ما بين خسائر مفاجئة وانتصارات غير متوقعة، بدت نتائج الانتخابات البلدية في تركيا، بعد خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم عُشر المحافظات من بينها مدن محسوبة تاريخيا عليه.
وفي المقابل حقق الحزب الحاكم وللمرة الأولى فوزا في مدن محسوبة تقليديا على حزب العمال الكردستاني شرقي تركيا، أما إزمير قلعة العلمانيين فظلت عصية على حزب العدالة والتنمية ومن قبله الإسلاميين الذين عجزوا عن اختراقها على مدار تاريخ الجمهورية التركية.
خسر حزب الشعوب الديمقراطي الذي ينظر إليه باعتباره الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني -المصنف إرهابيا-، أربع بلديات هي شرناق وبيتليس وأغري، التي فاز بها حزب العدالة والتنمية، كما خسر بلدية تونجلي التي فاز بها الحزب الشيوعي التركي.
وفي قراءته لنتائج تلك البلديات، يقول الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج “لا يبدو أن كتلة الشعوب الديمقراطي التصويتية في مناطق الشرق والجنوب الشرقي قد التزمت بتوجهاته كما في السابق، بل تبدو وكأنها عاقبته من خلال الصناديق”.
كما يشير إلى “انزعاج طيف مهم منهم من سياسات حزب الشعوب التي أفقدتهم مكاسب كبيرة حصلوا عليها عبر حزمات الإصلاح المتتالية والعملية السياسية السابقة”، معتبرا أن لهذه النتيجة في الشرق والجنوب الشرقي تحديدا أهمية بالغة، لتلامسها المباشر مع المسألة الكردية وملف العمال الكردستاني.
ويضيف الحاج “طالما اهتم الساسة الأتراك بنسبة تصويت هذه المناطق، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يتحدث عادة عن تلك المناطق بشكل خاص ومستقل بعد الحديث عن عموم تركيا، وردد جملة وصلتنا الرسالة أكثر من مرة، موجها كلامه لناخبي تلك المناطق”.
وأشار إلى أن نسبة تلك المحافظات تعني بشكل غير مباشر استفتاء شعبيا فيها على الكثير من السياسات الحكومية والحزبية، تبدأ من مكافحة العمال الكردستاني في تركيا وسوريا والعراق، وتمر بإجراءات “تعيين أوصياء على بعض بلدياتها إثر المسار القضائي الذي يلاحق قيادات الشعوب الديمقراطي، ولا تنتهي بتحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية المحسوب على اليمين التركي المتشدد، لا سيما فيما يخص الملف الكردي”.
وأرجع الحاج تصويت قطاع مهم من أكراد الشرق للعدالة والتنمية إلى “حرية الاختيار التي حظي بها أهالي تلك المناطق بعد رفع قبضة حزب العمال الكردستاني عنهم ودحره من مناطقهم، بعد أن كان يضغط عليهم بقوة السلاح في كثير من المناسبات الانتخابية السابقة”.
كما يشير إلى سبب آخر يتعلق بالخدمات التي قدمها مسؤولو بلديات تلك المناطق، “فضلا عن الثقة التي ما زال يوليها عموم الأكراد لأردوغان للاستمرار في عملية الإصلاح ومعالجة المسألة الكردية سياسيا، ورضاهم بالحل تحت سقف الدولة ومن خلال المواطنة المتساوية، وليس عبر السلاح والمشاريع الانفصالية”.
ويخلص الحاج إلى القول “بغض النظر عن المكسب الحزبي المباشر للعدالة والتنمية، فإن انزياح طيف مهم من الناخبين الأكراد من سكان تلك المناطق نحو الخيارات السلمية الداخلية، وتعبيرهم عن ذلك بكامل حرياتهم في سياق انتخابات نزيهة، هو مكسب كبير ومهم لتركيا ولحزب العدالة والتنمية، وللطيف الكردي من الشعب على المدى البعيد”.
عقدة إزمير
وفيما يتعلق بعجز حزب العدالة والتنمية المستمر عن اختراق محافظة إزمير معقل العلمانيين، يقول مدير “المكتب الدولي” في جامعة ابن خلدون في تركيا أنس يلمان “وفق ما عايشناه خلال عشرات العمليات الانتخابية السابقة التي شهدتها المدينة في الانتخابات المحلية والعامة، فإن مشكلة إزمير ليست لها علاقة بالحملات الانتخابية”.
ويوضح أن التصويت هناك “لا يكون بناء على ما تقدمه البلدية من خدمات، بل هو نسبة ثابتة تقريبا بحيث يصوت أهلها لحزب مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك”.
ويرى يلمان أن حزب العدالة والتنمية “لم ييأس بل قام بحملته الانتخابية بكل قوة في إزمير شارك فيها الرئيس أردوغان إلى جوار حليفه رئيس حزب الحركة القومية بهتشالي في حملة مشتركة شهدت تجمعا كبيرا لأنصارهم، كما رشح العدالة والتنمية شخصا شغل منصب وزير للاقتصاد وذا خبرة وشهرة كبيرين، ومع ذلك اختارت المدينة مرشح حزب الشعب الجمهوري”.
وعن إمكانية اختراق في انتخابات مقبلة في إزمير، نبّه يلمان إلى ضرورة قيام حزب العدالة والتنمية بـ”حملة مختلفة مبكرا يخاطب من خلالها الشباب الذين يتبعون أيديولوجية ثابتة ليس من السهل تغييرها”، معتبرا أن الشباب “أصبح له تأثير كبير في تغيير الأمور في إزمير لاحقا”.
يذكر أن مرشح حزب الشعب الجمهوري تونش سويار فاز برئاسة بلدية إزمير الكبرى بنسبة 58% على مرشح حزب العدالة والتنمية وزير الاقتصاد السابق نهاد زيبكجي، الذي حصل على 38% من الأصوات.
الجزيرة