساس في التوصل إلى مثل هذه الصفقة.
دمشق – كشفت وزارة الدفاع الروسية عن إجرائها مفاوضات مع فصائل من المعارضة السورية وبعض الشيوخ في محافظة إدلب للتوصل إلى تسوية شبيهة بتلك التي أبرمتها في جنوب سوريا وقبلها في الغوطة الشرقية.
وقال وزير الدفاع سيرجي شويغو، الثلاثاء “تجري هناك محادثات صعبة على جميع المستويات مع من كنا نسميه سابقا بالمعارضة المعتدلة ونسميه اليوم بالمسلحين وزعمائهم. كما يجري العمل مع الشيوخ الذين يسيطرون على بعض القبائل في هذه الأراضي”.
وأضاف شويغو أن هذه المحادثات تهدف إلى تحقيق تسوية سلمية في هذه المنطقة على غرار تسوية الأزمة في درعا والغوطة الشرقية. ويرى مراقبون أن إعلان شويغو عن مفاوضات مع فصائل في إدلب قد يكون في إطار الحرب النفسية التي تشنها روسيا وهدفها هز ثقة المعارضة وبث الفرقة في صفوفها على غرار ما حصل في الغوطة الشرقية، خاصة وأن جبهة التحرير الوطني سارعت إلى نفي الأمر.
من جهة ثانية يقول آخرون إن تواصل روسيا مع الفصائل في إدلب أمر متوقع باعتباره الخيار الأقل كلفة من شن عملية عسكرية واسعة، في ظل وجود ما بين 80 ألفا و100 ألف مقاتل في المحافظة التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى حاضنة للفصائل بجميع تلويناتها، بعد تهجير العشرات منهم من مناطق أخرى في إطار صفقات جرى التوصل إليها برعاية روسية.
ويلفت المراقبون إلى أن تركيا لن تكون بعيدة عن هذه المحادثات باعتبارها الراعي للفصائل المقاتلة في المحافظة الحدودية معها.
وأجرى المسؤولون الروس في الأسابيع الأخيرة لقاءات عدة مع نظرائهم الأتراك في أنقرة وفي موسكو لإيجاد تسوية لمشكلة إدلب، وذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مرارا أن بلاده ترفض شن عملية عسكرية واسعة من قبل النظام، بيد أنها تؤيد خطوة محاربة جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) التي تصنف تنظيما إرهابيا وتبسط سيطرتها على 60 بالمئة من المحافظة.
وقامت تركيا في الأشهر الأخيرة بتجميع الفصائل في إدلب ضمن تحالف أطلقت عليه اسم “جبهة التحرير الوطني” مستثناة منه جبهة فتح الشام، ويأتي تشكيل هذا التحالف كخطوة للحيلولة دون تكرار أخطاء تشتت الفصائل التي انتهت بأن تكون لنظام الأسد الكلمة الفصل في العديد من أنحاء سوريا.
ويقول محللون إن تركيا قامت بخطوة ذكية مزدوجة فهي بداية عمدت إلى فصل ما يوصف بالمعارضة “المعتدلة” عن المصنفة إرهابية كجبهة فتح الشام، لسحب ذريعة شن عملية عسكرية واسعة على إدلب، كما أنها بتجميعها هذه الفصائل ترى أن ذلك من شأنه أن يعقد خطط النظام والروس في حال أصروا على شن هجوم كبير لأن ذلك قد يسقطهم في معركة استنزاف كبرى ويزيد الضغوط الدولية عليهم.
أما في حال التوصل إلى تسوية مع الروس فإن هذا الجيش الوليد (جبهة التحرير) سيكون إحدى الأذرع التي ستقاتل جبهة فتح الشام وسيكون له حضور مستقبلي عند تسوية الأزمة السورية، وهكذا تحافظ تركيا عن نفوذها في هذا البلد، وتتجنب موجة نزوح كبيرة إليها.
ويرى المحللون أن عرض روسيا لتسوية شبيهة بتسوية الغوطة لن يكون بالسهولة المطروحة فتركيا ستسعى إلى مقايضة ذلك بعدم تمكين الأكراد من حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا.
ومعلوم أن مجلس سوريا الديمقراطية الذراع السياسية لقوات سوريا الدمقراطية التي تقودها الوحدات الكردية قد بدأ قبل فترة مفاوضات مع دمشق لتعزيز خياراته في مواجهة المتغيرات في المشهد السوري.
وتنظر أنقرة إلى هذه المفاوضات التي تتم برضى روسي أميركي بقلق وهي تريد استثمار حاجة النظام إلى استعادة إدلب لابتزاز الأخير وداعمته موسكو في هذا الموضوع الذي تربطه بأمنها القومي.
ويشير المحللون إلى أن ذلك لا يعني أن لتركيا أوراق ضغط أهم من روسيا خاصة وأن العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة متوترة، وهي تشعر بأن الطرف القادر على دعمها في هذه المرحلة هو موسكو، وبالتالي ليست في وارد الذهاب بعيدا في تحدي الكرملين.
ويرجح محللون أن تصل موسكو وأنقرة إلى توافق حول إدلب وإن كانت تركيا ستتظاهر بخلاف ذلك، وهذا سبق أن مارسته خلال معركة الغوطة وقبلها معركة حلب.
ويرى مراقبون أن المشكلة الأخرى التي تواجه روسيا هي الغرب فحتى وإن نجحت في تدجين الموقف التركي بتسليم إدلب فإن ذلك لا يعني أنها أسدلت الستار على الأزمة السورية، حيث أن الغرب، الذي يستشعر وجود توجه روسي لإقصائه، لديه أوراق كثيرة لإبقاء الأزمة مفتوحة ومنها ملف اللاجئين وإعادة إعمار سوريا.
ويشير هؤلاء إلى أن على موسكو استئناف التواصل مع القوى الغربية في حال أرادت فعلا إنهاء الصراع، وهذا ما بدأت فيه فعلا حيث قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الثلاثاء إن واشنطن أجرت اتصالات فعالة مؤخرا مع روسيا بشأن الأسلحة الكيمياوية في سوريا.
وجاء هذا الإعلان بعد تحذيرات أميركية متواترة بشأن فرضية توجه النظام السوري لاستخدام الأسلحة الكيمياوية في إدلب، الأمر الذي عدته روسيا تمهيدا لإمكانية تدخل غربي جديد ضد النظام، أسوة بما حصل عقب سيطرة الأخير على الغوطة الشرقية في أبريل الماضي.
وبالتوازي مع إجراء اتصالات مع الولايات المتحدة حول هذا الأمر عمدت روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري قبالة سوريا. وكتبت صحيفة “كوميرسانت” الروسية نقلا عن مصدر في هيئة الأركان الروسية أن فرقاطتين مجهزتين بصواريخ عابرة من نوع كاليبر قادرة على ضرب أهداف على الأرض أو سفن، أرسلت السبت بحرا إلى المتوسط.
وأصبح الأسطول الروسي مؤلفا من عشر سفن وغواصتين قبالة سوريا، أي أنه أكبر تواجد عسكري منذ بداية النزاع في سوريا عام 2011 كما أوردت صحيفة “إزفستيا”.
وتعمد روسيا إلى تبني خيار الدبلوماسية بالتوازي مع الخيار العسكري، وهذا شكل أحد مواطن قوتها في سوريا وأثبت هذا التمشي نجاعته سواء في التعاطي مع المعارضة أو التعاطي مع القوى المنخرطة في النزاع السوري.
العرب