في ظل تواصل الحرب الأهلية في اليمن وفشل الهدنة التي كانت برعاية الأمم المتحدة بغية وضع حد للصراع الدامي في مدينة الحديدية المحاصرة، اضطرت العائلات اليائسة إلى نبش القمامة وأكل فضلات الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة.
فضلا عن ذلك، ظل مئات المدنيين ينزفون حتى الموت في منازلهم التي دمرها القصف خاصة في ظل استحالة وصول المساعدات الطبية إليهم.
وفي هذا الصدد، تطرقت المراسلة الصحفية في منطقة الشرق الأوسط بيل تيرو في مقالها الذي نشرته صحيفة إندبندنت البريطانية، إلى الوضع المزري الذي يعاني منه سكان هذه المدينة الساحلية التي تحظى بمكانة إستراتيجية مهمة.
ونقلت الكاتبة عن الطبيبة اليمنية والناشطة في مجال حقوق الإنسان أشواق محرم وصفها للحياة في المنطقة المحاصرة، حيث أشارت إلى أن العائلات اليمنية تتضور جوعا، وأن عددا كبيرا من المدنيين يلقوْن حتفهم عند محاولتهم تأمين المساعدات الطبية في ظل استمرار الصراع في المدينة.
هدنة ميتة
وفي حديثها إلى صحيفة إندبندنت خلال الرحلة القصيرة التي قادتها إلى مصر لزيارة عائلات المرضى، قالت محرم إنها شاهدت حالات وفاة في صفوف المدنيين الجرحى داخل سيارات الإسعاف التي حاولت نقلهم عبر الطرق الجبلية الوعرة بغية إيصالهم إلى بر الأمان.
وعلى الرغم من التأكيدات بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين المتمردين الحوثيين والحكومة من شأنه أن يسمح بتدفق المساعدات إلى المدينة الساحلية، فإن أشواق محرم أكدت أن الهدنة قد فشلت قبل أن تبدأ.
وشددت الكاتبة على أن مدينة الحديدة، التي تعتبر المدخل الرئيسي للمساعدات الغذائية والطبية، لا تزال تتعرض لهجمات متفرقة. وفي هذا الإطار، ذكرت الطبيبة اليمنية أن عائلة بأكملها قد قُتلت إثر تعرضها لهجوم، حيث نزف جميع أفرادها حتى الموت.
وأضافت محرم أن الإمدادات بصدد النفاد في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، الأمر الذي دفع بالعائلات إلى النبش في القمامة بحثا عن الطعام.
وأشارت الكاتبة إلى أنه على مدى السنوات الأربع الماضية، تدير محرم عيادة متنقلة لتقديم المساعدة والعلاج الطبي للأشخاص الذين يعيشون داخل القرى والبلدات النائية. في المقابل، أصبح من الصعب في الوقت الراهن الوصول إلى العديد من المواقع الأخرى.
وذكرت الكاتبة أن تصريحات أشواق محرم تأتي في وقت قالت فيه الإمارات، وهي جزء من التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، إن قواتها قصفت 10 معسكرات تدريب للحوثيين المتمردين في جميع أنحاء مدينة الحديدة، وإنها “مستعدة لاستخدام المزيد من القوة”، رغم وجود اتفاق السلام المزعوم.
أما في وقت سابق من هذا الأسبوع، فقد اعترفت الأمم المتحدة بأنه تم تجاهل المهلة التي من المفترض أن تنسحب بموجبها الفصائل المتناحرة من المدينة الساحلية، والتي من المقرر أن تنتهي في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي.
وأوضحت الكاتبة أنه وفقا لاتفاق تم توقيعه في ديسمبر/كانون الأول الماضي في السويد، كان من المفترض أن تتولى إحدى الإدارات المحلية السيطرة على المدينة تحت أنظار بعثة خاصة من الأمم المتحدة.
في المقابل، لم تتراجع الأطراف المشاركة في الاتفاق حتى الآن، حيث اكتفوا بتراشق الاتهامات بشأن انتهاك هذا الاتفاق المفترض.
وفي هذا الصدد، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث عن قلقه الشديد إزاء تجدد أعمال العنف. بالإضافة إلى ذلك، حث غريفيث على “إعادة نشر القوات بشكل عاجل” تطبيقا لما جاء في اتفاق السلام.
وتجدر الإشارة إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة، شنّ حملة عسكرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران في مارس/آذار 2015، بعد أن أحكم المتمردون قبضتهم على البلاد إثر الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.
ولكن، بعد مضي أربع سنوات على هذه الحرب، لم تظهر أي بوادر تشير إلى اقتراب موعد نهايتها، خاصة وأنها أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 60 ألف يمني، وتسببت في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة.
وأشارت الكاتبة إلى اتهام وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الحوثيين الأربعاء الماضي بارتكاب أكثر من 1000 انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل، حذر قرقاش من ردة فعل التحالف التي ستكون قاسية.
وعود واهية
من جهتها، أكدت أشواق محرم أن اليمنيين سئموا من الوعود الواهية بشأن نجاح الهدنة، إذ وصفوا اتفاق ستوكهولم بأنه “عديم الجدوى”. علاوة على ذلك، تطرقت محرم إلى المأساة التي تتعرض إليها الحوامل عند الولادة، وعدم قدرة الأمهات على إرضاع أطفالهن حديثي الولادة بشكل طبيعي لأنهن يعانين من سوء تغذية حاد.
في السياق، حذرت وكالات الإغاثة الدولية من تداعيات استمرار الصراع على المدنيين، حيث ذكرت منظمة “أنقذوا الأطفال” أن آلاف العائلات تفر من بيوتها الواقعة في مدينة الحديدة خشية تجدد الصراع، إلى جانب كفاح العديد من المدنيين من أجل توفير المواد الأساسية، على غرار الطعام والوقود والأدوية.
من جهة أخرى، أشارت محرم إلى أنه في محاولات يائسة لتوفير القوت لعائلاتهم، اضطر العديد من السكان إلى التجارة بأعضائهم، حيث يتنقلون إلى دول مثل مصر لبيع كلاهم.
والجدير بالذكر أن ظاهرة زواج الأطفال انتشرت بشكل كبير، حيث اضطر الآباء اليائسون إلى تزويج بناتهم في سن الثانية عشرة للحصول على المهر حتى يتمكّن باقي أفراد الأسرة من البقاء على قيد الحياة.
وفي هذا الصدد، ذكرت محرم أن “الزواج أصبح بمثابة تجارة يسدد من خلالها الأب الديون التي تثقل كاهله جراء الفقر والجوع والمرض، عندما يقرر تزويج بناته اللاتي لا تتجاوز أعمارهن 12 أو 13 سنة. وفي العادة، غالبا ما يكون أزواجهن في سن السبعين”.
علاوة على ذلك، ذكرت محرم أنه بات من شبه المستحيل الحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك حليب الأطفال، الأمر الذي يدفع بالعديد من السكان لخوض رحلة شاقة وطويلة تستغرق أربع ساعات نحو العاصمة صنعاء من أجل الحصول على الإمدادات.
كما شددت محرم على أن “اتفاق وقف النار لا جدوى منه. ويجب أن تنتهي الحرب والحصار فورا، ويحصل السكان على أجورهم. بعد ذلك، يمكن الشروع في التفكير في حلول للقضايا السياسية”.
المصدر : إندبندنت