ملخص:
يعيش شبه الجزيرة العربية على وقع التطورات الخطيرة التي شهدتها الساحة اليمنية بعد سيطرة الحوثيين والقوات المؤيدة للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح على مفاصل الدولة وتجاوز الشرعية القائمة وذلك في محيط إقليمي يزداد تعقيدًا مع توجهات السياسة الإيرانية في المنطقة وتدخُّل طهران المتزايد في الشؤون العربية عبر حلفائها، سواء باستخدام القوة العسكرية أو عبر التحشيد الطائفي.
كما مثَّل الامتداد العسكري لتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية وسيطرته على مناطق واسعة في كل من العراق وسوريا، أحد التهديدات المباشرة لدول الخليج ولحدودها الشمالية.
لبحث هذه التهديدات وأثرها على أمن منطقة الخليج واستقرارها ومستقبلها، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات ندوة حوارية شارك فيها د. عبد الله الشايجي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت سابقًا، والأستاذ الزائر في جامعة جورج واشنطن، والمتخصص في الشؤون الأميركية، ود. محمد المسفر، الكاتب والمفكر العربي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، والأستاذ جمال خاشقجي، الإعلامي والكاتب السعودي ومدير عام قناة العرب الإخبارية، ود. فاطمة الصمادي، الباحثة الأولى في مركز الجزيرة للدراسات، والمتخصصة في الشأن الإيراني، ومحفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني)، مفتي تنظيم القاعدة سابقًا
الخليج العربي: مخاطر وتهديدات
يقول د. عبد الله الشايجي: إن طبيعة التهديدات التي تواجه الخليج العربي انتقلت من الدول إلى تهديدات من لاعبين من غير الدول مثل الحوثيين في اليمن وتنظيم الدولة في سوريا والعراق؛ فالحوثيون يتلقون الدعم من إيران التي أغراها الصمت الخليجي في الماضي واستخدمت أذرعًا عربية في ظلِّ غياب أميركي عمَّا يجري. كما أن تنظيم الدولة استفاد من ضعف الدولتين في سوريا والعراق ليفرد حدود سيطرته لتصل إلى ما يقارب نصف مساحة سوريا ونصف مساحة العراق.
ويرى الشايجي أن دول الخليج هبَّت بقيادة السعودية لمواجهة الخطر الحوثي، ويعتقد أن الحقبة الحالية هي حقبة مجلس التعاون الخليجي في ظل إقليم يعيش بلا نظام.
ويعتبر الشايجي أن السعودية لم تقم فقط بقيادة تحالف ضد الحوثيين وإنما شكَّلت سدًّا لردع إيران وأية دولة تريد الهيمنة على المنطقة؛ حيث إن إيران تعمل في كلٍّ من سوريا والعراق ولبنان دونما رادع، وأن التحالف الخليجي سيكون له كلمة في مواجهة هذا النفوذ إضافة إلى مواجهة النفوذ الإيراني في اليمن عبر الحوثيين.
وطالب الشايجي بتفعيل دور مجلس التعاون الخليجي والاعتماد على النفس في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بملفات أخرى وتقلِّص من اهتمامها بالمنطقة، كما يرى الشايجي أن واشنطن تعتبر إيران دولة محورية في المنطقة طالما أنها -حسب واشنطن- تساعدهم في ملفات إقليمية مثل أفغانستان والعراق وغيرها.
عواصف حزم
وحول الوسائل التي تستطيع دول الخليج العربي بها مجابهة التهديدات الأمنية الماثلة في محيطها وعلى حدودها دعا الأستاذ جمال خاشقجي هذه الدول إلى “المبادرة” بمعنى اتخاذ موقف تجاه ما يجري، ورأى أن عدم المبادرة مُضِرٌّ، وقال: إنه طوال أواخر 2013 وحتى 2015 والدول الخليجية منشغلة بسحب السفراء من الدوحة والصراع الخليجي الداخلي بينما كان الحوثيون يمدون نفوذهم في اليمن حتى وصلوا إلى صنعاء، وقارن ذلك بما حصل من احتلال أميركي للعراق عام 2003.
وحدَّد خاشقجي مواضيع المبادرة الخليجية بثلاثة مواضيع، وهي: داعش وإيران، وما أسماه: انهيار المشرق العربي بسقوط العراق وسوريا في براثن إيران.
وفيما يتعلق بالربيع العربي، قال خاشقجي: إنه استحقاق واقعي وليس هَبَّة أو هوجة، مشيرًا إلى أن الدول الضعيفة هي التي فشل فيها الربيع والدول القوية هي التي نجح فيها هذا الربيع.
ولفت النظر إلى أنه قد تكون هناك عواصف حزم مماثلة سواء في سوريا، أو حتى في العراق في مواجهة التمدد الإيراني، مُعرِبًا عن الأمل في استعادة العراق الأوسط بمساعدة تركيا، الحليف المستقبلي للخليج.
وحول العلاقة مع الولايات المتحدة، قال: إنه يجب المحافظة عليها بشكل جيد حتى وإن كانت واشنطن دخلت في حالة علاقة مصالح مع إيران التي تفاوضهم بشراسة وتطالب بحقوقها النووية وذلك لأن العالم يحترم القوي، وقال: إن قمة كامب ديفيد الأميركية التي نظر البعض لنتائجها على أنها سلبية، هي استحقاق طبيعي في العلاقة بين الطرفين.
مكاسب ومخاطر
وتحدث د. محمد المسفر عن مكاسب ومخاطر عملية الحزم التي أُطلق عليها فيما بعد: “إعادة الأمل”، فقال: إن العاصفة ردَّت الأمل بأنه من هنا سنبدأ بتحرير قضايانا وسيكون لنا قرارنا السياسي المستقل عن الولايات المتحدة التي أُبلغت عن العملية ولم تُستشر فيها وذلك بعد أن عجزت عن اتخاذ القرار المناسب.
وقال المسفر: إن العملية العسكرية ضد الحوثيين قادها شباب من المملكة العربية السعودية استطاعوا أن يجمعوا حولهم عددًا من الدول العربية.
وقال المسفر: إن أهم التحديات التي تواجه عاصفة الحزم هي ممارسة أطراف معينة الضغوط لإيقافها، إمَّا بحُجَّة العوامل الإنسانية وإمَّا بتحديد المفاوضات السياسية طريقًا لإنهاء الأزمة، وعبَّر المسفر عن تخوفه من توقف هذه الحرب دون تحقيق نتائج ملموسة متمثلة بتحرير اليمن أو على الأقل أن تتحرر عدن والعاصمة والمدن الرئيسية وعودة الحكومة الشرعية من منفاها في السعودية.
بناء النفوذ والتأثير
أمَّا د. فاطمة الصمادي فتحدثت عن إيران، الطرف الأهم في معادلة الصراع في المنطقة، وقالت: إن طهران تبني استراتيجيات التأثير في المنطقة وتتحرك في أربعة أبعاد، وهي: التركيبة وعامل الأرض وعامل الجغرافيا والعامل الإنساني. وقالت: إنه على سبيل المثال فإن عدد سكان المنطقة التي تقع فيها إيران يبلغ 500 مليون نسمة، وإن إيران تسعى لأن يبلغ عدد سكانها في 2020 نحو 100 مليون، وإن لديها 4 ملايين طالب في التعليم العالي و110 آلاف محاضر.
وقالت الصمادي: إن استراتيجيات إيران في التأثير تتمحور حول بناء النفوذ، وبناء التأثير طويل المدى وعميق الأثر حيث أصبحت الرقم الأصعب في العراق عن طريق القوى الشيعية، وتخطط لإعادة بناء الجيش العراقي ودمج الميليشيات الشيعية فيه.
واقتصاديًّا، تسعى للسيطرة على المشاريع المستقبلية لتصدير الغاز والنفط من منطقة “وسط آسيا وجنوبها الغربي” إلى أوروبا، ومنافسة تركيا في نقل الطاقة لأوروبا.
كما تتبنى إيران استراتيجية الدولة الحامية فتعمد إلى توظيف التهديدات الإقليمية داخليًّا لإضعاف أي حراك مستقبلي معارِض داخل الدولة.
كما تحاول إيران منذ سنوات بناء المركزية الإيرانية في علاقاتها مع المحيط الإسلامي والعالم. وخلصت الباحثة إلى أن منطقة الخليج العربي تتقدم سُلَّم أولويات الاستراتيجية الإيرانية، كما تتواجد في كل الساحات التي تتواجد فيها السعودية. كما أشارت إلى أن دمج إيران في المشهد الدولي سيؤدي إلى تعزيز نفوذها في الخليج، وأن العراق يحتل مكانة محورية في تحقيق طهران دورها المستقبلي المنشود.
موقف الحركات الإسلامية
وعن موقف الحركات الإسلامية من المخاطر والتهديدات التي تواجه المنطقة، قال د. طارق الزمر: إن أهم التهديدات التي تتعرض لها المنطقة العربية والخليج تعود إلى ما فعلناه بأيدينا، متسائلًا في ذلك عن زعم الدول العربية تعزيز الأمن العربي في الوقت الذي يتم فيه ضرب أهم مكوِّن من مكوِّنات الأمن القومي العربي وهو الحركات الإسلامية المعتدلة.
وأضاف: إنه من المفترض تبنِّي عاصفة فكر، بالتوازي مع عاصفة الحزم بإسناد الأمن القومي بأمن اجتماعي وتهيئة الشعوب للوقوف مع التصور الأمني، وفي سبيل ذلك لابد من إدارة حوار مع جماعات الإسلام المعتدلة حتى نستطيع أن نجابه التحديات والأخطار مشيرًا إلى أن ذلك لم يحدث بل حدث عكسه تمامًا.
ودعا الزمر إلى إدارة عناصر القوة الداخلية في مواجهة إيران ووقف الثورات المضادة والجرائم التي ترتكبها في كل من مصر وسوريا والعراق واليمن.
وأكَّد الزمر أن الحركات الإسلامية كانت من أوائل من أدرك أطماع إيران التوسعية والمد الشيعي في المنطقة، وحذَّرت منه، كما أيَّدت هذه الحركات ووقفت مع عاصفة الحزم.
تحويل الحركات الإسلامية إلى قوة
وعن كيفية التعامل مع “تنظيم الدولة” في ظل المعادلات الإقليمية الراهنة؛ تحدَّث محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني)، وقال: إن نشوء هذا التنظيم جاء نتيجة تراكمات عديدة في المنطقة، وأهمها: غياب الرؤية الاستراتيجية والسياسية للدول العربية، واستشهد بما جرى من التعامل مع صدام حسين والنظام العراقي؛ إذ تلقَّى الدعم المالي من الدول العربية في الثمانينيات في مواجهة المدِّ الإيراني ليتحول هذا الدعم إلى مشاركة الدول العربية في تحالف لإسقاطه فيما بعد وإنفاق المليارات في سبيل ذلك وتدمير الجيش العراقي.
وحصل نفس الأمر مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي موَّلته الدول الخليجية ثم حاربته.
وكذلك السودان المشارك الآن في عاصفة الحزم رغم أن دولًا عربية أسهمت في تقسيمه عبر دعم الجنوبيين في خطتهم للانفصال، وقال: إن كل أمة يُفتَرَض أن تكون لها هوية ورسالة وأهداف ووسائل لتحقيق الأهداف وخريطة يُتحرك عليها لبلوغ تلك الأهداف.
وأكَّد أن المنطقة مستهدفة من قبل أعدائها ولكن دول المنطقة لم تتحرك تجاه تلك التهديدات، وقال: إن أهداف إيران معروفة كدولة شيعية بأحلام فارسية ولديها خطط استراتيجية تجاه المنطقة لكننا لا نعرف من نحن ولا ماذا نريد.
ودعا أبو حفص الموريتاني دول المنطقة إلى تحويل الحركات والجماعات الإسلامية بما فيها تنظيم الدولة إلى قوة للوقوف في وجه التمدد الشيعي ولمحاربة التهديدات الخارجية للمنطقة وليس تحويلها إلى عامل لإثارة القلاقل مشيرًا إلى أن تلك الحركات فازت في كل الانتخابات النزيهة.
الخلاصة
أجمع المشاركون في الندوة على وجود تهديد إيراني حقيقي للمنطقة وعلى أولوية مواجهة المد الحوثي في اليمن واستمرار عملية عاصفة الحزم والتي يُطلق عليها الآن: “إعادة الأمل” إلى حين تحقيق أهدافها بعودة الشرعية إلى البلاد. واعتبر كثيرون أن نجاح السعودية في قيادة تحالف ضد الحوثيين سيؤهلها لقيادة تحالفات أخرى في سوريا خصوصًا في ظل القيادة الشابة للسعودية وفي ظل تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة.
واعتبر بعض المشاركين أنه من الضروري دمج القوى الإسلامية في المنطقة لتقوية خياراتها في مواجهة النفوذ الإيراني، ودعوا إلى التصالح مع الفكر الإسلامي المعتدل بدلًا من محاربته وتجميع عناصر قوة الأمة في مواجهة التهديدات الخارجية.
_____________________________
ماجد أبو دياك
مركز الجزيرة للدراسات