لم يسبق لتنظيم داعش وأن تجرأ على مهاجمة إسرائيل، ولكن بعد الهجمات الأخيرة لهذا التنظيم ضد الجيش المصري في شمال سيناء، أصبحت إسرائيل ملزمة بالخروج عن حيادها.
إلى حد الآن لم يحاول مقاتلو تنظيم داعش مواجهة إسرائيل، لا بصفة مباشرة في الجولان، أو بصفة غير مباشرة عند الحدود الأردنية. فهم يدركون أن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون فورية ومدمرة، فتنظيم داعش يدرك كيف يقيس المخاطر.
وإلى حد الآن لم يتم إدراج إسرائيل ضمن دائرة اهتمام تنظيم داعش الذي يريد أن يبدأ أولًا بأسلمة أراضي المسلمين، ويفضل أن يبدأ ذلك مع الدول الضعيفة. كما أن هذا التنظيم لم يدعم القضية الفلسطينية ولم يدع لمحاربة الدولة العبرية، معتبرًا أنه “في القرآن، لم يأمرنا الله بمحاربة إسرائيل أو اليهود إلا بعد قتل المرتدين والمنافقين“.
والمفارقة عند تنظيم داعش تظهر من خلال موقفه المتناقض عندما يعلن الحرب الشاملة ضد “اليهود والمسيحيين”، في حين يتم اتهامه بتفتيت العالم العربي لمصلحة إسرائيل. كما تتهم الدول العربية تنظيم داعش بالجبن؛ لأنه لا يجرؤ على مواجهة الإسرائيليين الذين باتوا على مرمى حجر من المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم. وهذا دليل على أنه بالرغم من التعصب الذي يميز هؤلاء الجهاديين إلا أنهم لا يتغافلون عن الحدود التي لا يجب تجاوزها، فإذا ما فكروا في إطلاق بعض القذائف على المواقع الإسرائيلية، فإن ذلك سيكون بداية نهايتهم في المنطقة.
المواجهة مع مصر
لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية سرعان ما تغيرت؛ لأنهم قرروا مهاجمة مصر التي تمتلك نظامًا قويًا وجيشًا مجهزًا تجهيزًا جيدًا، حتى إن تنظيم داعش أصبح يخاطر بالاقتراب من حدود إسرائيل المراقبة بإحكام من قبل الجيش الإسرائيلي.
ولكن ما هي الدوافع التي جعلت تنظيم داعش ينفذ هجومه الأخير شمال سيناء؟
هناك انطباع بأن التنظيم بصدد تطبيق توجيهات أبي بكر البغدادي الذي أعلن العام الماضي إنشاء خلافة الدولة الإسلامية، كما طلب من أنصاره القيام بموجة من الهجمات التي تبقى محفورة في الأذهان خلال شهر رمضان.
وبعد تزامن الهجمات التي تبناها تنظيم داعش يمكن إنهاء أسطورة الإرهاب المعزول الذي يعمل طوعًا؛ ففي نفس اليوم، 26 يونيو، قام انتحاري بقتل 25 مصليًا وجرح 200 شخص في مسجد شيعي في الكويت. وفي مدينة سوسة، في تونس، قتل 39 سائحًا أجنبيًا في فندق سياحي. أخيرًا، في 3 تموز، في مصر، انفجرت قنبلة في قطار يربط بين القاهرة والإسكندرية. وقد أكد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش، هذه الاستراتيجية بالقول إنه يريد أن يكون “رمضان شهر الكوارث للكفار“.
ومن خلال مهاجمة الجيش المصري مباشرة في شمال سيناء، في مدينة الشيخ زويد، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، والقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق، فإن تنظيم داعش يخاطر بدفع إسرائيل للخروج عن حيادها. فخلال هذه العملية العسكرية التي تم التخطيط لها بإحكام مع استعمال معدات عسكرية متمثلة في قاذفات صواريخ ورشاشات ثقيلة وعشرات السيرات رباعية الدفع، كان رد الجيش المصري باستعمال طائرات الأباتشي والطائرات المقاتلة F-16. وكانت الخسائر في هذه المواجهة فادحة لدى الطرفين بعد مقتل المئات مع تسجيل عديد الجرحى.
إعادة تعبئة القوات
دفعت الانتكاسات التي عرفها تنظيم داعش على الأراضي السورية إلى التماس النصر في أماكن جديدة. فقد تمكن المقاتلون الأكراد من طرد مقاتلي تنظيم داعش من بلدة تل أبيض السورية على الحدود مع تركيا، بعد أن احتلوها لأكثر من عام. وعلاوة على ذلك، فقد خسر تنظيم داعش 26٪ من الأراضي الخاضعة لسيطرته في العراق وسوريا بعد تدخل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ولذلك؛ يسعى تنظيم داعش لتسجيل انتصار جديد حتى يتمكن من حشد قواته، وذلك من خلال دفع الولايات المتحدة إلى التدخل في صورة ما إذا تمت مهاجمة القوة المتعددة الجنسيات العاملة في سيناء والتي تتألف في الغالب من جنود أمريكيين. ومن خلال فتح جبهة جديدة، يأمل تنظيم داعش أيضًا في تخفيف الضغط على قواته في سوريا والعراق التي تتعرض للضربات الجوية لقوات التحالف.
إسرائيل، منقذة الدول العربية
لا يعتبر تنظيم داعش مجرد مجموعة من الإرهابيين هدفهم زرع الخوف ونشر الرعب في المنطقة، وإنما يهدف هذا التنظيم إلى إعادة تثبيت رؤيته للإسلام في جميع أنحاء العالم. وقد أدرك هذا التنظيم أن عليه استغلال الشباب المسلم من الدول العربية والأوروبية ليكون تأثيره أكثر عمق، هؤلاء الشباب الذين أصبحوا يزرعون الخوف في جميع الدول الإسلامية التي لم تعد تتصور خلاصها إلا من خلال إسرائيل، البلد الوحيد الذي يملك جيشًا قادرًا على القتال وتدمير تنظيم داعش.
وفهمت الأردن والمملكة العربية السعودية، وحتى مصر، أهداف هذا التنظيم الذي يريد تدميرهم. كما كانت المصالحة بين إسرائيل مع هذه الدول الثلاث هي من دفع بتنظيم داعش لإعادة النظر في إمكانية مواجهة إسرائيل، بشكل غير مباشر، عبر الجيش المصري.
ولم يقع الإسرائيليون في فخ التدخل في سيناء. ومع ذلك، فهم يوفرون جميع معلومات الأقمار الصناعية التي بحوزتهم، كما سمحوا لمصر بإدخال المزيد من القوات في شبه جزيرة سيناء مع المعدات الثقيلة، والتي سبق تحديدها في اتفاق سنة 1979. ويحاول الجيش المصري دحر تنظيم داعش وإخراجه من سيناء بعد عزل قطاع غزة عن سيناء.
ويجب على مصر أن ترد الفعل بعد الدراما التي عانى منها الجيش المصري في حربه ضد الإرهاب، فقد تبين أن هذا الهجوم الأخير لتنظيم داعش مخطط له بشكل جيد. ولتجنب تسلل الكوماندوس داخل إسرائيل، قرر الجيش الإسرائيلي زيادة إمكاناته على طول الحدود كرسالة لتنظيم داعش.
ودفعت مصر ثمنًا باهظًا في حربها ضد هذا التنظيم ما جعل قدرات الجيش المصري موضع شك، وهو ما دفعها لطلب معلومات استخباراتية من إسرائيل توفرها الطائرات بدون طيار التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي.
ومن المرجح أن هذا العدوان الخطير لن يقوض عزم الرئيس المصري السيسي، الذي سيكون عليه تكثيف الجهود في حربه ضد إرهابيي سيناء. ويبدو بالفعل أنه قام باتخاذ خطوات منذ 1 يوليو، فقد قتلت الشرطة المصرية تسعة كوادر من جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم القيادي ناصر الحافي، النائب السابق في مجلس الشعب المنحل في عام 2012، بعد أن تم اتهامهم بالمشاركة في التخطيط لعمليات تخريبية.
ولتبرير هذا الفعل أعلنت وزارة الداخلية أن “قوات الأمن وجدت في الشقة بنادق آلية وذخيرة، بالإضافة إلى عدد من الوثائق التي كانت بعنوان “المعركة الحاسمة”، والتي تضمنت خطة بعنوان “يوم الحسم” يتضمن توصيات لكوادر جماعة الإخوان المسلمين، مع دعوتهم إلى التحلي بالصبر والعزم مع مواصلة الجهاد“.
وتراقب إسرائيل الأحداث عن كثب، مع تجنبها لأي استفزاز من قبل الجماعات المسلحة في سيناء، ما دام عمل هذه الجماعات خارج حدودها. كما أرسل الجيش الإسرائيلي تعزيزات من القوات على الحدود المصرية في استعراض للقوة موجه لتنظيم داعش. ولأسباب أمنية، تم غلق الطريق 12، الذي يمتد على طول الحدود المصرية، مؤقتًا أمام المدنيين. ويدرك تنظيم داعش أنه لا يمكن اللعب بالنار من خلال مواجهته لإسرائيل.
صحيفة سليت الفرنسية – التقرير