كشف اعلان الادارة الأمريكية اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالجنرال الليبي المنشق خليفة حفتر يوم الاثنين (15 نيسان/أبريل الجاري) تطورا جديدا في الحدث الليبي فهو يظهر عمليا تخليا عن مشروع التسوية الليبية الذي تشرف عليه الأمم المتحدة ويمثله المجلس الرئاسي وحكومة طرابلس الليبية التي يرأسها فائز السراج لصالح الاتجاه العسكري الانقلابي للجنرال الفالت من عقاله والمدعوم من محور إقليمي عربي تمثله السعودية والامارات ومصر والبحرين.
البيت الأبيض قال إن الحديث الهاتفي لترامب مع الجنرال الذي يقود هجوما عسكريا على العاصمة الليبية تناول جهود مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية، وهو يعني ببساطة في العقلية التجارية لترامب أنه يريد النفط الليبي للشركات الأمريكية (وليس للفرنسية أو الايطالية) وأن هذا ثمن معقول لمساندته للجنرال ولو كانت النتيجة تسعير الحرب الأهلية في ليبيا وسقوط صواريخ غراد على المدنيين وتهجير عشرات الآلاف وخراب ليبيا لعشرات السنين المقبلة.
وكما هي العادة في انحيازات ترامب الخارجة عن المنطق والشرعيات الدولية فإن المؤسسة العسكرية الأمريكية أبدت امتعاضها المبطن من خلال تصريح لباتريك شاهانان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي الذي قال إن «الحل العسكري ليس ما تحتاجه ليبيا» وأن واشنطن تحتاج دعم حفتر ولكن «في بناء استقرار ديمقراطي هناك في المنطقة»، وكلا الجملتين تصبان في اتجاه معاكس لاتجاه ترامب من دون إعلان صريح بمخالفته.
فرنسا، التي اعتقدت بدورها أنها راهنت على الحصان الرابح بدعمها للجنرال وأنها هي التي ستحظى بحصة الأسد النفطية من هذا الرهان، ردت بمحاولة تطويق الموقف الأمريكي عبر التفاوض مع إيطاليا، المختلفة معها في ليبيا، كما سمعنا نقدا فرنسيا غير مباشر من قبل جيرار ارو سفير فرنسا السابق في واشنطن الذي شبه ترامب بلويس الرابع عشر الذي كان «ملكا متقلبا في طباعه إلى حد ما، لا يمكن التكهن بتصرفاته ومضلَّلا لكنه يريد مع ذلك اتخاذ كل القرارات»، وقال آرو إن «أمريكا أولا» التي وعد بها الملياردير الجمهوري «هي أمريكا وحدها».
وأن «هذا الرئيس وهذه الإدارة لا حلفاء لهما ولا أصدقاء». و«لا تكن أي مشاعر ود للأوروبيين».
غير أن التبرير «النفطي» لموقف ترامب المشين من الموضوع الليبي لا يكفي حقيقة لشرح التطور الأخير، والأحرى أن يتم تفسيره ضمن خط سياسي عام يتعلق بفهم للعالم العربي والإسلامي، معاد للديمقراطية في جوهره، ومساند للنظم الدكتاتورية المطلقة باعتبارها الحليف الطبيعي لليمين الغربي المتطرف، كما تقع إسرائيل في جوهر هذه الاستراتيجية، وعلى أساس مصالحها يجري قياس السياسات.
بهذا المعنى فإن دعم حفتر ليس إلا الشق الليبي من صفقة القرن التي ستعيد صهر المنطقة العربية بالنار والحديد وتخضع شعوبها بالجيوش وأجهزة الأمن.
القدس العربي