الساحل السوري … إحدى تحديات سوريا الجديدة

الساحل السوري … إحدى تحديات سوريا الجديدة

معمر فيصل خولي

هي الأولى من نوعها والتي ترامنت مع الشهر الثالث على سقوطه، شنت فلول بشار الأسد هجمات منظمة ومتزامنة ليلة الخميس/ الجمعة في محافظتي الساحل السوري في اللاذقية” جبلة والقرداحة” ومحافظة طرطوس “بانياس”، هذه القرى التي يقطنها مواطنين سوريين من الطائفة العلوية هي التي زودت النظام السوري الإبن والأب الأسد طيلة عقود حكمهما عناصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت تضطلع بمهمة القمع والقتل للسوريين. أدت هجمات الساحل إلى وقوع خسائر بشرية قدرت بأكثر من مئة شخص قتيل في صفوف منتسبي الأمن العام معظمهم من المتطوّعين الشباب الجدد.

جاءت هذه الهجمات بعد أحداث بعد أحداث جرمانا القريبة من دمشق والتي يقطنها غالبية من الدروز والمسيحيين والسنة والعلويون، تبعتها تصريحات من بنيامين نتنياهو يتعهد فيها بحماية الدروز فيها. وإلقاء القبض على اللواء إبراهيم حويجة، مدير المخابرات الجوية السابق.

وأعلن عن تلك الهجمات بيان نشره ما يسمّى “المجلس العسكري لتحرير سوريا” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ممهور بتوقيع غياث سليمان دلا، هو قائد سابق للواء قوات خاصة التابع للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد.

أما عن هدف الاستراتيجي لتلك الهجمات فهي محاولة من قبل المهاجمين السيطرة على محافظنين الساحل السوري” اللاذقية وطرطوس”، وجعل هذه السيطرة أمرًا واقعًا بما يخدم المشاريع الإقليمية أو الدولية المستقبلية في تقسيم سوريا على أساس قومي وديني،  أما عن الهدف التكتيكي في حال فشل تلك الهجمات فيتمثل في إرباك مسار التحول السياسي في النظام السياسي الناشيء في الدولة السورية. لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هل هناك دعم إقليمي لهذه الهجمات؟

مما لاشك أن سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024م، شكّل صدمة إستراتيجية لكل من إسرائيل وإيران على حد سواء، فإسرائيل كانت ترى من حيث المنظور الاستراتيجي الأمني في حكم الأسدين” بشار وحافظ” كنز أمني يصعب تعويضه، حيث كانت الحدود السورية الإسرائيلية من أهدأ الحدود الإسرائيلية مع دول الطوق، فبشار الأسد وعلى الرغم من انتهاك اسرائيل المستمر لسيادة سوريا إلا أنه كان أمين جدا حتى في آخر أيام حكمه لشعاره الذي رفعه ضد اعتداءاتها ” الرد في المكان والوقت المناسب”. فترسانته العسكرية لم تخف إسرائيل ذات يوم لأنها تعلم بأنها موجهة ضد شعبه، لكن بعد سقوطه خشيت إسرائيل أن تقع تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ من وجهة نظرها فعملت على تدميرها لغاية يومنا هذا.

فإسرائيل اليوم تخشى على أمنها بعد سقوط الأسد لذلك فهي بحاجة إلى اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط والبداية تكون من سوريا من خلال تقسيمها إلى دويلات على أساس قومي وديني ومذهبي وهذا التوجه واضح جدا من تصريحات مسؤوليها وفي مقدمتهم نينياهو.

أما إيران، فبسقوط الأسد خسرت ثقلها الاستراتيجي في المشرق العربي، ويبدو أنها قطعت تذكرة خروج من سوريا بغير عودة إليها، لكنها لا ترغب في رؤية فاعل إقليمي جديد يحل محلها في سوريا وهنا اتكلم عن تركيا، وهي بهذه الرغبة تتشارك مع إسرائيل فيها.

حتى لو أن هجمات ليلة الخميس/الجمعة لم تحظ بالدعم الإيراني أو الإسرائيلي المباشر وأنه تنفيذ سوري داخلي بتعليمات سورية خارجية، ومع ذلك فإن ما حدث في تلك الليلة يصب في مصلحتيهما الإستراتيجية فإسرائيل وإيران لا ترغبان برؤية دولة سورية موحدة ويدعمان بقوة حالة عدم الاستقرار السوري، وهذه الحالة ستنسحب على دول الجوار السوري تركيا والعراق والأردن.

خلاصة القول وكما أشرنا في مقالات سابقة أن التحدي الأمني هو أعظم تحدي تواجهه أي دولة في مرحلتها الانتقالية لذلك على القيادة السورية وعلى الرغم من كبح جماح تلك الهجمات عليها  أن تكون حذرة ويقظة في التعامل مع مواطنيها من الأكراد والدروز والعلويون وأن تعالج القضايا الداخلية المصيرية معالجة وطنية وخاصة القضايا التي تتعلق بالتنوع القومي والديني والمذهبي إذ إنها  ستشكل إحدى التحديات الرئيسة للنظام السياسي الناشىء في الدولة السورية.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية