في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا وتأكيده إبقائها في العراق، تبدو الحكومة العراقية مهتمة كثيرا بالتعامل الجدي مع تداعيات القرار الأمريكي، في ظل تزايد القلق من مخاطر تواجد تنظيم “داعش” على الحدود العراقية السورية، واحتمال تكرار سيناريو الظهور المفاجئ للتنظيم في الموصل في حزيران/يونيو 2014 وسط حديث يدور في الشارع العراقي عن دور جديد في سوريا للمشاركة في سد فراغ الانسحاب الأمريكي منها وفق ترتيبات إقليمية ودولية لحسم النزاع المعقد هناك.
وجاء نقل مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، رسالة من الحكومة العراقية إلى دمشق وتسريب أنباء عن تخويل سوري للقوات العراقية بملاحقة بقايا تنظيم “داعش” في الأراضي السورية وما أعقبها من غارات الطائرات العراقية على تجمعات عناصر التنظيم في سوريا، ليبرز دورا جديدا للحكومة العراقية على الساحة السورية المعقدة بالصراعات والتداخلات المحلية والإقليمية والدولية.
ورغم ان التحرك العراقي هو تعزيز لتحركات سابقة نفذتها القوات العراقية في سوريا من خلال غارات الطيران والقصف المدفعي عبر الحدود على مواقع التنظيم الإرهابي، إضافة إلى مشاركة فصائل وميليشيات شيعية في دعم قوات النظام السوري في المعارك ضد المعارضة السورية، إلا أن المؤكد هو أن هذا الدور سيتعاظم في هذه المرحلة لسد فراغ انسحاب القوات الأمريكية وتزايد القلق العراقي من إعادة التنظيم في المناطق الحدودية السورية، تجميع عناصره وشن هجمات جديدة على العراق.
وينسجم الحراك العراقي مع سياق التحالف الرباعي الذي يضم إلى جانب العراق، إيران وروسيا وسوريا، والذي يجري من خلاله تنسيق مستمر ضمن غرفة عمليات مشتركة لتبادل المعلومات وإدارة العمليات ضد تنظيم “داعش” والفصائل السورية المعارضة للنظام.
وكان مجلس الأمن الوطني العراقي عقد مؤخرا عدة اجتماعات برئاسة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، لبحث تداعيات قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية، والإجراءات الاحتياطية المطلوبة من الجانب العراقي، حيث أكد عبد المهدي “قيام حكومته بواجباتها لحماية الأمن في البلاد واتخاذ الاستعدادات واستباق الأحداث لمنع أي ضرر محتمل لتداعيات القرار، وكذلك تكثيف الجهود لمنع أي محاولة إرهابية لتنظيم داعش”. وقد رافق تلك الاجتماعات، وضع القوات الأمنية المشتركة من حرس الحدود والجيش والحشد الشعبي في حالة تأهب قصوى لمواجهة أي محاولة لخرق الحدود العراقية السورية من قبل عناصر “داعش”.
ولا يبدو ان القرار العراقي بتوسيع نطاق عملها في سوريا، بعيدا عن الموافقة الأمريكية التي لا تمانع في قيام العراق بدور أكبر لإنهاء التنظيم مقابل عدم السماح بزيادة النفوذ الإيراني في سوريا لتطمين حليفتها إسرائيل، حيث أعلنت الحكومة العراقية أن “الولايات المتحدة جددت التزامها بالتعاون مع العراق واستمرار تقديم الدعم اللازم لقواتنا الأمنية، وأعلمتنا بالقرار الرسمي للانسحاب وحيثياته من خلال اتصال هاتفي من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو” أكد العراق خلاله على “أهمية عدم تحميله وزر التوترات الإقليمية والدولية” كما أكد رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، أن “تطور الأمن في سوريا والوصول إلى تسوية سياسية له علاقة مباشرة بالأمن العراقي واستقرار المنطقة”.
ولا يبدو أن زيادة التدخل العراقي في الأزمة السورية، بعيدة عن محاولات الحد من التدخل التركي فيها بعد أن أبدت تركيا استعدادها لتوسيع مساحة تحرك قواتها وحلفائها في شمال سوريا لسد فراغ الانسحاب الأمريكي ودعم المعارضة السورية.
ولا يستبعد المراقبون أن يهدف التحرك العراقي في جانب منه أيضا، إلى فتح طوق الحصار عن النظام السوري، خاصة أن الرئيس العراقي برهم صالح ينوي زيارة دمشق بعد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لها مؤخرا ضمن ترتيبات تهيئة الأجواء لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ومن ثم حصوله على الدعم العربي لإعادة إعمار المدن المدمرة.
ومن المتوقع أن لا يقتصر تنامي الدور العراقي الجديد في سوريا، على القوات النظامية كالطيران والمدفعية وربما هجمات لقوات النخبة في الجيش العراقي ومكافحة الإرهاب على مناطق تواجد التنظيم داخل الأراضي السورية، بل سيتعداه إلى مشاركة أكبر للفصائل المسلحة الشيعية التي لديها مشاركات سابقة في النزاع السوري. ومن ذلك ما كشفته كتائب حزب الله العراق المدعومة من إيران، عن “استعدادها للمشاركة مع الجيش السوري لحماية المدنيين الكرد السوريين على الحدود بالتنسيق مع قيادات كردية”.
كما تفيد مصادر كردية بأن الأحزاب الكردية القلقة والمحبطة من الانسحاب الأمريكي، تنوي الزج بقوات من البيشمركه لدعم القوات الكردية السورية في حال تعرضها إلى هجوم من القوات السورية أو التركية أو تنظيم “داعش”.
وفي كل الأحوال، يعتقد الكثير من المتابعين أن المنطقة العربية مقبلة على تغييرات سياسية إقليمية ودولية مهمة قد تغيّر الخريطة السياسية والجغرافية الحالية للدول، وأن الحكومة العراقية، التي تبدي قلقا واضحا من مخاطر النزاعات في سوريا المجاورة واحتمالات انتقالها إلى الأراضي العراقية، تسعى من خلال توسيع وجودها في الأزمة السورية، إلى اجهاض المخاطر المحتملة على العراق، إضافة إلى المساهمة بدور ما في هذه الترتيبات بما ينسجم مع مصالحها وتحالفاتها المعروفة.
القدس العربي