تحت عنوان “آخر رئيس وزراء سوداني منتخب يدعو بريطانيا للمساعدة في إعادة بناء الديمقراطية”، نشرت صحيفة “دايلي تلغراف” تقريرا لمراسلها الدبلوماسي رولاند أوليفانت التقى فيه مع رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي الذي قال الكاتب إنه الوحيد الذي يعرف شعور الديكتاتور عمر البشير الذي أطاح به الجيش من السلطة الشهر الماضي ونقل إلى سجن كوبر الأمني في الخرطوم. ولكن المهدي آخر رئيس وزراء منتخب بطريقة ديمقراطية لم يكن متعاطفا مع الرجل الذي أطاح بحكومته عام 1989.
وقال في تصريحات للصحيفة “بالنسبة كان مبهجا” وأضاف ” على مدى 30 عاما حولوا حياتي لجهنم ولهذا كان هناك شعور بالإنجاز لرؤية الإطاحة بالنظام المتعطش للدماء”.
وتشير الصحيفة إلى أن الإنجاز مفهوم بالنسبة للمهدي الذي انتهت ولايته الثانية بطريقة سريعة عندما حضر ثلاثة ضباط إلى بيته واعتقلوه بعد انقلاب عام 1989. وتبع ذلك محاكمات عسكرية وتعذيب وفترة في السجن ثم تحرش ومنفى خلال الـ 30 عاما الماضية. واليوم يجلس البشير في سجن كوبر فيما يراقب المهدي باهتمام دعاة الديمقراطية وهم يعيدون تشكيل السياسة في السودان. وفي عمر الـ 83 عاما استبعد المهدي العودة إلى السياسة وسلم مسؤولية إدارة حزب الأمة إلى الآخرين. ويشير التقرير إلى جذور المهدي وجده محمد أحمد بن عبدالله الذي زعم أنه المهدي وقاد ثورة ضد الحكم البريطاني والمصري في الثمانينات من القرن التاسع عشر.
ولا يزال الصادق زعيم الأنصار، اتباع جده الأكبر ولكن رؤيته للسودان أقل عنفا من تلك التي تبناها المهدي، جده الأكبر. وقال “رؤيتي للسودان هي نموذج للمنطقة وهي توليفة بين الحداثة والهوية”. وما يعني في هذا ديمقراطية ليبرالية مع دولة رفاه وهوية إسلامية تتعامل مع كل التنوعات الإثنية الإقليمية في السودان والنظرة الدولة. وتقول الصحيفة إن هذا المفهوم عن اسكندنافيا على النيل هي مضاد لديكتاتورية البشير التي تعاملت – كما يقول البعض- مع المتشددين الإسلاميين في فرض نظام رقابة أخلاقي وتعريب ضد لغات في البلاد واستخدموا الدين لتبرير الحروب في جنوب السودان ودارفور. ويحتاج المشروع لشراكة دول لتطوير وتحديث الإقتصاد السوداني واستغلال المصادر الطبيعية الهائلة التي يتمتع بها البلد. ويريد المهدي أن تقوم بريطانيا بالدور “بعدما تحلوا مشاكلكم مع البريكسيت”. ويرى المهدي المتخرج من جامعة أوكسفورد أن بريطانيا التي استعمرت السودان في الماضي ستكون مناسبة للدور مشيرا إلى اللورد كيتشنر الذي قضى على الدولة المهدية “ما فعله كيتشنر كان إجراميا ودمويا. وتم في معركة أم درمان إعدام الأبطال”، في إشارة للمعركة التي قاتل فيها أيضا الضابط الشاب وينستون تشرتشل واستخدم فيها السلاح الحديث لإبادة جيش الخليفة عبدالله التعايشي وتدمير دولة المهدية. ولكن المهدي يقوبل إن البريطانيين بعد المعركة الدموية “أنشأوا دولة حديثة بخدمات مدنية فعالة واقتصاد حديث وسلطات حكم محلي حية. واحترموا الكثير من مظاهر الحياة السودانية” مضيفا “هناك بالتأكيد أساس للعلاقات الثنائية خاصة في مجال التعليم والتدريب”. وتعلق الصحيفة أن المهدي واحد من عدة حركات داخل الجماعات المطالبة بالديمقراطية وكل لديها رؤية طموحة. وفي الوقت الذي وافق المجلس العسكري الإنتقالي الذي تسلم السلطة بعد الإطاحة بالبشير في 11 نيسان (إبريل) على تسليم السلطة للمدنيين إلا أنه أكد على تسلم وزارات مهمة. فيما يخشى المتظاهرون من قيام جماعات من داخل الجيش التوافق على ديكتاتور جديد.
وهناك مشكلة أخرى غير العسكر وهي ان المهدي وغيره من الأحزاب التقليدية لا تحظى بدعم من الجيل الجديد الذي يقود الثورة والتغيير في مرحلة ما بعد البشير. وينظر هذا الجيل للمهدي وغيره على أنهم جزء من المنظومة التقليدية التي يريدون الإطاحة بها. ووصف أكثر من محتج التقت معهم الصحيفة في الخرطوم، المهدي بأنه “وجه من الماضي”. ولكن المهدي يرد قائلا: “لو عقدت انتخابات حرة فسيتم تأكيد موقف حزب الأمة. وأراهن أننا سنحصل على الغالبية”. ولكن المهدي متأكد أن لا عودة للديكتاتورية مهما حدث. ومع أم المهدي تجنب الأسئلة المحرجة والمثيرة للإنقسام لكنه كان واضحا في نقطة واحدة وهي تسليم البشير للجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال ضده بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دار فور. وقال: “أعتقد أن تسليمه للجنائية سيكون سهلا” و “سيكون جزءا من تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي ومنحه محاكمة عادلة. وعلينا إصلاح نظامنا القضائي وهذا يحتاج لوقت طويل”.
القدس العربي