بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي، عانت روسيا تدهورا شديدا تمثل في ضعف اقتصادها واستثماراتها الداخلية، الذي انعكس سلبا على سياستها الخارجية ومكانتها بين الدول، وبعد تولي بوتين السلطة في أبريل 2000، اعتمد استراتيجية جديدة تهدف لدعم سلطة الدولة المركزية، وتشديد قبضتها على المؤسسات الاقتصادية والسياسية وتقوية قدراتها الاستراتيجية. الشيء الذي ظهر جليا على سياسة روسيا الخارجية حينما أعلن رئيسها أن سنوات الضعف والمهانة قد ولَّت، وطالب الولايات المتحدة وأوربا بمعاملة روسيا باحترام، وكقوة لها مكانتها ودورها العالمي. طموح روسيا الممتد وقدرتها الاستراتيجية العميقة أذكى تخوفات نظيرتها الأمريكية، والاتحاد الأوربي من عودة محتملة للإمبراطورية السوفياتية، خاصة بعد زيادة فلاديمير بوتين الضغوط السياسية على أوكرانيا وإرساله لقوات عسكرية لمساعدة الانفصاليين المواليين لروسيا، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي إلى فرض عقوبات عليها واستبعادها من حضور القمة السنوية لأغنى دول العالم العام الحالي في جبال الألب بألمانيا. بوتين نفى اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية واستنكر استبعاد دولته من حضور القمة، بل وصرح أن روسيا حاليا مهتمة ومنشغلة بأمور أخرى.
ذهب مجموعة من المحللين السياسيين إلى أن العلاقات العربية الروسية من أهم منطلقات السياسة الخارجية الروسية، وظهر الدور الروسي واضحاً في كافة المواقف والقضايا الدولية والإقليمية وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حتى أصبحت تتدخل في السياسة الإقليمية للمنطقة من خلال أدواتها السياسية والاقتصادية بالإضافة إلى الأداة العسكرية، ساعدها على ذلك المتغيرات التي باتت تشهدها المنطقة منذ الحرب على العراق في 2003، حينها بدأت المنطقة تشكل القاعدة التي ستنطلق منها قواعد النظام العالمي الجديد وفق مصالح الدول الكبرى، وأصبح السباق بين القوى الدولية الكبرى نحو ممارسة الدور الأبرز في المنطقة العربية، مما استوجب على السياسة الروسية الراغبة في أن ترسخ لنفسها مكاناً في تشكيل الأقطاب الدولية الكبرى فتحركت في المنطقة العربية اقتصاديا ثم دعمت ذلك بالأبعاد السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية والإعلامية لتصبح شريكا أساسيا للدول العربية، وأخذ الرئيس الروسي « فلاديمير بوتين» يتحرك من خلال العديد من الزيارات إلى الدول العربية، كانت ضمنها زيارته إلى ليبيا في العام 2008 حيث كانت أول زيارة للرئيس الروسي إلى ليبيا منذ 1985، ولكن في ظل المساعي الروسية الجادة لتلعب دورا أكبر فعالية في المنطقة العربية تحدده مدى تجاوب السياسة الروسية مع أبرز القضايا والمتغيرات وبخاصة في ظل الحراك العربي.
الثورات العربية والتوجه الروسي في المنطقة
شهدت موسكو العديد من الزيارات العربية، سبقها حصول روسيا على عضوية مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي في العاصمة اليمنية صنعاء، واعتبار الجامعة العربية سفير روسيا في القاهرة سفيراً لدى الجامعة العربية، ثم تشكيل «مجلس الأعمال الروسـي العـربي» برعاية السياسي « يفغيني بريماكوف»، وتشكيل لجـان فرعية بينية للعمل على مزيد من التعاون العربي الروسي، وأن هذه المرحلة من التعاون ستشمل مجالات جديدة منها الفضاء الكوني وتكنولوجيات النانو والمجال العسكري الفني والعلمي التقني، بالإضافة إلى الطاقة النووية.
وشهدت المنطقة العربية أنشطة دبلوماسية روسية مكثفة منذ عام 2009 وهذا يشير إلى إمكانية التعاون العربي الروسي، في الوقت نفسه كان الإعلان الروسي على أنها أحد أهم الأطراف المعنية بأمن الخليج من الأخطار التي تتهدده، بل وعملت روسيا على توقيع العديد من الاتفاقيات التي من شأنها ترسيخ التعاون والتبادل التجاري والثقافي والعلمي في وقت كانت فيه العلاقات الأمريكية العربية تشهد قدراً من التراجع بسبب موقفها من القضية الفلسطينية.
وكان التوجه الروسي إلى المنطقة العربية لا تسعى فيه روسيا إلى مجرد تحقيق المكاسب السياسية أو أن تتمكن من ممارسة دور أمنى أو عسكري لمنافسة الدور الأمريكي المتواجد بقوة في المنطقة العربية، وإنما كانت تعمل من أجل شراكة استراتيجية اقتصادية وتقنية تتمكن من عائد اقتصادي مباشر لروسيا، ولذلك كانت المصالح الروسية في المنطقة ترتبط بالدول ذات القطاعات النفطية للتركيز على مصادر الطاقة، ومن خلال التعاون التقني في المجالات الصناعية، بالإضافة إلى التعاون العسكري، وبالتالي أصبح لروسيا مصالح مشتركة مع الدول العربية عليها أن تحافظ عليها حتى مع بداية التغيير في الأنظمة العربية، وبذلك كان مجال الطاقة على قمة أولويات السياسة الروسية تجاه المنطقة العربية، سيما دول الخليج العربي، حتى أصبح قطاع الطاقة هو جوهر الشراكة العربية الروسية، وذلك من خلال ضمان حد أدنى لأسعار النفط، واستقرار الأسواق النفطية، إضافة إلى ذلك السعي إلى الاستثمار في قطاعات النفط في الدول العربية من خلال المشاركة في عمليات البحث والتنقيب وتطوير الإنتاج لما تمتلكه روسيا من التكنولوجيا والخبرة اللازمة في مجال الكشف والتنقيب عن البترول وفي مجال الصناعات البتروكيماوية، حيث تعد روسيا من أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم من خلال 15 شركة كبري تنتشر فروعها حول العالم، وتعد الشركات الروسية، خاصة «لوك أويل» و»غاز بروم»، من كبرى الشركات العالمية العاملة في مجال الطاقة، وهو ما بدأته بالفعل روسيا مع العديد من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية، ومصر، والجزائر، والسودان، وسوريا، وليبيا، ومن جهة أخرى تبقى المنطقة العربية تمثل سوقاً استيعابية كبيرة للصادرات الروسية من السلع الاستراتيجية مثل الآلات والمعدات والأجهزة والشاحنات والحبوب.
أهداف السلوك الروسي تجاه منطقة الشرق الأوسط
عند الحديث عن محددات وأهداف السياسة الخارجية الروسية، يمكن القول بأن روسيا شأنها شأن الدول العظمى، توازن بين المحددات المحلية والدولية، وبين الاعتبارات الداخلية والخارجية، بل وتسعى لأن توظِّف السياسة الخارجية بما يتفق ومصالحها الداخلية. وعند الحديث عن الدور الروسي في المنطقة العربية، فلا يمكن فهم المحددات دون النظر إلى تاريخية هذا الدور، سيما في ظل الحقبة السوڤياتية، كمدخل لقراءة الدور الراهن، أو فهم مدى إمكانية إعادة تفعيله.
فقد ارتبطت بعض دول المنطقة بعلاقات استراتيچية مع السوڤييت، وهي الآن في طور تعميق هذه العلاقات مع وريثتها الروسية، وذلك من خلال متابعة المواثيق والمعاهدات المبرمة مع الاتحاد السوڤياتي السابق، مع الأخذ بعين الاعتبار اختفاء الطابع الأيديولوجي الذي كان ينطلق منه النظام السوڤياتي المنهار. وهذه العلاقات الروسية مع دول المنطقة لا تزال تحتفظ بمرارتها وأسبابها، خاصةً أن روسيا ما زالت تمسك بأكثر من ورقة من أوراق اللعبة السياسية، من خلال علاقاتها المتميزة والتاريخية مع الجزائر وسوريا والعراق وإيران ولبنان وفلسطين.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى تلك المناطق التي تشهد هزات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وطائفية وعرقية ودينية شديدة التعقيد والخطورة. ففي تلك المنطقة المترامية الأطراف، يوجد العديد من الملفات الحساسة التي تأخذ طابعًا دوليًّا، ولها امتداداتها وتشعباتها. كما أن التعامل مع تلك الملفات لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجاهل التداخلات والصراعات ذات الأبعاد الاستراتيچية؛ كونها على تماس مع قضايا تتعلق بمستقبل البشرية بشكل عام، وبمصير العديد من الدول، وبموازين القوى الدولية بشكل أكثر خصوصية.
وعلى هذا، حدد الباحثون ثلاث مصالح كبرى وأساسية تحدد نمط السلوك الروسي في الشرق الأوسط بصفة عامة، ومنطقة الوطن العربي على وجه الخصوص:
الأولى، العمل على إنهاك الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيًّا عن طريق مزاحمتها في المنطقة، وذلك من خلال استدراج واشنطن في مشاغبات على أكثر من ساحة -والشرق الأوسط أحدها بطبيعة الحال- وهذا نابع من إدراك القيادة الروسية أنه حينما يأتي الوقت لإعادة حساب موازين القوى العالمية –على الرغم من معرفة موسكو التامة بأنها لا تستطيع معادلة القوة الاقتصادية أو العسكرية الأمريكية في أي وقت قريب شاءت- فإنه يمكنها حينئذٍ رفض بقائها كقوة عالمية من الفئة الثانية، والإصرار على ضرورة إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، وإحدى وسائلها إلى ذلك هي تلك المشاغبة المستمرة والمُنهِكة للولايات المتحدة.
ولعل معارضة روسيا الاتحادية للحرب على العراق كان إثباتًا واضحًا على سعي موسكو إلى إفشال المشروع الأمريكي الأحادي في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص؛ حيث أدركت موسكو أن المستنقع العراقي لن يكون بحال أسهل من المستنقع الأفغاني الذي وقع فيه الاتحاد السوڤياتي في ثمانينيات القرن العشرين، وكلَّف السوڤييت ماديًّا ومعنويًّا، وكان من بين عوامل نهايتهم.
والثانية، ترتبط بالمصالح الاقتصادية الروسية في منطقة الشرق الأوسط. فروسيا قد نجحت في عهد الرئيس بوتين في التوفيق بين أهدافها الاقتصادية بالمنطقة، ومصلحتها الاستراتيجية السابق ذكرها أعلاه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن طبيعة التعاملات الروسية مع دول المنطقة مختلفة حاليًّا عما كان عليه الحال في الفترات السابقة التي كانت تعتمد بالأساس على العنصر الأيديولوجي الذي كان يتغلب في معظم الأحيان على المنطق الاقتصادي.
والثالثة، أمنية حَتَّمَتها قواعد الجغرافيا والديمغرافيا؛ إذ يمكن القول إن السياسة الخارجية الروسية الجديدة تنطلق من رؤية ترتكز -في أحد مرتكزاتها- على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط؛ باعتبارها تمثل مكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدًا عن تلك المنطقة الاستراتيجية؛ لما تمثِّله من قلب العالم: حيث تتقرر فيها مراكز التوازنات والقوى الدولية، وتمثِّل منصة ارتكاز ورافعة سياسية لأي دور محتمل لأية قوة أمريكية كانت أو روسية أو أوربية.
وتعتقد موسكو أن إمكاناتها وإرثها السياسي وتوجهاتها الحالية تؤهلها لحجز مكان بارز في خارطة تشكيل العالم الجديد. ومع ذلك تعمل روسيا بحذر في هذه المنطقة المليئة بالألغام السياسية، وتحاول ألا تخسر أحدًا من الأطراف. فمثلاً تدعم موسكو طهران، مع محاولة الأولى ألا يجلب ذلك عليها استعداء دول مجلس التعاون الخليجي، كذلك تدعم دمشق، مع مراعاتها ألا يثير ذلك قلق الدول العربية الأخرى.
والشرق الأوسط يمثل حزامًا غير محكم الأطراف يحيط بجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز اللتين تعتبرهما روسيا مجالاً حيويًّا لها، وتُسخِّر كل إمكاناتها لمنع أي تعدٍّ يهدد تلك المناطق. لذا كان اهتمام موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل خاص بكلٍّ من تركيا وإيران؛ ذلك لأنهما أكثر دولتين في الشرق الأوسط رغبةً في النفاذ إلى هاتين المنطقتين، ومحاولة اختراقهما والسيطرة عليهما؛ وهذا نظرًا لوجود نوع من الارتباط الديني أو العرقي أو اللغوي الذي بين هاتين الدولتين وبين الشعوب القوقازية وفي آسيا الوسطى، ناهيك عن أن توثيق العلاقات مع إيران يفيد بقدر ما في إزعاج الولايات المتحدة، وفي جني أرباح اقتصادية لا بأس بها من إيران.
سوريا حليف غال
منذ أزمة الخليج الثانية عام 1990 ساد الاعتقاد بأن روسيا لم تعد قادرة على حماية حلفائها، أو ممارسة تأثير في قضايا المنطقة، وأن الولايات المتحدة هي الفاعل الأوحد في الشأن الدولي والإقليمي. وقد تأكد هذا الانطباع مع ضربات الناتو على صربيا عام 1999، والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وضربات الناتو على ليبيا عام 2011. إلا أن الموقف الروسي من الأزمة السورية جاء مغايراً للتوقعات وأقرب للمواقف السوفياتية في زمن الحرب الباردة، عندما كانت موسكو تقف بحسم في مواجهة واشنطن لحماية مصالحها وحلفائها. فسوريا حليف استراتيجي هام وموطئ قدم لروسيا يعني التفريط فيها خسارة الشرق الأوسط برمته، وهو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة لموسكو. ورغم النشاط الدبلوماسي الواضح الذي شهدته الدبلوماسية الروسية في المنطقة، والقفزات التي شهدها التعاون الاقتصادي والتقني بين روسيا وعدد من دول المنطقة، فإن الكثيرين لم يلمسوا الصعود الروسي إلا مع الأزمة السورية.
فموسكو ترى أن واشنطن تسعى إلى إحكام قبضتها على المنطقة ووضع حد للشراكة العربية المتنامية مع القوى الآسيوية وفى مقدمتها روسيا، وذلك من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، وإضعاف القوى الإقليمية المهمة العربية وغير العربية الكبرى، وخلق كيانات ضعيفة يسهل توجيهها ولا تمثل خطرا على مصالحها. وأن تدخلاً أمريكياً في سوريا قد يكون مقدمة «لصوملتها» وتفتيتها، الأمر الذي يُخرج سوريا كما خرج العراق من المعادلة الإقليمية بعد أن كانت فاعلا رئيسيا ومهما بها، ويفتح الباب أمام تصفية الحسابات القديمة بين الولايات المتحدة وإيران وكسر شوكة طهران.
واعتبر المهتمون بالشأن الروسي أن الأزمة في سوريا كاشفة لفاعلية الدور الروسي في المنطقة، ومثلت نقطة تحول مفصلية أوضحت استعادة روسيا لمكانتها كقوة كبرى مؤثرة في شئون المنطقة خاصة بعد المبادرة التي أطلقتها لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية مقابل وقف الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا وعقد مؤتمر جينيف2، لتنزع فتيل التوتر وتبعد شبح حرب مدمرة كانت تهدد المنطقة بأسرها. ولتبدو روسيا وكأنها تقود مسار الأحداث بعد أن سلمت القوى الدولية والإقليمية الأخرى بالرؤية الروسية القائمة على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة كطريق وحيد لتسوية الأزمة السورية واحتواء تداعياتها الكارثية.
وعلى حين تشير مجموعة من المؤشرات إلى أن النفوذ الروسي سوف يتصاعد في المنطقة خلال المرحلة المقبلة بفعل مجموعة من العوامل التي تدفع في هذا الاتجاه، تظل هناك مجموعة من التحديات والقيود التي تواجه الدور وتحد من صعوده وحركته.
تحديات بوتين بالمنطقة
في حين تدفع العوامل السابقة إلى مزيد من التعاون والتقارب بين روسيا ودول المنطقة، تبرز تحديات عدة للدور الروسي، بعضها ينبع من رؤية روسيا لدورها دولياً وإقليمياً وحدود المواجهة مع الولايات المتحدة، والبعض الآخر ناجم عن مقاومة بعض القوى الدولية والإقليمية للدور الروسي باعتباره يهدد وجودها ومصالحها في المنطقة، إذ أن رؤية روسيا لحدود دورها في المنطقة التي تنطلق من رؤية تقوم على التعاون وليس المواجهة والصراع مع الولايات المتحدة كما كان الحال في ظل الاتحاد السوفياتى، ولا التبعية كما كان الحال في فترة الرئيس الأسبق بوريس يلتسين. فلم يعد هناك شرق أو غرب وإنما مجموعة من القوى الكبرى تقود العالم من بينها روسيا، والتي ترتبط بعلاقات تعاونية ومصالح حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى. ورغم تأكيد روسيا الدائم على معارضتها للنظام الأحادي القطبية وأهمية وجود نظام دولي متعدد القوى، يتسم بالعدالة واحترام القانون الدولي والشرعية الدولية وبدور أوسع للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، فإن روسيا ترتبط بمصالح استراتيجية وحقيقية مع هذه الأخيرة، رغم أن القيادة الروسية تدرك أن الولايات المتحدة هي الفاعل الأساسي في المنطقة وفى عملية التسوية ولا تسعى إلى منافسة الولايات المتحدة في ذلك، وإنما إلى المساعدة وبذل جهود قد تسهم في التوصل لتسوية شاملة تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. من ناحية أخرى، ترفض إسرائيل أي وساطة غير تلك الأمريكية، ولا تمتلك روسيا إمكانيات للتأثير والضغط على تل أبيب، وما يتردد عن كون اليهود الروس المهاجرين في إسرائيل ورقة ضغط في يد روسيا على الحكومة الإسرائيلية هو أمر ينقصه الدقة ويحتاج إلى مراجعة. لأن افتقار روسيا لإمكانيات التأثير والضغط على الطرف الإسرائيلي من ناحية، ورغبة إسرائيل والولايات المتحدة في الانفراد بإدارة عملية التسوية على النحو الذي يحقق مصالحهما فقط، والحيلولة دون تدخل أي طرف ذي موقف إيجابي وداعم للقضية الفلسطينية والذي يعنى السير في طريق التسوية العادلة، من ناحية أخرى، يمثل عائقاً أساسياً لتفعيل الدور الروسي كراعي ثان لعملية السلام وعضو اللجنة الرباعية للتسوية السلمية بالمنطقة. إلا أن هذا لا يقلل بأي حال من الأحوال من أهمية الدعم الدبلوماسي والفني الروسي للسلطة والحكومة الفلسطينية، سيما في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وسلبية الموقف الأوربي وتبعيته لهذه الضغوط كتوجه عام.
المساء