في الأول من تموز/يوليو، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمره التنفيذي الأول بشأن إصلاح “قوات الحشد الشعبي” التي تشكل مزيجاً من الميليشيات المدعومة من إيران والمتطوعين الجدد الذين تم تدريبهم ليكونوا جيشاً احتياطياً لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل خمس سنوات.
في أواخر حزيران/يونيو عدتُ من زيارتي البحثية الثالثة إلى العراق هذا العام، حيث أتيحت لي فرصة للتحدث بإسهاب مع رئيس الوزراء عبد المهدي وغيره من الزعماء العراقيين حول خطة الإصلاح المرتقبة لـ «قوات الحشد الشعبي». ويدرك القادة العراقيون أن «قوات الحشد الشعبي» تواجه خطر الإضرار بسمعتها داخل العراق ما لم يتم السيطرة عليها، سواء من حيث قمع أنشطتها الاقتصادية الشبيهة بأعمال المافيا، أم وقف هجماتها غير المصرح بها على القوات الأمريكية في العراق والدول المجاورة.
وفي الأمر التنفيذي المكوّن من 560 كلمة الذي أصدره عبد المهدي، أوجز رئيس الوزراء خطةً أوسع نطاقاً وأكثر تفصيلاً يجري إعدادها منذ عام تقريباً، وتنطوي على إمكانية تقليص خطر الميليشيات أو تعزيز قوتها بشكل خطير، وذلك رهنٌ بكيفية تنفيذ هذه الخطة.
ويحظر الأمر الصادر في 1 تموز/يوليو والتصريح السابق الذي أدلى به رئيس الوزراء في 18 حزيران/يونيو مجموعة من الأعمال التي تقوم بها وحدات المتطوعين المسلحة. إذ لا يجوز لوحدات «الحشد الشعبي» أن تحتفظ بقواعد ما لم تكن مرخصة بها صراحةً من قِبل الدولة، ولا يجوز لها إقامة مكاتب اقتصادية أو مشاريع لكسب المال. كما يجب عليها عدم نقل القوات أو تخزين الأسلحة أو تصنيعها “دون معرفة رئيس الوزراء وخارج إدارته وسيطرته”. يجب “اعتبار” أي فصيل مسلح يعمل خارج هذه التعليمات “كخارج عن القانون ويلاحق بموجبه”.
ويُتوقع أيضاً من «قوات الحشد الشعبي» أن تنتقل تدريجياً من قواعدها الصغيرة المتعددة إلى معسكرات أكبر وفقاً لما تسمح به الظروف الأمنية، على الرغم من عدم ذكر هذا الأمر بعد علناً. وهذا يعني أن وحدات «الحشد الشعبي» ذات الأغلبية الشيعية من جنوب العراق ستنسحب تدريجياً في غضون العام أو العامين المقبلين من مناطق كالحدود السورية و”البؤر” التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» مثل نينوى وصلاح الدين وكركوك والأنبار.
وفي الخطة النظرية التي يتصوّرها الزعماء العراقيون، سيتم سحب وحدات «الحشد الشعبي» إلى أربع مناطق إقليمية، هي: دائرة المناطق الريفية خارج بغداد، ومحافظة ديالى شمالي شرق بغداد، ومدينة سامراء الغنية بمقاماتها الدينية شمال بغداد، والجانب الصحراوي الممتد من مدينة كربلاء المليئة بالمزارات وصولاً إلى الحدود السعودية.
ومبدئياً، سيتم سحب «قوات الحشد الشعبي» من المناطق السنية فقط لكي تشكل حزاماً دفاعياً بين المناطق العراقية ذات الغالبية السنية والمناطق الشيعية. ويتم هذا الأسبوع إجراء حالة اختبارية لتقليل وجود «قوات الحشد الشعبي» في المناطق المسيحية قرب الموصل، في دلالة واضحة على مراعاة الحساسيات الأمريكية تجاه الأقليات المتواجدة قرب تلك المدينة.
ولكن من الصعب إعادة نشر هذه القوات بصورة شاملة، وقد يستغرق الأمر سنوات طويلة لتنفيذها. وسوف تستوجب إرسال الجيش العراقي شمالاً لملء الفراغ الذي ستخلّفه «قوات الحشد الشعبي»، مما يترك عدد أقل من [القوات] غير التابعة لوحدات «الحشد الشعبي» حول المركز الحكومي في العاصمة. بيد أن تاريخ العراق حافل بالانقلابات العسكرية، ولا يزال هناك انعدام ثقة سياسي طويل الأمد في أوساط القيادة السياسية القديمة تجاه القوات المسلحة. ومع ذلك، فإن إخراج الجيش من بغداد قد يؤدي ببساطة إلى جعل الحكومة أكثر عرضة لضغوط «الحشد الشعبي»، بما يعنيه ذلك من مبادلة تهديد بآخر.
وهناك أيضاً خطر بأن يصبّ مشروع توحيد «قوات الحشد الشعبي» في مصلحة القيادة المركزية التي يرأسها قائد عمليات «الحشد» أبو مهدي المهندس المصنف على قائمة الإرهاب الأمريكية. وحالياً، إن «الحشد الشعبي» مجزّأ إلى 60 وحدة، أو نحو ذلك، مما يحدّ من نطاق سلطة أبو مهدي. ولكن مشروع توحيد هذه الوحدات، والذي يشمل التخلي عن أسماء الميليشيات الفردية، سوف يؤدي إلى مركزية السلطة التي يمارسها حالياً أبو مهدي المهندس.
وفي المقابل، من غير المحتمل تطبيق العدالة بشكل مستقل على المقاتلين المرتبطين بوحدات «الحشد الشعبي» الذين ينتهكون القواعد الجديدة. فأبو مهدي المهندس وشخصٌ آخر مدعوم من طهران هو أبو زينب اللامي يديران جناح الشؤون الداخلية لـ «قوات الحشد الشعبي» المكلف باتخاذ اجراءات صارمة ضد المخالفين. ونتيجة لذلك، من المحتمل أنّ يؤدي فرض نظام انضباط داخلي إلى إفادة القادة الذين تدعمهم إيران أكثر من أي فصيلٍ آخر.
يتعين على الولايات المتحدة أن توازن الآن ما بين التحلي بالصبر ومواصلة الضغط في تعاملها مع الحكومة العراقية بشأن هذه القضايا. يجب الثناء على القيادة العراقية بصورة غير علنية لبدئها هذه العملية ووضعها مثل هذه الخطة الطموحة، لكن الإثبات يبقى في تنفيذ هذه الخطة.
ولتقليل مخاطر العواقب السلبية وغير المقصودة التي قد تنجم عن جهود إصلاح «الحشد الشعبي»، يجب على الحكومة العراقية – بتشجيعٍ شركائها الأمنيين الدوليين ودعمهم – أن تبدأ تدريجياً في نقل قيادة «الحشد» ذات المستوى المتوسط إلى أيدي مجموعة أكبر من الفصائل، بما في ذلك شخصيات غير سياسية وقادة ترشّحهم المؤسسات الدينية الكبرى. وبمرور الوقت، يصبح بالإمكان عزل رموز أمثال أبو مهدي المهندس وأبو زينب اللامي – الذين يكثر خصومهم – وإخراجهم شيئاً فشيئاً من الصورة.
وقد تكون العقوبات – المرتقبة هذا الصيف – على بعض الميليشيات العراقية المدعومة من إيران أقل إثارةً للجدل من ذي قبل، لأن التنظيمات المماثلة لـ «كتائب الإمام علي» (التي يرأسها شبل الزيدي المدرج من قبل الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب) لن تجد بعد الآن أي وحدات في «الحشد الشعبي» تحمل اسمها.
وفي هذا السياق، تستطيع الحكومة العراقية أن تأخذ بادرة مبكرة لإثبات جديتها، وهي إعادة إدخال قوات الأمن الحكومية إلى القواعد التي كانت تحتكرها سابقاً الوحدات الأكبر لـ «الحشد الشعبي» المدعومة من إيران. على سبيل المثال، انطلقت الطائرات الإيرانية بدون طيار التي استهدفت خطوط الأنابيب السعودية من “جرف الصخر”، وهي منطقة عسكرية واقعة خارج بغداد مباشرة، ويمنع تنظيم أبو مهدي المهندس المعروف بـ «كتائب حزب الله» – والمصنف على قائمة الإرهاب الأمريكية – الحكومة العراقية من دخولها بأي شكل. فإذا كان العراق جاداً بشأن إصلاح «الحشد الشعبي»، فيجب على هذه القاعدة وغيرها من القواعد التي تديرها «منظمة بدر»، و «كتائب الإمام علي»، و «عصائب أهل الحق» أن تفتح أبوابها أمام التفتيش الفوري لإظهار أنها خاضعة لسيطرة الدولة.
معهد واشنطن