الشيطان لا يكمن في التفاصيل؛ إنه يتواجد في التصور الكامل للاتفاق مع إيران، ويتجسد في اعتقاد الرئيس أوباما الخيالي بأنه، وبشكل فريد، قادر على تحقيق انفراجة مع نظام إسلامي متعصب هدفه المبدئي هو تطهير منطقة الشرق الأوسط من فساد النفوذ الأمريكي.
وسعيًا لتحقيق رغبته في جعل الجمهورية الإسلامية “قوة إقليمية ناجحة” ومقبولة، قرر أوباما اللجوء للمفاوضات النووية. وفي ذلك الوقت، كانت طهران تترنح في ظل نظام العقوبات الدولية الذي شيد بشق الأنفس على مدى عشر سنوات؛ كان الريال يغرق، والتضخم قد بلغ عنان السماء، والاقتصاد يتقلص.
ومن ثم، وبدلًا من الترحيب بمحاولة الكونغرس تشديد العقوبات لزيادة الضغط على الملالي، بدأ أوباما المفاوضات من خلال تخفيف العقوبات، وحقن المليارات في الاقتصاد الإيراني، الذي بدأ في النمو من جديد في عام 2014، وشبه الاعتراف مقدمًا بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.
ولقد بدأ الانحدار إلى الجحيم منذ ذلك الحين. وخلال سعيه اليائس للتوصل لاتفاق يعطيه إرثًا سياسيًا، تخلى أوباما عن كل خط أحمر أعلنته إدارته كشرط أساسي لأي اتفاق مقبول.
عمليات التفتيش
بعد أن كان من المفترض أن تتم عمليات التفتيش في أي مكان، وفي أي وقت، دون عوائق، أصبح “الوصول غير المقيد” الآن “وصولًا خاضعًا للإدارة”، وسوف يتوجب على المفتشين النوويين التفاوض والحصول على موافقة إيرانية قبل تنفيذ عمليات التفتيش، وهو ما سيسمح لطهران بحرمانهم من القيام بمهامهم، أو تأخيرهم لإخفاء أي أنشطة سرية.
ولجعل درجة استسلامنا أكثر وضوحًا، لعبت الإدارة الأمريكية دور المحامي الخاص بإيران، قائلةً إن “الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لأي شخص بالوصول إلى كل من مواقعها العسكرية؛ ولهذا فإن الشرط غير مناسب“. وبصرف النظر عن عبثية المساواة أخلاقيًا بين أمريكا وأبرز دولة راعية للإرهاب في العالم، إذا كنا نريد أن نكون الببغاء الذي يردد الموقف الإيراني، فلماذا الانتظار 19 شهرًا للقيام بذلك؟ ولماذا الإصرار مرارًا وتكرارًا من قبل على شرط حرية وصول المفتشين إلى كل المواقع؟
التخلص تمامًا من النشاط النووي السابق
لقد تطلب الاتفاق المؤقت الحالي، الذي حكم الأشهر الـ 19 الماضية من المفاوضات، أن تقوم إيران بالتخلص تمامًا من نشاطها النووي السابق. ولكن طهران لم تظهر فعل أيّ شيء من هذا. وكانت الإدارة قد أصرت على أن هذه المحاسبة ضرورية، حيث إنه كيف يمكنك التحقق من التقدم غير القانوني في البرنامج النووي الإيراني مستقبلًا إذا كنت لا تمتلك هذا الشرط في الأساس؟
وبعد المطالبة باستمرار بالوصول إلى علمائها، وخططها، ومرافقها العسكرية، رفض وزير الخارجية، جون كيري، قبل أسبوعين، بعبث الحاجة لفعل ذلك، قائلًا إنه يركز على المستقبل، وليس على الماضي، وإن لدينا “معرفة مطلقة” بالبرنامج النووي الإيراني على أي حال.
وقد قيل لنا إنه ليس هناك داع للقلق، وإن المحاسبة سوف تتم بعد التوقيع على اتفاق نهائي. ولكن هذا الأمر مثير للسخرية؛ حيث إنه، وإذا كان الإيرانيون لم يتزحزحوا عن موقفهم بشأن الكشف عن الأعمال السابقة في ظل نظام الجزاءات الحالي، فمن خلال أي منطق سوف يوافقون على ذلك بعد رفع العقوبات؟
رفع العقوبات
كان من المفترض أن يتم رفع العقوبات تدريجيًا، وعلى مراحل، بينما تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية امتثال إيران على مر الزمن. وأما الآن، فنحن على الطريق للإفراج عما يصل إلى 150 مليار دولار أمريكي كمنحة بمناسبة التوقيع على الاتفاق. ويشكل هذا الرقم 25 ضعف ميزانية الحرس الثوري الإيراني السنوية، ويكفي لتغذية جيل من تكثيف العدوان الإيراني في كل من اليمن، ولبنان، والبحرين.
وقبل ثلاثة أشهر فقط، أعرب أوباما عن عدم مبالاته حول تخفيف العقوبات بشكل فوري. وقال إنها ليست قضية، وإن القضية الحقيقية هي إعادة فرض العقوبات إذا ما تبين أن إيران تقوم بانتهاك الاتفاق.
ولكن، لن يكون من الممكن معرفة ما إذا انتهكت إيران الاتفاق؛ حيث إن نظام التفتيش مثير للضحك، والإجراءات البيروقراطية لا نهاية لها. وعلاوةً على ذلك، لا أحد يتصور أن روسيا والصين سوف تقبلان بإعادة فرض العقوبات، أو أن الشركات الأوروبية، التي تستعد للانضمام إلى السوق الإيراني في نفس اليوم الذي سوف توقع فيه الصفقة، ستقبل ببساطة التخلي عن هذا السوق والعودة إلى الوطن.
العقوبات غير ذات الصلة بالبرنامج النووي
أصرت الإدارة الأمريكية على أن المحادثات النووية لن تؤثر على العقوبات المفروضة بشكل منفصل كرد على العدوان والإرهاب الإيراني. ولكن الإدارة تسرب الآن المعلومات التي تشير إلى أنه سيتم رفع كل العقوبات.
وعند جمع كل ما سبق معًا، يبدو فهرس التنازلات مدهشًا، ويشمل مواقع التفتيش، والكشف عن النشاط النووي السابق، وتخفيف العقوبات تدريجيًا، والإبقاء على العقوبات غير النووية.
إذًا، ماذا تبقى؟
ما تبقى هو وثيقة استسلام من النوع الذي تقدمه الدول المهزومة من أجل الحصول على السلام. إن أقوى قوة عسكرية واقتصادية على وجه الأرض، وبدعم من القوى الكبرى الخمس الأخرى، والمسلحة بما كان نظام عقوبات طاحنة، على وشك التوقيع على أسوأ اتفاق دولي في التاريخ الدبلوماسي الأمريكي.
كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟
مع كل تنازل، أوضح أوباما وكيري أنهما كانا مستعدين لتقديم أي شيء للتوصل إلى اتفاق. وبالفعل، سوف يحصلان على اتفاق، وسوف يحصل أوباما على “تركة”، وسوف يحصل كيري على نوبل، وسوف تحصل إيران على القنبلة!
شارلز كراوثامر – تيلغراف (التقرير)