السعودية وإيران والعراق وفنزويلا وليبيا ونيجيريا، كلها دول نفطية، وكلها أعضاء في دول أوبك، وكلها عانت انخفاض إنتاج النفط بسبب الهجمات على المنشآت النفطية. وخارج منظمة أوبك نجد بلاداً عانت أيضا مثل كولومبيا وجنوب السودان واليمن وسوريا.
علاقة النفط بالسياسة علاقة أبدية، وتتخذ عدة أوجه، كما ذكر في مقال سابق، ومن هذه الأوجه الهجمات على المنشآت النفطية، وهي منشآت مدنية، ذات بعد استراتيجي.
وسبب العودة إلى الكتابة عن النفط والسياسة اليوم هو ما يحدث في العراق. والحديث عن العراق والنفط والسياسة ذو شجون: تاريخ طويل مليء بالأحداث الجسام، نتج عنها خسائر هائلة في الأرواح والأموال.
وقبل الخوض في موضوع العراق والنفط، لابد من ذكر الحقيقة التالية: إذا كانت كل فئات المجتمع المتناحرة من مستوى فكري واحد، فإن نتائج سيطرة فئة ما أو ضدها سيعطي النتائج نفسها. فإذا كان الفساد مستشريا في كل الفئات، فإن سيطرة فئة ما، أو غيرها، سيُبقي الفساد كما هو، وإن كانت كل فئة ستصبغه بلونها. وإذا كان القبض على مواطن يعني ضربه وإهانته وهو في الطريق إلى السجن، فإن سيطرة أي من الفئات الأخرى لن يغير الأمر: أي فئة أخرى ستقوم بضرب وإهانة المواطن وهو في طريقه إلى السجن. هذه الفكرة مهمة عند الحديث عن العراق، لأن التغيير من النقيض إلى النقيض لم يغير الوضع كثيرا من وجهة نظر المواطن.
ظنت الحكومة الأميركية أن طرد الجيش العراقي من الكويت، وفرض عقوبات اقتصادية تتضمن منع شراء النفط العراقي، سيؤدي إلى انهيار حكم صدام حسين. إلا أن العقوبات الصارمة، وبرنامج النفط مقابل الغذاء، فشلا في إسقاط النظام. وبعد 10 سنوات، أدركت الحكومة الأميركية أن الميزة النسبية للنظام ليست في إيرادات النفط، ولكن في احتياطيات النفط. سيطرة صدام حسين على احتياطيات النفط مكنته من إنتاجه وبيعه رغم العقوبات الاقتصادية.
وأيقنت الحكومة الأميركية أن سر قوة صدام حسين هو النفط، كما أيقنت أن النفط ضروري لتمويل حكومة مستقبلية موالية للولايات المتحدة، من هذا المنطلق، أصبحت حقول النفط العراقية ووزارة النفط هدفا استراتيجيا للاحتلال. وهذا فعلا ما حصل: تمت السيطرة على حقول النفط وحمايتها، وتمت السيطرة على مبنى وزارة النفط وحمايته، ثم تم تمويل الحكومات العراقية في فترة ما بعد صدام من عائدات هذا النفط.
هذا يعني أن الولايات المتحدة لم تحتل العراق لإرواء عطشها من النفط العراقي. وأكبر دليل على ذلك أن أكثر العقود النفطية ذهبت إلى الشركات الأوروبية والآسيوية، وواردات النفط الأميركية من العراق، حتى قبل النفط الصخري لا تٌذكر.
المشكلة هنا أن الهدف كان استخدام إيرادات النفط لدعم حكومة صديقة للولايات المتحدة، وليس تنمية وتطوير العراق. وهذا ما حصل فعلا! وما نراه من أحداث الآن في العراق هو حصيلة هذا الهدف. ومن غير المعروف إذا ما كان هناك خطة لتقديم العراق لإيران على طبق من ذهب، أو أن سيطرة إيران لم تكن في الحسبان، ولكن من الواضح أن الأميركيين لم ينزعجوا من تزايد سيطرة إيران في العراق.
الأزمة الحالية والنفط
تطرح الأزمة الحالية سؤالين مرتبطين بالنفط، الأول: ما أثر الأحداث الحالية في إنتاج وصادرات النفط العراقي، والثاني: ما الذي يجب أن تفعله الحكومة الحالية، أو أي حكومة مستقبلية، في إيرادات النفط لتفادي مشكلات مماثلة في المستقبل؟
إجابة السؤال الأول تتضمن عدة احتمالات. أي فئة عراقية، وأي قوة خارجية، تنظر إلى النفط العراقي تماما كما نظر إليه الأميركيون: هو سر قوة من يحكم، ومصدر قوة من سيحكم، لهذا فإن السيطرة على النفط تصبح هدفا استراتيجيا للمعارضة. إلا أن تدمير المنشآت النفطية يحقق الهدف الأول ولا يحقق الهدف الثاني. لهذا فإنه ليس من صالح أي فئة عراقية وطنية تدمير المنشآت العراقية، وأي تدمير لها سيكون من قبل قوى خارجية أو من يتبع لها في الداخل، والتي يهمها إبقاء العراق ضعيفا ممزقا. ولكن زيادة تأزم الوضع في العراق قد يؤدي إلى وقف الإنتاج، إما نتيجة تعذر الإنتاج لأسباب أمنية أو لإضراب عمال النفط.
أي تدمير لمنشآت النفط العراقية سيرفع أسعار النفط بشكل كبير. أي وقف مؤقت أو إضراب للعمال سيخفض أو يوقف إنتاج النفط، ولكن سيكون لذلك أثر محدود في الأسعار.
إجابة السؤال الثاني تتطلب محاربة الفساد وتوفير الأمن للجميع، والتركيز على توفير المتطلبات الأساسية لكافة فئات الشعب دون تمييز.
لقد كان أمام العراقيين فرصة لا تقدر بثمن في عام 2003، إلا أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وجماعته من المحافظين الجدد أفسدوا هذه الفرصة.
الفرصة هي بناء البلد من جديد، على أعمدة اقتصادية متعددة ومتينة، ليس بينها النفط، قوامها موارد بشرية مؤهلة، وجامعات عريقة، وتاريخ أعرق، وموارد طبيعية متعددة. إلا أن هدف بوش كان تمويل الحكومة الجديدة من أموال النفط، خوفا من أن يزعج دافع الضرائب الأميركي، دون أن يدرك أنه وقع في الفخ، كما كان النفط سر قوة صدام حسين وغطرسته وجبروته، فإن هذا النفط سيأتي بصدام جديد، وان كان بثوب آخر، جاعلا العراق يدور في حلقة مفرغة.
باختصار، تحول النفط العراقي إلى نقمة تلاحق العراقيين! وكل ما نرجوه من المولى عز وجل هو أن يحول هذه النقمة إلى نعمة!
الجزيرة