يشهد القطاع السياحي المغربي انتعاشا فاق التوقعات، وهو ما يعزز فرص استعادة مدينة مراكش لسحرها الجذاب كوجهة سياحية عالمية، بوصفها تستقطب ما يقارب نصف النشاط السياحي المحلي بفضل بنيتها السياحية، لاسيما أن فصلي الشتاء والربيع يعدان من بين الفصول المناسبة لزيارتها.
مراكش (المغرب) – تمزج مدينة مراكش بين الأصالة والحداثة وهي معادلة جعلت منها وجهة سياحية عالمية جاذبة، نظرا لاستثمار المغرب في المؤهلات الطبيعية للمدينة الساحلية بجغرافيتها وموقعها وتركيبتها السكانية، ليضفي على سحرها طابعا خاصا يجتذب ملايين السياح الأجانب سنويا.
وأضحت الوجهة السياحية لمراكش في السنوات الأخيرة وجهة مفضلة لمجموعة من المشاهير من عوالم السينما والرياضة والسياسة والفن، الذين يحرصون على التواجد بالمدينة الحمراء، مما يعزز من إشعاع المدينة على المستوى العالمي.
ويعود بناء المدينة إلى العام 1070 من قبل السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين، وفي جانبها الحديث تشاهد أحدث الفنادق والمولات والمسابح والمتاحف والحدائق والطرق السريعة والمطاعم والمقاهي الشعبية.
ورصدت الصحافة الدولية التي تسلط الضوء من حين إلى آخر على ما بلغته المملكة المغربية من تطور وتقدم رغم التحديات والصدمات الاقتصادية، مآثر المدينة المغربية التاريخية التي تعتبر عاصمة السياحة المغربية ويطلق عليها مدينة البهجة.
ومن بين التقارير الإعلامية التي تناولت عاصمة النخيل، مؤخرا، تقرير كتبه الصحافي في نيويورك تايمز سيث شيروود في صفحة “36 ساعة” التي تهتم بأفضل الوجهات السياحية العالمية.
وقال شيروود إن الندوب لا تزال منتشرة حول مراكش، في إشارة للأضرار الطفيفة التي طالت المدينة بسبب زلزال سبتمبر الماضي، مشيرا إلى أن المدينة المسورة التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من ألف عام صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، تعتبر “قلب العاصمة القديمة للمغرب”.
واستعادت السياحة في المغرب نشاطها بعد الزلزال، بفضل خطة الاستجابة السريعة التي لم تدخر جهدا لإعادة الحياة إلى المناطق التي ضربها الزلزال، فالحركة عادت تدريجيا إلى مدينة مراكش وسط المغرب كبرى المدن التي تضررت من الزلزال، بعد أسبوع واحد من الكارثة التي خلفت آلاف القتلى والمصابين.
واستعرضت الصحيفة الأميركية جمالية المعمار في المدينة الحمراء، متغنية بجمال مئذنة مسجد الكتبية العريق، وكذلك قصر البديع وهو المعلم الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، قائلة إن ما يميز مراكش هي كونها واحة للهندسة المعمارية الإسلامية.
وأضافت الصحيفة أن الجميع يتذكر الزلزال الكارثي الذي ضرب المنطقة في سبتمبر الماضي، وأدى إلى مقتل نحو 3 آلاف شخص، معظمهم من القرى النائية والمناطق الجبلية، متابعة “من خلال زيارتك لمراكش الآن، فإنك لا تختبر فقط ملاذا للهندسة المعمارية الإسلامية، والحرفية التقليدية المبهرة، والتصميم المعاصر الرائع، وربما أفضل المطاعم والحياة الليلية في شمال أفريقيا، ولكنك تقدم أيضًا الدعم المعنوي والاقتصادي لمنطقة في مرحلة التعافي”.
وتتوافر المدينة التي تعتبر كذلك القلب النابض للاقتصاد المغربي، على بناءات تاريخية تعكس جانبا من المعمار الإسلامي وهي ميزة من الميزات التي تحكي سحرها وجاذبيتها.
وتعتبر مدينة مراكش إحدى أهم المدن المغربية التي نالت النصيب الأوفر من المعالم التاريخية بفضل الدور الذي لعبته هذه المدينة في العصور السابقة، خاصة وأنها كانت عاصمة للمغرب وملتقى للقوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء، بفضلها أصبحت المدينة الوجهة السياحية الأولى بالمغرب وذات إشعاع عالمي.
ورغم الإشعاع العالمي الذي تشهده المدينة، فإن الإعلام الفرنسي قاد ضدها حملة تشويه وتشويش بعد كارثة زلزال الحوز التي تضررت فيه أجزاء من المدينة، مستهدفا التأثير على قطاع السياحة فيها، لكن التجاوب الرسمي مع الكارثة والسرعة التي عالجت بها السلطات الأضرار وطريقة تعاطيها مع الأزمة سياسيا وشعبيا أفشلت تلك الحملة.
وتحولت محاولة التشويه سريعا إلى ثناء وإعجاب في الصحافة الدولية بقدرة المغرب على تجاوز المحنة، وانخراطه سريعا في إعادة الإعمار وسط إشادة أيضا بحالة التضامن المحلية الواسعة التي عكست التلاحم والتناغم بين الشعب والقيادة.
وقدمت “نيويورك تايمز” عددا من المعالم، متحدثة عن المدرسة العتيقة بن يوسف وهي المدرسة التي يمتد تاريخها لعدة قرون والتي تعكس بكل وضوح مهارة الحرفيين العالية، خاصة فن الزليج والنقش.
وتحظى مدرسة بن يوسف بأهمية بالغة، نظرا لموقعها بساحة ابن يوسف، التي تحمل دلالة تاريخية كبيرة، فضلا عن كونها النواة الأصلية لمدينة مراكش.
شرح كاتب المقال كيفية قضاء 36 ساعة بأفضل طريقة في وجهة سياحية ذات صيت عالمي، حيث لم يفته إلقاء الضوء على التراث اليهودي للمدينة ومن ضمنه حي الملاح الذي تم تشييده في القرن السادس عشر، وكذلك المقبرة والمعابد اليهودية التاريخية وبينها كنيس صلاة العزامة الذي أضحى يتوفر على متحف. ووصف مراكش بأنها عاصمة للفن في شمال أفريقيا بمعارضها التي توجد في أكثر من منطقة وبينها على وجه الدقة في المدينة الجديدة كيليز.
كما سلط الضوء على فضاء جامع الفنا الأسطوري، والأسواق والبازارات التي تزخر بروائع الصناعة التقليدية.
فساحة جامع الفنا بالمدينة القديمة لمراكش لطالما استهوت بصخبها المعهود الذي تزداد وتيرته كلما دنت الشمس من الغروب، الزائرين لاكتشاف ما يقدم بها من عروض شيقة من الفرجة والاستمتاع بها، حيث ينتقل عبرها السائح من “حلقة” إلى أخرى ومن عرض إلى آخر (ترويض الأفاعي والقردة وفن الحكي، الفلكور).
ويشار إلى أن ساحة جامع الفنا المدرجة ضمن التراث الثقافي اللامادي لليونسكو منذ 2008 والتراث العالمي منذ 1985، استطاعت أن تستعيد حيويتها ونشاطها المعهودين على مدار السنة في ظرف قياسي، بعد تأثر المدينة الحمراء بزلزال الثامن من سبتمبر الماضي.
مراكش تعتبر من كبرى الأقطاب السياحية في المغرب التي تجتذب السياح الأوروبيين
وتضررت قرابة سبعة مبان تاريخية من أصل 40 بناء، منها المسجد التاريخي الذي يبعد عن مراكش بنحو 100 كيلومتر، وبني في عهد الدولة الموحدية وتحديدا في عهد الخليفة الموحدي الأول عبدالمؤمن بن علي، وسجل المسجد سنة 1995 في لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو.
ويُتوقع أن تستمر زيادة زوار عاصمة النخيل في الفترة المقبلة من العالم، حيث أشارت البيانات الرسمية عام 2022، إلى أن مراكش تستقطب ما يقارب نصف النشاط السياحي المحلي بفضل بنيتها السياحية، إذ تضم نحو 70 ألف سرير في 250 فندقا مصنفا، وأكثر من 1300 دار ضيافة.
إذ من المتوقع أن تستضيف المدينة باختيارها عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لهذا العام، سلسلة من التظاهرات والفعاليات الثقافية والفكرية والفنية التي تسلط الضوء على الحضارة الإسلامية.
وتشهد مراكش تطورا حضريا مستمرا بفضل البرنامج الملكي “مراكش الحاضرة المتجددة”.
وكان المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، سالم بن محمد المالك، أشار على هامش الحفل الافتتاحي لاحتفالية “مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024″، إلى المؤهلات التي تزخر بها المدينة الحمراء بمعالمها التاريخية وأسوارها الشامخة وقصورها الفخمة وحدائقها الخضراء وشوارعها المزدحمة التي جعلت من مراكش مدينة الإلهام والتفضيل.
وقال إن اختيار مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024 ليس بمحض الصدفة، بل لكونها مدينة التاريخ والتفرد والفن والإبداع الثقافي بكل أشكاله وأوجهه، متابعا “أينما توجهت في مراكش يعانقك التاريخ المشع، بينما يحملك الحاضر والمستقبل بمهارة نحو أجواء السحر والبهجة والجمال”.
ويؤم المدينة القديمة يوميا الكثير من الجنسيات بل إن الكثير من عقاراتها اشتراها أجانب، وجعلوها مقرا لعيشهم.
وتشارك السياحة بنحو 7 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة المغربية، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية.
وقالت وزيرة السياحة المغربية فاطمة الزهراء عمور إن القطاع السياحي المغربي يشهد انتعاشا فاق توقعات الحكومة بوصول 14.5 مليون سائح في 2023، أي بزيادة مليون سائح عن الرقم الذي كان متوقعا.
وأوضحت الوزيرة في عرض لها أمام لجنة بمجلس النواب، أن الحكومة “اتخذت القرارات الملائمة في الوقت المناسب”، وأن المغرب “يسعى إلى دخول نادي أول 15 وجهة سياحية في العالم”.
وكانت الوزيرة كشفت في تصريحات سابقة، أن المغرب يستهدف الوصول إلى 17.5 مليون زائر بحلول عام 2026، مع إطلاق خطوط جوية جديدة و26 مليونا بحلول عام 2030، عندما يشارك في استضافة كأس العالم مع إسبانيا والبرتغال.
وأكدت الوزيرة أنه في حين أن 70 في المئة من السائحين الوافدين من الأوروبيين، فإن وزارة السياحة المغربية تخطط لتعزيز عدد السائحين الذين يفدون من الصين واليابان والهند والشرق الأوسط.
وتجتذب مراكش التي تعتبر من كبرى الأقطاب السياحية في المغرب السياح الأوروبيين على وجه الخصوص.
وبفضل مناخها الشبه جاف، يعد أفضل أوقات الزيارة لمدينة مراكش في فصلي الربيع والخريف التي تمتد من مارس إلى مايو، ومن سبتمبر إلى نوفمبر، حيث يكون الجو مشمسًا مع درجات حرارة معتدلة تسمح باستكشاف المدينة ومعالمها. كما يمكن أن يكون فصل الشتاء دافئًا وغير مزدحم، مع الانتباه لتقلبات درجات الحرارة الكبيرة في الليل.
العرب