رغم مضي أكثر من 24 ساعة على الهجمات التي تعرضت لها أربع سفن متعددة الجنسيات بالمياه الاقتصادية الإماراتية المقابلة لإيران، ما زال الغموض يكبر والأسئلة تزداد حول طبيعة الهجمات التي تعرضت لها السفن، والجهة التي تقف خلفها، والأهداف والرسائل التي أرادت إيصالها من خلال تلك الهجمات.
ومن المفارقات الغريبة أن غموض الفعل وخفاء الفاعلين جاء وسط حالة غير مسبوقة -على الأقل في السنوات الأخيرة- من التحشيد والتوتر والاستنفار في المياه الخليجية، وهو ما أثار أسئلة أخرى حول هوية ودوافع الضالعين في هذه الهجمات.
وبينما لم يصدر رأي قاطع أو اتهام صريح لأي جهة حتى الآن بالمسؤولية عن الهجمات، يبقى التكهن والتخمين سيد الموقف، في ظل روايات متعددة يتطابق بعضها حول حقيقة ما يجرى، ولكنها روايات تتوقف عند الوقائع والمجريات ولا تصل للدوافع والجهات.
ويمكن القول إن أهم الروايات التي صدرت حتى الآن من مصادر رسمية أو شبه رسمية هي ما يلي:
1- الرواية الإماراتية.. ارتباك وغموض
بدا الارتباك واضحا في تعاطي السلطات الإماراتية مع الحادثة، حيث لجأت في البداية إلى نفي الخبر بعد إذاعته من وسائل إعلام مقربة من إيران، ثم عادت بعد أكثر من 12 ساعة إلى الاعتراف بالحادثة عبر إصدار بيان رسمي يؤكد تعرض أربع سفن لعمليات تخريب ويتعهد بالتحقيق، ولكنه لا يكشف المعلومات التي بحوزة الإماراتيين ولا يوجه أصابع الاتهام لأي طرف كان.
وجاء الموقف الإماراتي عبر بيان لخارجيتها أكد تعرض أربع سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لما وصفتها بعمليات تخريبية في المياه الاقتصادية للإمارات، بالقرب من إمارة الفجيرة.
وأضافت أن العمليات لم تتسبب في أي أضرار بشرية أو إصابات، كما أنه لم ينتج عنها أي تسرب لمواد ضارة أو وقود من هذه السفن، وأكدت أن التحقيق جار حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وأن الجهات المعنية بالتحقيق سترفع النتائج حين الانتهاء من إجراءاتها.
2- الرواية السعودية.. إقرار وتوضيح
التزمت السلطات الصمت ساعات طويلة هي الأخرى قبل أن تعلق على هجوم الفجيرة رغم أنها معنية به لأكثر من سبب، وخصوصا أن بعض السفن المستهدفة به تابعة لها.
وجاءت الرواية السعودية متطابقة إلى حد كبير مع نظيرتها الإمارتية مع بعض المعلومات الإضافية والتوضيحية، ولم تخرج عن اللغة التي استخدمت في البيان الإماراتي الرسمي، حيث وصف ما حدث بالهجوم مما يعني أنه تم بفعل خارجي لا ذاتي، وتم وصفه أيضا بالتخريبي ولم يوصم بالإرهابي.
ولعل أهم ما أضافه البيان السعودي أن الهجوم وقع في السادسة من صباح الأحد، وهي معلومة خلا منها البيان الإماراتي، كما أضافت الرواية السعودية معلومات أخرى مهمة حول هوية بعض السفن التي تعرضت للتخريب حيث ذكرت أن اثنتين من السفن سعوديتان.
وجاءت تلك التوضيحات على لسان وزير النفط خالد الفالح الذي قال إن ناقلتي نفط سعوديتين تعرضتا لعمل تخريبي وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات قرب إمارة الفجيرة، في وقت كانت إحداهما في طريقها للتحميل بالنفط السعودي من ميناء رأس تنورة.
وأضاف أن الهجوم لم تنجم عنه أي خسائر في الأرواح أو تسرب للوقود، وهو ما يتطابق مع الرواية الإماراتية، بيد أنه أضاف معطى آخر يتعلق بحجم الأضرار التي أصابت السفينتين، حيث أشار إلى أن الهجوم نجمت عنه أضرار بالغة في هيكلي السفينتين.
واعتبر الفالح أن الهجوم يعتبر تهديدا لحرية الملاحة البحرية وأمن الإمدادات النفطية للمستهلكين في أنحاء العالم كافة، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي عليه مسؤولية مشتركة في الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية.
3- الرواية الإيرانية.. قلق وتحذير
خلافا للروايتين الإماراتية والسعودية لم تكلف إيران نفسها بتقديم رواية تفصيلية لمجريات ما حدث، وربما لأنها لا تعتبر نفسها معنية بذلك على نحو مباشر، بل اكتفت بوصف تلك الحوادث –على لسان المتحدث باسم الخارجية- بأنها “مزعجة” وطالبت بتحقيق في تلك الحوادث لمعرفة الملابسات، مشيرة إلى أن مثل تلك الحوادث لها تأثير سلبي على أمن النقل البحري.
وبينما اكتفت الروايتان السعودية والإماراتية بسرد جزء مما حدث، ذهبت الرواية الإيرانية إلى أبعد من ذلك بتوجيه أصابع الاتهام إلى أطراف ما، حيث حذر المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي في بيان من “مغامرة لاعبين خارجيين” لعرقلة أمن الملاحة، ومن “مؤامرات الحاقدين لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة”. واعتبر أن “الأحداث في بحر عُمان مقلقة ومؤسفة”.
في السياق نفسه، قال رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان حشمت الله فلاحت بيشه “انفجارات الفجيرة قد تكون من صنع طرف ثالث بهدف ضرب الأمن في منطقة حساسة”. وعبّر عن إدانته للحادثة مطالبا بتحديد هوية من يقف وراء هذا “الفعل التخريبي”.
4- الإعلام الإيراني.. أولى الروايات
كانت أولى الروايات التي تم تداولها إعلاميا هي أخبار عن وقوع انفجارات في ميناء الفجيرة، وأشارت هذه الروايات التي بثت عبر وسائل إعلام مقربة من إيران أنه تمّ تطويق كامل للمنطقة التي وقعت فيها الانفجارات في ميناء الفجيرة، مشيرة إلى أن النيران اشتعلت في عدد من ناقلات النفط التي كانت راسية في الميناء وعددها بين سبع وعشر ناقلات.
ولاحقا تحدثت وسائل إعلام مقربة من طهران عن تفاصيل متعلقة بهذا الحادث، بيد أن السلطات الإماراتية نفت بشكل قاطع وقوع أي شيء من هذا القبيل، قبل أن تعود لاحقا وتعترف بوقوع هجمات في سفن بمياهها الاقتصادية قرب الفجيرة.
الجزيرة