على الرغم من حالة التفاؤل التي سادت عقب توقيع الاتفاق النووي الإطاري بين إيران ومجموعة (5+1) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في الثاني من شهر أبريل الماضي 2015، بعد مفاوضات ماراثونية استغرقت 18 شهرًا، بحل الأزمة الإيرانية النووية سياسيًّا، وإضفاء الشفافية على البرنامج النووي الإيراني، بعد 12 عامًا من المواجهة، و10 سنوات من المفاوضات المتعثرة بين طهران والعواصم الغربية – فإن ثمة سيناريو آخر يطرح نفسه في ضوء عددٍ من النقاط الخلافية والقضايا المعلقة التي لا تزال قيد التفاهم والبحث بين طرفي الاتفاق، يتمثل في فشل الاتفاق الإطاري والفترة الانتقالية التي نص عليها لمدة ثلاثة أشهر لاختبار النوايا، في التوصل والتفاهم حول الاتفاق النهائي المزمع توقيعه في 30 يونيو القادم.
وتأتي ردود الأفعال على الساحتين الإيرانية والأمريكية على الاتفاق لتعزز من ضرورة الحديث عن سيناريو إخفاق أطراف الاتفاق الإطاري في التوصل لاتفاق نهائي، واحتمالات حدوثه، وبالتالي تداعياته. ففي الداخل الأمريكي يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتقادات حادة، لما ورد في الاتفاق من بنود تصب في المصلحة الإيرانية، من جانب معارضيه من الحزب الجمهوري، بلغت حدها في الكونجرس بتبني مشروع قرار يقضي بمراجعة أي اتفاق مستقبلي يمكن أن يُوقَّع مع إيران. وعلى الجانب الإيراني وبالرغم من الاحتفالات التي شهدتها شوارع المحافظات الإيرانية المختلفة عقب الإعلان عن توقيع الاتفاق، شكل تصريح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، معارضة معلنة من مركز ثقل إيراني للاتفاق النووي، عندما صرح بأنه ليس هناك ما يضمن التوصل إلى اتفاق نهائي مع القوى الكبرى حول برنامج إيران النووي، الأمر الذي حدّ من أجواء التفاؤل التي سادت بعد توقيع الاتفاق.
المحاور الخلافية ضمن اتفاق لوزان
بدايةً يُمكن إلقاء الضوء على بعض الملاحظات حول ما ورد في الاتفاق الإطاري من نقاط، تُمثل في حد ذاتها منطلقات لخلاف محتمل، من أهمها:
1- اتفقت الأطراف الموقِّعة على الاتفاق النووي الإطاري على أنه يمثل خطوة مهمة في طريق الحل السياسي، نظرًا لكونه يمثل نقطة اختراق أساسية في سير المفاوضات التي غلب عليها طابع التعثر والتوقف لسنوات طوال، فيما اتفقت أيضًا -من جانب آخر- على أن هذا الاتفاق الإطاري ليس مُلزِمًا للطرفين، وأنه يمكن التخلي عنه حال أبدى أطرافه عدم الالتزام بما ورد فيه من بنود.
2- لم يمضِ أكثر من أسبوع واحد عقب توقيع الاتفاق حتى ظهرت اختلافات تفسير بنوده بين واشنطن وطهران، لا سيما الخاصة بشروط ومعايير وتوقيت رفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران، ففي الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن جميع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالعقوبات على إيران ينبغي أن تُرفع فور إبرام اتفاق نهائي بشأن البرنامج؛ أوضحت واشنطن أنه إذا ما تم التوصل لاتفاق نهائي بنهاية يونيو المقبل فستخفف العقوبات عن إيران على مراحل، بشرط التزام الأخيرة بنصوص الاتفاق.
ففي مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” للكاتب البريطاني جدعون راخمان بعنوان “The Iran deal that never was” في 27 أبريل 2015، أشار الكاتب إلى أن البيان المشترك الصادر عن أطراف الاتفاق، كان بيانًا مقتضبًا ولم يحوِ تفسيرات أو تفاصيل بشأن ما تم الاتفاق عليه، فيما جاء ما اصطُلح على تسميته “ورقة حقائق البيت الأبيض” لتتضمن التفسير الأمريكي للاتفاق، والذي صدر بعد توقيع الاتفاق بأيام، وأثار بما ورد فيه من نقاط تفسيريه للموقف الأمريكي من الاتفاق حفيظة إيران، حيث صرح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، بأن “ورقة الحقائق الأمريكية تحمل مغالطات وأخطاء بشأن معظم القضايا”.
3- لم ينص “الاتفاق الإطار” على بنود من شأنها القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإنما نص على تحجيم قدراته فقط، وبالتالي يستطيع القائمون على الملف النووي المناورة في الداخل الإيراني الذي بدا فيه على السطح خلاف حول بنود الاتفاق بين الإصلاحيين والمعتدلين من جانب والمحافظين المتشددين من جانب آخر. كما يستطيع النظام الإيراني استثمار هذا الاتفاق لكسب تأييد الجبهة الداخلية التي ضجت خلال السنوات القليلة الماضية بممارسات النظام الصدامية مع الخارج.
فعلى سبيل المثال، لم ينص الاتفاق على تدمير -أو بالأحرى التخلص- من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وإنما على تخزينها، وعدم تشغيلها. كما لم ينص على تفكيك منشأة “فوردو” النووية، بل سمح بوجود 1000 جهاز طرد مركزي فيها، وكذلك الحال مع منشأة “آراك” للماء الثقيل، رغم أن بنود الاتفاق قد أدخلت بعض التعديلات عليها بحيث لا تتمكن المنشأة من إنتاج البلوتونيوم لسلاح نووي، أو شحنه إلى الخارج.
4- اتسم الاتفاق بعدم خلط أوراق الملف النووي الإيراني بغيره من الملفات الخلافية مع الغرب، فلم يتناول المنظومة الصاروخية الباليستية، وعلاقات إيران الإقليمية، وملف الحريات وحقوق الإنسان، فضلا عن الشرعية التي أضفاها الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني من خلال النص على وضع أجهزة مراقبة مركزية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتُمثل هذه النقاط أهم الانتقادات الموجهة للاتفاق في الداخل الأمريكي؛ حيث تتيح لإيران في حال اختيارها خرق الاتفاق أن تستأنف جهودها النووية المثيرة للجدل دون عناء بناء برنامجها النووي من جديد، أو حتى استئناف نشاط منشآتها النووية كما السابق في أعقاب انتهاء مدة الاتفاق، أي بعد عشر سنوات من تعطيل النشاط النووي حسب بنود الاتفاق.
دعائم سيناريو فشل الاتفاق الإطاري
استبق وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف المفاوضات التي من شأنها الإعداد لاتفاق نووي نهائي بالقول بأن احتمال نجاح المفاوضات النووية أقوى من فشلها. كما أوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي التي عُقدت بتاريخ 27 أبريل الماضي 2015، أن الولايات المتحدة والقوى الخمس الكبرى هي الآن أكثر قربًا من أي وقت مضى من اتفاق نووي تاريخي مع إيران. وعلى الرغم مما تعبر عنه تصريحات الطرفين من تفاؤل، فإن صعوبات عدة تظل عالقةً من شأنها أن تسوق مسار الاتفاق إلى سيناريو الفشل إذا ما صادفت أيضًا تعنتًا من أطرافه، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه الصعوبات فيما يلي:
1- النقاط الخلافية حول تفسير الاتفاق: يمثل اختلاف تفسير ما ورد في الاتفاق من بنود، أحد أهم العوامل التي يُبنى عليها سيناريو عدم التوصل لاتفاق نهائي شامل، في ظل تضارب وجهتي النظر الأمريكية والإيرانية حول بنود أساسية يترتب عليها ظهور كل طرف أمام الآخر وكأنه لم يلتزم بالاتفاق.
أ- رفع العقوبات: كما سبقت الإشارة، فإن توقيت وكيفية رفع العقوبات محل جدل بين الجانبين، الإيراني الذي يؤكد أنه رفعٌ فوري لكل العقوبات، والأمريكي الذي يؤكد أنه رفعٌ جزئي وتدريجي حال التزمت إيران، وتبينت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ذلك.
ب- نطاق تخصيب اليورانيوم: أحد نقاط الخلاف التفسيري للاتفاق؛ حيث ترى إيران أنها ستستمر في التخصيب، وأنها ستتمكن من استخدام مخزونها من اليورانيوم المخصب لإنتاج وقود نووي، في حين تؤكد الرؤية الأمريكية للاتفاق أن إيران قد وافقت على خفض مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب من 10 آلاف كلجم إلى 300 كلجم، وعلى ألا تقوم بالتخصيب بما يزيد عن 3.67% لمدة 15 سنة.
ج- إجراءات التفتيش: تُشير إيران إلى أنها ستعمل على اتباع البروتوكول الإضافي المتعلق بمعاهدة منع الانتشار النووي بشكل طوعي ومؤقت، بهدف إثبات حسن النوايا، وتحقيق الشفافية. في الوقت الذي تُشير فيه الولايات المتحدة إلى أن إيران ستخضع لإجراءات التفتيش التي ستستمر لما بعد الاتفاق بـ15 عامًا، وأنها ستلتزم بالبروتوكول الإضافي بشكل دائم.
2- أزمة الصواريخ الباليستية: على الرغم من عدم اشتمال الاتفاق الإطاري على أية إشارة لملفات أخرى غير البرنامج النووي الإيراني؛ فإن ذلك لا يعني بالضرورة غياب الملفات الخلافية مرة أخرى خلال مفاوضات الاتفاق النهائي، إذ تظل قضية امتلاك إيران صواريخ باليستية بعيدة المدى مصدر قلق للغرب، لا سيما في ظل إمكانية حمل هذه الصواريخ رؤوسًا نووية، وفي ظل إصرار إيران على رفض خضوع إمكانياتها الصاروخية للنقاش والتفاوض، وحرصها على تطوير أنظمتها الصاروخية بشكل كبير، بل وتباهيها أيضًا بما تُحققه في هذا الإطار من تقدم رغم العقوبات الأممية والأمريكية المفروضة عليها (كان آخر استعراض لقدراتها الصاروخية في مناورات “محمد رسول الله” التي شهدها مضيق هرمز في الفترة من 25 إلى 31 ديسمبر 2014) بحجة أن أنظمة الصواريخ التي تمتلكها هي جزء لا يتجزأ من ترسانة أسلحتها التقليدية، في الوقت الذي صدر فيه قرار من مجلس الأمن عام 2010 يقضي بحظر كل أنشطة إيران المتعلقة بالصواريخ متعددة المراحل، والقادرة على حمل رؤوس نووية.
3- الضغوط الداخلية: تمثل ضغوط منتقدي الاتفاق النووي بين إيران والغرب، في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، حجر عثرة أمام خروج اتفاق نهائي بنهاية يونيو القادم، لا سيما مع الإجراءات التصعيدية التي يتخذها المتشددون من الجانبين حيال هذا الشأن. ويبدو أن انتقال هذه الضغوط إلى ساحات المجالس التشريعية في طهران وواشنطن، سيزيد من صعوبة التوصل إلى الاتفاق المنشود؛ حيث صدّق مجلس الشورى الإيراني مؤخرًا على قانون يُلزم الحكومة بنيل موافقة البرلمان بشأن أي اتفاق نووي قد تُبرمه طهران مع القوى الغربية، وذلك في رد سريع على إقرار الكونجرس الأمريكي الإشراف على أي اتفاق تتوصل إليه مجموعة دول (5+1) مع إيران.
وبحسب الخطوة الإيرانية، فإن أي اتفاق نووي بين إيران والغرب يعتبر غير قانوني في حال عدم مصادقة نواب المجلس عليه، في الوقت الذي يُعطي فيه قرار الكونجرس الحق لأعضائه بمراجعة أي اتفاق نووي مع إيران، وذلك في ظل خلاف حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول بنود الاتفاق. ويفتح مشروع القانون القاضي بمراجعة أي اتفاق نووي مع إيران من قبل الكونجرس إمكانية اندلاع معركة حزبية قد تعرقل فرص إقرار الاتفاق برمته، بعد إعلان الرئيس باراك أوباما إمكانية استخدامه الفيتو ضد مشروع القانون، باعتباره يمثل خطرًا على المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية.
وفي حال نجح الكونجرس في عرقلة اتفاق نووي شامل أو تعطيله بشكل كبير فستكون هناك عودة لعملية التصعيد المتبادل بين الطرفين، وبالتالي ستجد الولايات المتحدة نفسها وحيدة في مواجهة إيران دون دعم غربي، ما قد يدفعها إلى فرض المزيد من العقوبات المنفردة على إيران من جانب واحد. بينما أعلنت إيران عن سيناريوهات جاهزة للتصعيد حال فشل الاتفاق، أو عدم اعتراف الكونجرس به، تتمثل في تسريع البرنامج النووي، وتخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى، وربما الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، والاتفاقات الأخرى المقيدة لأسلحة الدمار الشامل. وذلك بحسب ما أشار إليه الدبلوماسي الإيراني السابق ورئيس العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الأعلى سيد حسين موسويان في مقالٍ له بصحيفة “ديلي تلغراف”، جاء بعنوان “Iran nuclear talks: The 5 options for what happens if they fail”، بتاريخ 3 مارس 2015.
4- ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير: وهو ملف خلافي قديم بين إيران والغرب الأوروبي بصفة خاصة، حيث كانت إيران محل انتقاد الدول الغربية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل دائم، بسبب إفراطها في إطلاق أحكام الإعدام وتنفيذها وبمعدل مرتفع سنويًّا. فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الحالات التي نُفذ في حقها حكم الإعدام خلال عام 2014، 289 حالة. الأمر الذي جعل إيران تأتي في المرتبة الأولى متصدرة دول العالم التي نفذت أحكامًا بالإعدام خلال العام الماضي، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية “آمنستي” الصادر في مارس 2015. وفي هذا الإطار، طالب المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران القوى الغربية بضرورة عدم تجاهل سجل طهران في حقوق الإنسان أثناء محادثاتها بشأن الاتفاق النووي مع طهران، في ظل انفتاح يبديه الرئيس الإيراني حسن روحاني على الغرب منذ توليه الرئاسة.
كما تُنتقد إيران بشدة في مجالات حرية الرأي والتعبير، حيث أشارت التقارير السنوية لمجلس حقوق الإنسان إلى أن البيئة التشريعية في إيران -فيما يخص حرية الصحافة والإعلام- بيئة مقيِّدة للحريات، وتحتاج إلى تعديلات جذرية؛ حيث أشار التقرير الصادر عن مجلس حقوق الإنسان خلال شهر أبريل الماضي، إلى أن حرية التعبير في إيران لم تشهد أي تحسن، بل على العكس، إذ لم ينجح الرئيس حسن روحاني في تحقيق أي إنجاز يُذكر على صعيد الحريات، بعكس ما كان متوقعًا منه. كما أشار التقرير أيضًا إلى أن إيران لديها ما يتجاوز 30 معتقلا من الصحفيين والمدونين، وأنها تقوم بالتشويش على الأقمار الصناعية، وتمارس حظر القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية بكثافة.
فيما تُقابل إيران هذه الانتقادات بانتقادات مماثلة، مؤكدة أن ما يرد في التقارير الأممية بحقها هو محض افتراء، وأنها تقارير أحادية الجانب وبعيدة عن الواقع، معتبرة ذلك تدخلا في شئونها الداخلية.
مآلات سيناريو فشل المفاوضات
تتوافق الآراء حول خطورة تداعيات فشل مجموعة (5+1) وإيران في التوصل لاتفاق نووي نهائي في الموعد المحدد له في آخر يونيو القادم، حيث يبرز عدد من البدائل حال تحقق هذا الفشل، تتمثل في:
1- التأجيل والتجديد: وذلك في ظل وجود عددٍ من النقاط الخلافية، وتأزم الوضع الإقليمي، وضلوع إيران في أكثر من ملف في المنطقة، الأمر الذي يستدعي وجود مواءمات سياسية في الاتفاق لا تختص فقط بالملف النووي المثير للجدل، وإنما تمتد للنفوذ والدور الإيراني الذي تلعبه في المنطقة، والذي تهدف إليه أيضًا في ظل ضغوط تمارسها إسرائيل من جانب، وانتقادات تُوَجَّه للولايات المتحدة من قبل حلفائها في المنطقة من جانب آخر، وفي حال الإعلان عن مد فترة المفاوضات بين الطرفين، يبرز خيار تجديد الاتفاق الإطاري الموقع عليه في بداية أبريل الماضي، لعدة أشهر أخرى.
وتُشير خبرة السوابق التاريخية في هذا الإطار؛ إلى إمكانية تحقق ذلك، حيث تم تجديد الاتفاق المؤقت بين الطرفين الموقع في 24 نوفمبر 2013، لمرتين خلال عام 2014، ولمدة ستة أشهر في المرتين.
2- التصعيد المتبادل: يبقى خيارُ التصعيد متاحًا أمام تعنت يمكن أن تُبديه إيران في إحدى القضايا الخلافية، وكذلك حال إصرار الغرب على اتفاق غير مرضٍ لإيران، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن أن يخضع فريقها المفاوض لضغوط محتملة من الكونجرس وإسرائيل، في الوقت الذي تعول فيه نخبة إيران المفاوِضة على تحقيق نجاحات في هذا الملف يمكن من خلالها طمأنة الداخل، وتعزيز موقف الرئيس حسن روحاني في مقابل معارضيه من التيار المتشدد.
يتمثل التصعيد في عودة العقوبات مرة أخرى على إيران، غير أنه -وفق العديد من الخبراء- ستكون الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق الحصول على دعم الحلفاء لتشديد العقوبات على طهران، مما سيضطرها على الأرجح إلى فرض عقوبات منفردة، وفي المقابل من هذا التصعيد الغربي أو بالأحرى الأمريكي، يُمكن أن تلجأ إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وجميع الاتفاقات الأخرى المقيدة لأسلحة الدمار الشامل، لا سيما وأن العقوبات التي تُفرض عليها من قبل المجتمع الدولي تستند في الأساس إلى كون إيران عضوًا بمعاهدة حظر الانتشار النووي. في الوقت الذي لا تتعرض فيه إسرائيل لأي عقوباتٍ بشأن برنامجها النووي لأنها -إلى جانب أسباب أخرى- لم تُوقِّع على معاهدة حظر الانتشار النووي.
3- سباق التسلح النووي: إن فشل التوصل إلى اتفاق نووي إيراني مع الغرب، وإعلان أطراف التفاوض ذلك الفشل؛ من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لسباق تسلح نووي يرتبط بسعي إيران المرجح لامتلاك برنامج نووي غير سلمي حال تعرضها لمزيد من العقوبات، أو خروجها من اتفاقية منع الانتشار النووي، ويَلقى هذا السيناريو ترجيحًا في ظل إعلان أكثر من شخصية مرموقة في الأسرة الحاكمة بالمملكة العربية السعودية عن أنه إذا ما فشلت المفاوضات في منع إيران من امتلاك قنبلة نووية فستسعى المملكة بدورها لامتلاك سلاح نووي، كما حذر منه عدد من المسؤولين، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني فيليب هامود -في تصريحات له- أن “عدم التوصل إلى اتفاق بين القوى العظمى وإيران قد يُطلق سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، إذ إن عدم وجود اتفاق يعني أنه لا قيود على التخصيب، لا قيود على البحث والتطوير ولا مراقبة. وهذا يعني في المستقبل سباق تسلح نوويًّا في المنطقة”.
وإجمالا، يمكن القول إنه على الرغم من استبعاد أغلب التحليلات فشل الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية في ظل سعي الأخيرة لتحييد تهديدات البرنامج النووي الإيراني؛ فإن مكامن الخلافات ومسببات انهيار الاتفاق الإطاري تجعل تفجر الخلافات بين إيران والدول الغربية سيناريو غير مستبعد، خاصةً في ظل تأجيل محاور متعددة مثيرة للخلاف من الاتفاق، وتصاعد الضغوط الإقليمية لتشديد القيود الضابطة للبرنامج النووي الإيراني باعتباره أحد مسببات سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط.
رانيا مكرم
المركز الاقليمي