المظاهرات والاحتجاجات العاصفة للمهاجرين من إثيوبيا التي جرت مؤخرًا في أرجاء البلاد هي تعبير عن الألم والغضب الذي تشعر به الطائفة الإثيوبية على مدى السنين في إسرائيل. صحيح أن شكاوى المتظاهرين وجهت لمن يرتدون الزي العسكري والمسؤولين عن تطبيق القانون في إسرائيل، لكن بنظرة عميقة أكثر يدور الحديث عن لائحة اتهام خطيرة كتبت بالدموع والألم ضد دولة إسرائيل ومؤسساتها والمجتمع الإسرائيلي. سلومون تيكا ويهودا بيادها ويوسف سلماسا، كان يمكنهم أن يصبحوا مربين، أو أطباء، أو ضباطًا في الجيش. كان يمكنهم أن يكونوا أولادي، أو أولادكم، أو أولاد أصدقائكم. كل واحد منا كان يمكن أن يجد نفسه في الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه. ولكن هؤلاء الثلاثة لاقوا حتفهم في أعقاب مواجهة مع رجال الشرطة. لا يدور الحديث عن صدفة، بل نتيجة رؤية خاطئة ومتجذرة عميقًا في مؤسسات الدولة المختلفة.
المجتمع يصنفه طبقًا للصورة التي يظهر فيها والمجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ولهذه العملية تأثيرات في كل المجتمع، وأكثر من ذلك على المصنَفين الموضوعين في وضع متدن. يستدعي الاغتراب وعدم الانتماء المواجهة مع مكونات الهوية الأساسية جدًا بالنسبة للإنسان. يظهر من ذلك أن الفرد مطلوب منه التنكر لهويته وعاداته وثقافته ولغته.
منذ بدء الاحتجاج، تطفو على السطح كلمات مغسولة وممجوجة مثل “الإفراط في الشرطية”. يبدو أن هذا تعبير محايد هدفه توضيح مسألة مركبة، ولكنه عمليًا يحاول التقليل من ظاهرة العنصرية الموجهة نحو المهاجرين من إثيوبيا إلى درجة أن تصبح نهج عمل شرطيًا عاديًا ومنطقيًا. الإفراط في الشرطية يعني أنه تصنيف، وتعامل بصورة خطيرة مع شخص بسبب انتمائه العرقي ولون جلده، أو مكونات شخصيته الأخرى التي تخلق التمييز على أساس معطيات ديمغرافية. يقع علينا واجب قول هذه الأمور بشكل علني وصريح: إن ممارسة العملية الشرطية الزائدة هي عنصرية. من المفهوم ضمنًا أنه في رعنانا ورحافيا وفي أحياء تل أبيب، لا يطبق هذا الأسلوب أبدًا.
في الحقيقة، العنف والعنصرية مفهومان واضحان ليسا بحاجة إلى تفسير. لا حاجة إلى أن تكون خبيرًا في علم الاجتماع لتلاحظ وجود العنصرية المتفشية في المجتمع، سواء تجاه المهاجرين من إثيوبيا أو تجاه جماعات أخرى. مع ذلك، حالة الإثيوبيين حالة استثنائية، بسبب عنصر اللون الذي يمنع اندماجهم الكامل في المجتمع الإسرائيلي الفاتح في معظمه.
التمييز ضد المهاجرين من إثيوبيا هو نتيجة مباشرة لاختلافهم الخارجي. واللغة المغسولة جدًا لا يمكنها إخفاء أو “تبييض” الوضع الصعب والمركب للطائفة؛ وضع اغتراب وعزلة إزاء المجتمع والدولة التي يعيشون فيها. لقد حان الوقت لأن ينظر المجتمع الإسرائيلي في المرآة ويستوعب بأن هناك مشكلة كبيرة تحتاج إلى العلاج من الجذور. مثلًا، لا فرق بين مفهوم “شرطية زائدة” ونتائجها المدمرة، وبين اتفاق سري يمنع بيع الشقق أو تأجيرها للمهاجرين الإثيوبيين.
كل إنسان عاقل يجب أن يكون واضحًا له أن الأجواء المتوترة السائدة الآن ليست نتيجة مباشرة للموت الزائد لسلومون كيتا، الشاب البالغ من العمر 18 سنة، الذي قتله ضابط في شرطة إسرائيل. موت سلومون هو أحد الأعراض لمرض مزمن، يهدد بجلب الخراب على المجتمع والدولة التي يعيش فيها. دولة ما زلنا نستمر في حبها رغم التحديات والصعوبات المستمرة التي تجلبها علينا، ونسعى إلى أن نكون جزءًا لا يتجزأ منها.
لم نقرر العيش في إسرائيل لأننا أردنا لأنفسنا حياة مادية مفضلة، بل لأن آباءنا ضحوا بأنفسهم في تطلعهم إلى صهيون خلال ألفي سنة، مع الحفاظ على يهوديتهم بتعصب لا حدود له، رغم الصعوبات والتحديات الكثيرة التي واجهوها. من المهم قول ذلك الآن بالذات: إسرائيل بيتنا، بيت كل اليهود والعرب المسيحيين والمسلمين الذين يعيشون في الشرق الإسرائيلي. نحترمهم جميعًا، وهم شركاء في بناء أمة إسرائيل، ليس أقل من أي مجموعة أخرى. في المقابل، نطالب لأنفسنا بمساواة كاملة في الحقوق كما هو متبع في الديمقراطيات السليمة. هذا هو الدرس المهم في الديمقراطية، التي تنجح طائفة المهاجرين من إثيوبيا في نقلها إلى المجتمع الإسرائيلي كله.
القدس العربي