يقول إن مجهولين قاموا -دون علمه- بإنشاء عدة شركات باسمه، وأودعوا عشرات الملايين من الدولارات في الحسابات المصرفية لهذه الشركات، وهو لا يعدو كونه مصفف شعر بسيط الحال.
ويضيف مصفف الشعر الأوكراني الشاب يفغيني كاسييف (34 عاما) خلال مقابلة صحفية مع نيويورك تايمز أن الأمر لم يكن يخلو من الطرافة أحيانا، أن أكون “مليونيرا سريا”؛ حتى اليوم الذي جاءت فيه السلطات لتطالبه بدفع ثلاثين مليون دولار.
ولم يكن أحد الأشخاص الذين نفذوا عمليات تجارية بإحدى الشركات المسجلة بهوية كاسييف المسروقة ليعني له شيئا أو يسترعى انتباهه، لكنه لفت انتباه المحققين الأميركيين: إنه بول مانافورت الرئيس السابق للحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يخضع للتحقيق حاليا مع فريق المحقق المستقل روبرت مولر، ووافق الجمعة الماضي على التعاون مع المحققين لقول كل شيء بعد أن حكمت عليه المحكمة بالسجن وغرامات تبلغ ملايين الدولارات.
الخيط الذي ورطه
وكان مانافورت الذي عمل عشر سنوات مستشارا سياسيا في أوكرانيا قبل أن يصبح رئيسا لحملة ترامب في 2016، قد أبرم صفقة بمئات الآلاف من الدولارات باسم شركة وهمية مسجلة باسم مصفف الشعر كاسييف، يُطلق عليها اسم “نيوكوم سيستمز ليمتد”.
هذا مثال واحد للترتيبات المالية المعقدة التي لفتت انتباه المحقق مولر وأدت إلى اعتراف مانافورت بأنه مذنب بتهم جنائية الجمعة الماضي بواشنطن، مستسلما للتعاون الكامل مع مولر.
وبالنظر في التهرب الضريبي من قبل مانافورت، عثر محققو مولر على مجموعة من شركات “الأوفشور” (ما وراء البحار) يدير بعضها أشخاص مثل كاسييف، لا يدرون حتى باستخدام هوياتهم في هذه العمليات.
وليس مستغربا أن يستخدم مانافورت شركات وهمية لإخفاء غسله الأموال ويستخدم مديرين وهميين في أوكرانيا وغيرها، لكن المستغرب هو دور -وأحيانا مصير- من تُستخدم هوياتهم الذي قد لا يهتم به أحد.
مدمنون ومرضى
وأحيانا يكون المديرون الوهميون محامين وأحيان أخرى من ضحايا سرقة الهويات، لكنهم في العادة إما مدمنو خمور أو معتلّون يوافقون ببساطة على بيع جوازات سفرهم مقابل عشرين دولارا فقط.
وإحدى المخاطر المحتملة لهذا الترتيب أن يحاول المدير الوهمي ادعاء ملكية الملايين المسجلة باسمه، لكن مديرة مركز مكافحة الفساد في أوكرانيا داريا كالينيوك تقول إن ذلك لم يحدث قط “لأن الأمر بحاجة لبعض المعرفة بكيفية عمل هذا في ملاذات التهرب من الضرائب، في قبرص أو جزر فيرجن البريطانية حيث يتم إنشاء هذه الشركات الوهمية”.
وحتى إذا كانت لديك المعرفة، فإن محاولة السيطرة على شركة تتبع لأحد رجال الأعمال الأقوياء النافذين أمر محفوف بالمخاطر، بحسب كالينيوك.
ويقول كاسييف إن المرة الأولى التي علم فيها بدوره المجهول في إنشاء ثلاث شركات كان قبل عشر سنوات تقريبا، عندما اتصلت به شرطة الضرائب عام 2007 بشأن ضرائبه المزعومة التي بلغت آنذاك ثلاثين مليون دولار، على ذمة شركة له اسمها “ريجونال إنشورانس يونيون”.
أقنع الشرطة بسهولة
وقال كاسييف إنه لم يجد صعوبة -نظرا لشكله وهيئته ومهنته مصفف شعر- في إقناع الشرطة بأن الأمر كله يعود إلى سرقة جواز سفره قبل عام.
ومثل كاسييف، هناك بعض المشردين اشتهروا بأسمائهم وسط الناشطين الذين يتعقبون أعمال الفساد في الدول التابعة للاتحاد السوفياتي سابقا، ذلك لأن هؤلاء المشردين يدخلون فجأة ودون موعد في غالب الأحيان إلى مكاتب رؤساء الشركات المليونية حيث يتم شراء أسمائهم وهوياتهم.
ومن هؤلاء مشرّد شهير في الإعلام الأوكراني بأنه من لاتفيا، واسمه إريك فاناغيلز، وهو مسجل باعتباره مالكا لمئات الشركات في بريطانيا وقبرص وإيرلندا ونيوزيلندا وبنما وغيرها، ومنها شركات تقوم بتمويل حديقة الحيوان الخاصة بالرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش وعقاراته المترامية الأطراف، وهو -أي يانوكوفيتش- عميل رئيسي لمانافورت.
حافٍ وجائع
وفي حالة أخرى شهيرة، استجوبت الشرطة الأوكرانية العام الماضي شخصا حافيا اسمه أركادي كاشكين، بعدما وافق -بسبب تضوره جوعا- على عرضها له شرائح من البيتزا، واتضح خلال الاستجواب أن اسمه استخدم كمدير لواحدة من عدة شركات اشترت أسهما أوكرانية بقيمة 1.5 مليار دولار.
والآن، ليس من الواضح كم جملة الأموال التي مرت باسم الشركات المسجلة باسم كاسييف أو غيرها، لكن الواقع الماثل يقول إن كاسييف يقضي يومه في ممارسة مهنته بصالونه في العاصمة الأوكرانية كييف، ويتقاضى حوالي ثمانية دولارات عن كل رأس يحلقه.
ويقول كاسييف إن أفضل أوقات يومه تكون عندما يرى زبائنه وهم يغادرون مقعد الحلاقة وقد استعادوا ثقتهم بأنفسهم.
المصدر : نيويورك تايمز