انتقلت اعتداءات تنظيم “ولاية سيناء”، الموالي لتنظيم “داعش”، إلى مرحلة جديدة من التوسّع في شبه جزيرة سيناء، رغم نشاط العملية العسكرية الشاملة التي بدأت في فبراير/شباط 2018، لتضرب هذه الهجمات في محافظة جنوب سيناء، ذات الأهمية البالغة بالنسبة للنظام المصري، باعتبارها مركزاً سياحياً رئيسياً، وتحرّك التنظيم فيها يزعج النظام أضعافاً مضاعفة عن هجماته في محافظة شمال سيناء. ويشير ذلك إلى استمرارية قوة “ولاية سيناء”، وقدرته على التحرك في أكبر بقعة جغرافية ممكنة داخل سيناء، من دون قدرة القوات الأمنية على وقف ذلك.
وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية لـ”العربي الجديد”، إنّ مجموعة عسكرية من التنظيم هاجمت كميناً للشرطة المصرية، في منطقة عيون موسى القريبة من رأس سدر في محافظة جنوب سيناء، أول من أمس السبت، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أفراد الشرطة المصرية، إلى جانب مقتل اثنين من المهاجمين، تحفّظ الأمن المصري على جثتيهما بعد انتهاء الاشتباك الذي استمر لساعات بين قوة الكمين ومجموعة التنظيم، قبل استقدام تعزيزات عسكرية من قوات الجيش والشرطة. وأشارت المصادر إلى أنّ الهجوم أحدث إرباكاً كبيراً في صفوف قوات الأمن على مستوى محافظة جنوب سيناء.
”
مجموعة من التنظيم هاجمت كميناً للشرطة المصرية في منطقة عيون موسى في محافظة جنوب سيناء
”
وأضافت المصادر ذاتها أنّ قيادات أمنية وعسكرية وازنة وصلت إلى مكان الهجوم في أعقاب تمشيط المنطقة المحيطة به، وانسحاب بقية المنفذين منها، وأصروا على توثيق الزيارة، والإدلاء بتصريحات لمراسلي وسائل الإعلام المحلية بشتى أنواعها، للتأكيد على السيطرة الأمنية على المنطقة. وأشارت المصادر إلى أنّ طائرات مروحية هبطت في مكان الهجوم بعد ساعات من وقوعه، بالإضافة إلى استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة، مع تشديد أمني على جميع محاور المحافظة، وإجراء عمليات تفتيش دقيقة لكل السيارات في كلا الاتجاهين، من وإلى جنوب سيناء.
وأكّدت المصادر أنّ المحافظة تعيش في أجواء أمنية بشكل شبه دائم، خصوصاً في المواسم السياحية، فيما تقوم قوات الأمن بإجراءات مشددة ومكثفة لناحية التفتيش والتدقيق في هويات الوافدين إلى جنوب سيناء، وكذلك تراقب بواسطة الكاميرات غالبية الطرق المؤدية إلى المناطق السياحية. وتحظى الكمائن العسكرية بتأمين لوجستي عالي المستوى، من ناحية المركبات المستخدمة، والأسلحة الموجودة بحوزة العسكريين، وكذلك سرعة الاستجابة لأي نداء استغاثة من قبل السياح، من خلال قوات التدخل السريع والشرطة، فضلاً عن الانتشار الدائم لعناصر الأمن الوطني والاستخبارات في محيط المناطق السياحية، وكثافة المخبرين وناقلي المعلومات للأجهزة الأمنية.
ولم يهاجم تنظيم “ولاية سيناء” قوات الأمن المصرية أو الأهداف السياحية في مناطق جنوب سيناء، إلا مرات محدودة على مدار السنوات الخمس الماضية. لكنّ الهجوم الأخير هو الأول منذ بدء العملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018″، التي سعت إلى فرض السيطرة الأمنية على مناطق سيناء كافة، والقضاء على التنظيم بشكل كامل. وعلى عكس ما كان منتظرا، فبعد مرور عام ونيف على بدء العملية، لا يزال “ولاية سيناء” يضرب بقوة، وفي شتى المناطق الجغرافية في سيناء، حيث نفّذ، الثلاثاء الماضي، سلسلة من الهجمات في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، قبل أن يختم الأسبوع بهجوم على كمين عيون موسى في المحافظة الجنوبية.
وسارعت وسائل الإعلام المحلية، من جهتها، إلى الإعلان عن إفشال هجوم ضدّ كمين للشرطة في جنوب سيناء، على غير العادة في التعامل مع الأحداث الأمنية في سيناء، إذ غالباً ما تتجاهل وسائل الإعلام والجهات الرسمية المصرية الحديث عن هجمات التنظيم في المحافظة الشمالية، والتي كان آخرها تجاهلها للتفجير الانتحاري في سوق مدينة الشيخ زويد، الذي أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة 26 آخرين بجروح متفاوتة. وهو ما يشير إلى اهتمام عالي المستوى بإخراج رواية الأمن للإعلام، بما يحافظ على حركة السياحة، ويضمن عدم تأثير الهجوم عليها.
”
أي هجوم على محافظة جنوب سيناء، يمثّل ضربة قاسية للنظام المصري ولاقتصاد هذا البلد
”
وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ”العربي الجديد”، إنّ “النظام المصري قلِق من تمدّد نشاط تنظيم ولاية سيناء إلى محافظة جنوب سيناء، منذ توسّع قوة التنظيم في عام 2014. إذ إنّ المركز السياحي المتقدّم الذي تمثله هذه المحافظة، يعتبر واجهة لإثبات قدرة النظام على فرض السيطرة الأمنية، ورعاية السياح بالشكل المطلوب، خصوصاً في ظلّ المخاوف من عودة حالة الركود التي شهدتها حركة السياح في أعقاب الأحداث الأمنية عام 2013، وإسقاط الطائرة الروسية في سماء سيناء عام 2016. وبالتالي، فإنّ أي هجوم على محافظة جنوب سيناء، يمثّل ضربة قاسية للنظام المصري ولأجهزته الأمنية”.
واعتبر الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ “الهجوم الأخير في جنوب سيناء قد يمثّل ناقوس خطر وبداية مرحلة جديدة من النشاط لعناصر التنظيم، وإعادة انتشار مجموعاته في سيناء، كما ظهر من خلال الهجمات المتزامنة يوم الثلاثاء الماضي، في مدن محافظة شمال سيناء، واستكمال الخطة بالهجوم على كمين عيون موسى في الجنوب، لتصبح مناطق سيناء كافة تحت نيران التنظيم”. ورأى الباحث أنّ ذلك “إعلان صريح مرة أخرى بأنّ العملية الشاملة لم تحقق أهدافها، بل قد تكون أتت بنتائج عكسية، بأن سمحت للتنظيم بالتمدد إلى مناطق متفرقة من سيناء، في ظلّ تشديد العمل العسكري في المحافظة الشمالية فقط”، لافتاً إلى أنه “ستكون الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن تفاصيل جديدة من خطة التنظيم لتوسيع نشاطه، وتراجع قدرة الجيش المصري على السيطرة الأمنية، برغم كل الحشد العسكري”.
وتأتي هذه التطورات الميدانية مع بدء العام الثاني للعملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش المصري في 9 فبراير/شباط من العام الماضي، وخسر منذ بدايتها عشرات العسكريين، بينهم ضباط برتب رفيعة، بالإضافة إلى مقتل عشرات المدنيين واعتقال المئات من دون معرفة مصيرهم، على الرغم من مرور عام على اعتقالهم، عدا عن جرف منازل وأراض زراعية في مناطق سيناء كافة.
العربي الجديد