رغم أن ملف إعادة النازحين إلى مناطقهم كان أبرز بنود البرنامج الحكومي الذي عرضه رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، قبل نحو 11 شهرا، إلا أنه ما يزال هناك قرابة مليون ونصف المليون نازح لم يعودوا إلى ديارهم، بل إن عددا منهم لا يُسمح لهم بذلك مطلقا؛ لأسباب متعددة سياسية واقتصادية وأمنية.
وفرّ حوالي 5.8 ملايين عراقي (من أصل 38 مليون) إلى خارج مناطقهم أو خارج البلاد؛ عندما اجتاح تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” ثلث مساحة العراق صيف 2014، ثم تحولت مناطقهم إلى ساحة حرب لمدة ثلاث سنوات بين مسلحي التنظيم والقوات العراقية.
ويقول رئيس لجنة المهجرين بمجلس النواب، رعد الدهلكي، إن “السبب الرئيسي لعدم عودة النازحين هو خلاف وطموح سياسيين لدى جهات سياسية للسيطرة على المناطق المحررة، إضافة إلى أجندات خارجية تمنع عودة بعض النازحين إلى مناطقهم”.
ويؤكد سياسيون سُنة في العراق، أن أطرافا شيعية تعرقل عودة النازحين السُنة إلى مناطقهم، ضمن جهود لتغيير التركيبة الديموغرافية في تلك المناطق.
ويضيف الدهلكي: “أما المعرقلات الأخرى فتأتي بنسب بسيطة، وهي ما يتعلق بالمعرقلات الخدمية والخلافات العشائرية”.
ومن أبرز المناطق التي لم يتمكن أبناؤها من العودة إليها، بحسب الدهلكي: “منطقة جرف الصخر في محافظة بابل (60 كم جنوب غرب بغداد) بنسبة مئة في المئة، وبعض مناطق محافظة ديالى (شرق)، وخصوصا في المقدادية، وأيضا بعض مناطق محافظة صلاح الدين (شمال)، وبعض المناطق المحررة في نينوى (شمال)”.
ويوضح أن “عدد العوائل التي ما تزال في المخيمات يقدر بـ900 ألف نسمة، ومع العوائل التي تسكن خارج المخيمات، يقترب العدد من مليون ونصف المليون نسمة”.
اعتراض سياسي
وتحدث رئيس الوزراء العراقي عن وجود ضغوط سياسية تتعلق بملف عودة النازحين إلى بعض المناطق المحررة من تنظيم الدولة “داعش”.
رئيس الوزراء العراقي يتحدث عن وجود ضغوط سياسية تتعلق بملف عودة النازحين إلى بعض المناطق المحررة من تنظيم الدولة
وقال عبد المهدي، في لقاء مع وسائل إعلام في أغسطس/ آب الماضي: “لا يوجد اعتراض من أي طرف على عودة جميع النازحين إلى مناطقهم.. لكن سياسيا هناك من يعترض”.
وتابع أن كثيرا من النازحين عادوا إلى مناطقهم، رغم أن الحكومة ورثت كثيرا من الأحمال، التي لا يمكن إنجازها في سنوات”.
تعويضات متأخرة
فيما يحمّل فاضل الغراوي، رئيس مفوضية حقوق الإنسان (مرتبطة بالبرلمان)، الحكومة والجهات المعنية أسباب “التلكؤ في إعادة النازحين”.
ويذكر الراوي: “رصدنا خلال زياراتنا الأسباب التي تعيق عودة النازحين، وهي تتمحور في قضايا تتعلق بجوانب قانونية ومالية، وأيضا متطلبات العودة الطوعية من خدمات أساسية، وعدم قيام الحكومة ومؤسساتها بإعادة إعمار هذه المناطق بشكل كامل”.
ويردف: “في ذات الوقت توجد إشكالية السلم المجتمعي والتعايش السلمي في هذه المناطق، وعدم وجود موارد اقتصادية، والتأخير الواضح لأكثر من ثلاث سنوات في ملف التعويضات المقدمة لبعض النازحين لترميم أملاكهم من الأضرار التي أصابتها جراء الحرب مع داعش”.
وبعد حرب طاحنة، أعلنت بغداد، في ديسمبر/ كانون أول 2017، الانتصار على “داعش”، واستعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم صيف 2014.
عودة طوعية
عقدت اللجنة العليا للإغاثة وإيواء النازحين، اجتماعا في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، برئاسة وزير الهجرة والمهجرين نوفل بهاء موسى، وبحضور ممثلي الوزارات المعنية وعضوين من لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين.
وقال وزير الهجرة والمهجرين، خلال الاجتماع، إن “الوزارة واللجنة العليا بذلتا جهودا حثيثة في عودة العوائل النازحة طواعية إلى مناطق سكناها الأصلية، فضلا عن التعرف على الأسباب الرئيسية لعزوف باقي العوائل النازحة عن العودة، والعمل على إعداد خطة لمعالجة الأسباب التي تحول دون عودتهم”.
وشدد على أن الوزارة مستمرة بتقديم المساعدات والاحتياجات الضرورية للنازحين لحين عودتهم إلى ديارهم.
وأضاف أن اللجنة قررت “تأمين تذاكر السفر مجانا للعراقيين الراغبين بالعودة برا من تركيا، إضافة إلى تخصيص مبلغ مئة مليون دينار (حوالي 84 ألف دولار)، لمتابعة العراقيين النازحين في الخارج”.
وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، عودة ألف و449 لاجئا عراقيا إلى بلدهم من تركيا، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتقول أنقرة إن أكثر من 200 ألف لاجئ عراقي يتواجدون في تركيا، وهم مشمولون بالمساعدات المختلفة.
إعادة الإعمار
ويقطن معظم النازحين في مخيمات منتشرة في أرجاء العراق، قسم كبير منها في جنوب مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى.
ووفق رئيس مجلس محافظة نينوى، سيدو جتو، في تصريح صحافي يوم 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، فإنه “لا يزال في نينوى أكثر من 750 ألف نازح بحاجة للخدمات، كما أن الكثير من مناطق المدينة مدمر، ويحتاج إلى البناء والإعمار”.
ولا يزال الكثير من النازحين غير قادرين على العودة إلى مناطقهم؛ بسبب تدمير منازلهم خلال الحرب، بجانب عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات، وغياب الاستقرار الأمني، لا سيما في ظل انتشار خلايا لـ”داعش” تشن هجمات من آن إلى آخر.
وتقول الحكومة العراقية إنها بحاجة لنحو 88 مليار دولار على المدى القصير لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
القدس العربي