تفاعلت الأنباء التي سربتها وسائل إعلام أميركية عن أن الطائرات المسيّرة التي استهدفت مواقع نفطية سعودية في مايو/أيار الماضي، انطلقت من العراق، في ظل تشكيك عراقي كبير بهذه المعلومات، واستبعاد قيام فصائل من “الحشد الشعبي” باستخدام أسلحتها في أزمات المنطقة، على الرغم من الاعتراف بنفوذ هذه الفصائل المدعومة من إيران وانتشار السلاح بشكل كبير في العراق.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أمس الأول الجمعة، أن مسؤولين أميركيين خلصوا إلى أن الهجوم بطائرات مسيّرة على مواقع نفطية سعودية في شهر مايو الماضي كان مصدره العراق وليس اليمن، مؤكدين أن مصدر الهجوم كان من جنوب العراق، في إشارة على الأرجح إلى فصائل متواجدة في المنطقة مدعومة من إيران. وكان وزير الطاقة السعودي، خالد بن عبد العزيز الفالح، قال في وقت سابق، إن محطتي ضخ لخط الأنابيب شرق-غرب الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط في المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، تعرضتا لهجوم من طائرات مفخخة من دون طيار، بينما قال موقع تابع لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) إن “سلاح الجو المسيّر التابع للجيش واللجان الشعبية نفذ الثلاثاء عملية عسكرية كبرى ضد أهداف سعودية”.
”
مسؤول عراقي: مناطق جنوب العراق مؤمنة بشكل كامل من قبل الجيش والشرطة وقوات حرس الحدود
” المعلومات التي سرّبتها “وول ستريت جورنال”، سارع مسؤولون عراقيون لنفيها. وقال مسؤول عراقي حكومي رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن الموقف العراقي الرسمي من هذه الاتهامات هو ما جاء على لسان رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الذي أكد الأسبوع الماضي أن هذه الأنباء غير صحيحة، مؤكداً أن مناطق جنوب العراق التي يقال إن الطائرات المسيرة انطلقت منها مؤمنة بشكل كامل من قبل الجيش والشرطة وقوات حرس الحدود، ولا يمكن لأي جهة إطلاق أو توجيه طائرات من دون علم السلطات العراقية.
ولفت إلى أن “العراق تلقى معلومات من الأميركيين تفيد بانطلاق الطائرات من الأراضي العراقية، إلا أن هذه المعلومات لم تكن تحتوي على التوقيت والمكان الدقيقين لانطلاقها ما دفع الجانب العراقي للتشكيك بها”، موضحاً أن السلطات العراقية عبّرت عن استعدادها للتحقيق في أي معلومات تكون مقرونة بالوثائق.
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، النائب سعران عبيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن هذه الأحاديث تندرج ضمن أجندات معروفة تهدف إلى إثارة الفوضى في العراق، وتشويه سمعته على المستويين الإقليمي والدولي، متسائلاً “عن سبب عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على تحديد الجهة التي قامت بتوجيه الطائرات التي تقول إنها انطلقت من العراق”. وأضاف أن “أميركا دولة عظمى تمتلك إمكانيات هائلة، وهي الأولى عالمياً لجهة التطور التكنولوجي، ولديها استخبارات قادرة على الرصد في أي مكان”، متابعاً “إذا كانت تمتلك كل ذلك لماذا لم تحدد الجهة؟”. وانتقد عضو لجنة الأمن في البرلمان، “وسائل الإعلام التي تحاول الإضرار بالعراق من خلال ترويج مثل هذه الأنباء”، مؤكداً أن العراق باقٍ على موقفه المحايد من أزمات المنطقة، لا سيما بعد أن أثبت وجوده على الساحة الدولية، ودبلوماسيته التي برزت بشكل واضح في الفترة الأخيرة.
من جهته، قال عضو تيار الحكمة العراقي علي الرفيعي، لـ”العربي الجديد”، إن هذا الحديث أثير في وسائل الإعلام لأول مرة على لسان عضو البرلمان السابق مشعان الجبوري، قبل أن يتسع الحديث بشأنه، مستدركاً “إلا أن هذه الاتهامات للعراق لم تكن مقرونة بأدلة”. وأضاف “الغريب أن يخرج رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في مؤتمر صحافي بعد حديث الجبوري بيوم واحد ليقول إن نفوذ الجماعات المسلحة غير المنضبطة يجب أن ينتهي”، معتبراً أن رئيس الوزراء كان يريد إيصال رسالة معينة.
ولفت الرفيعي إلى أن “الحديث عن أن الطائرات التي نفذت الهجوم على مواقع سعودية ما يزال عاماً من دون أي تفصيلات”، مشيراً إلى احتمال وجود طرف ثالث يريد جر العراق إلى أحد المحاور المتناحرة في المنطقة. وأشار إلى وجود فصائل مسلحة مدعومة من إيران تعمل في العراق، إلا أنه لا توجد أي أدلة على ارتكابها اعتداءات على دول أخرى، وفق قوله.
وكان مشعان الجبوري قال في مقابلة متلفزة سابقة، إن بعض الطائرات التي قصفت منشآت نفطية سعودية انطلقت من العراق، موضحاً أن الأميركيين أبلغوا عبد المهدي بأن لديهم معلومات بهذا الشأن.
في المقابل، فإن وكيل وزارة الداخلية السابق، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عدنان الأسدي، أكد في تصريح تلفزيوني، أن السلاح بمختلف أنواعه منتشر في العراق بشكل يفوق سيطرة الدولة، موضحاً أن أسلحة خطيرة مثل صواريخ الكاتيوشا تباع في الأسواق.
”
مصدر مقرب من “الحشد”: الفصائل لن تنجرّ لمخططات تُورطها في صراعات خارجية
” في موازاة ذلك، قال مصدر مقرب من فصائل “الحشد الشعبي” المدعومة من إيران، والتي تدور حولها الاتهامات الأميركية، لـ”العربي الجديد”، إن “فصائل المقاومة” تمتلك مختلف أنواع الأسلحة الحديثة، إلا أن هذه الأسلحة تُستخدم لقتال التنظيمات الإرهابية، مؤكداً أن الفصائل العراقية المسلحة غير معنية بما يحدث في اليمن أو السعودية. ولفت إلى وجود محاولات أميركية لزجّ العراق في صراعات إقليمية، وإبعاده عن سياسة الحياد، مؤكداً أن فصائل “الحشد” لا يمكن أن تنجرّ لمخططات تُورطها في صراعات خارجية. الأمر نفسه ما حذر منه الأمين العام لمليشيا “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، الذي قال إن إرادات خارجية تريد جر العراق إلى صراعات المنطقة، مؤكداً في كلمة ألقاها في مؤتمر ببغداد وجود سيناريو أميركي ضد العراق ينطلق من جنوب البلاد.
العربي الجديد