عرض خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء حوارا مباشرا وصريحا مع الجزائر ودون وساطة من طرف ثالث، واقترح تكوين آلية مشتركة لهذا الحوار حتى يتحول إلى حقيقة ولا يبقى مجرد تسجيل مواقف، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تاريخية تمكن البلدين من تجاوز مخلفات الماضي والتفكير في المستقبل، مشددين على أن الكرة الآن في مرمى الجزائر التي بيدها أن تتفاعل مع المبادرة الملكية أو ترفضها.
وقال العاهل المغربي إن المغرب “منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين”.
وأضاف “مصالح شعوبنا هي في الوحدة والتكامل والاندماج، دون الحاجة إلى طرف ثالث للتدخل أو الوساطة بيننا”.
وتابع قائلا “يشهد الله أنني طالبت، منذ توليت العرش، بصدق وحسن نية، بفتح الحدود بين البلدين، وبتطبيع العلاقات المغربية الجزائرية”.
ويعتقد المراقبون أن دعوة العاهل المغربي للحوار تحمل بعدا استراتيجيا تحتاجه المنطقة التي يجب أن تغادر مربع الخلافات ومخلفات الحرب الباردة، وأن تتفرغ لبناء المستقبل من بوابة التكتلات الاقتصادية، ووفق آليات واضحة بعيدا عن المزاجية أو تغيّر الأشخاص.
وأكد خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية بالمغرب لـ”العرب”، أنها رسالة تاريخية من أجل تجاوز الخلافات التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.
وأضاف الشرقاوي أنه لا يمكن تحقيق تنمية ورخاء اقتصادي بالمنطقة المغاربية ووحدة حقيقية بين دولها دون أن تكون العلاقات البينية جيدة وقوية، والدليل على ذلك أن توتر العلاقات بين المغرب والجزائر كانت له آثار سلبية على الوحدة المغاربية وضيع على البلدين فرصا اقتصادية هائلة.
واقترح الملك محمد السادس إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، وأن يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها، وشكلها وطبيعتها، مؤكدا انفتاح المغرب على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر.
مسؤول مغربي حكومي: الاقتراح المغربي للجزائر “لا ينطوي على أي تكتيك: إنّه يد ممدودة فعلا، ليس من منطلق ضعف وإنّما من منطلق وعي بالواقع”
وتتمثل مهمة هذه الآلية في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات.
ويمكن أن تشكل هذه الآلية وفق الملك محمد السادس إطارا عمليا للتعاون في مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية. كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة”.
وقال مسؤول مغربي حكومي رفيع المستوى إنّ من شأن الآلية التي اقترح الملك محمد السادس تشكليها أن تتيح للبلدين مناقشة كل القضايا الثنائية “دون محظورات” وأن “تضع على طاولة البحث كل الشكاوى” من مثل المخدّرات والتهريب وقضية الصحراء المغربية والوقائع التاريخية غير الموضّحة والاتفاقيات التي لم تحترم.
وأضاف أن هذه الآلية من شأنها أيضا تحديد مشاريع التعاون الثنائي “في مجالات رئيسية مثل الأمن” وتنسيق الإجراءات بشأن قضايا أوسع نطاقا مثل الهجرة والإرهاب.
وأعرب المسؤول الحكومي عن أمله في أن “تردّ الجزائر إيجابا (على مقترح الملك محمد السادس) من أجل إفشال التوقّعات التي تصفنا بأنّنا منطقة محكوم عليها بالانقسام”، مشيرا إلى أنّ “الدول الأخرى كانت قادرة على التغلّب على الصعوبات من خلال الاعتماد على الحوار والمراهنة على مستقبل مشترك”.
وتقول أوساط مغربية إن الملك محمد السادس ينظر إلى احتواء الخلافات مع الجزائر في سياق رؤية مغربية أشمل ترتبط بمقاربته للتعاون الاقتصادي الأفريقي كجزء ضروري في أي شراكة مع دول الشمال.
واعتبر الطالب بويا ماء العينين، الباحث في قضية الصحراء، في تصريح لـ”العرب”، أن الدعوة الملكية المباشرة إلى الجزائر لتجاوز الخلافات والوقوف على مثبطات وحوافز الدفع بالعلاقات التاريخية بين البلدين، استمرار في التحول الاستراتيجي لانفتاح المغرب على القارة الأفريقية عامة، خاصة وأن ما يجمع الجزائر مع المغرب أكثر مما يفرقها.
وبحسب المسؤول المغربي الحكومي، فإنّ الاقتراح المغربي للجزائر “لا ينطوي على أي تكتيك: إنّه يد ممدودة فعلا، ليس من منطلق ضعف وإنّما من منطلق وعي بالواقع″.
وحول قضية الصحراء أكد الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، على أن المغرب مستعد للتعاون مع الأمم المتحدة لحل قضية الصحراء المغربية، مع الاحتفاظ بمبدأ الحكم الذاتي، مذكرا في الوقت نفسه بأن المغرب سيتعامل بحزم مع كل محاولات الانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المحددة.