كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع يضعون اللمسات الأخيرة على خطة تتضمن الاحتفاظ بنحو 200 جندي أمريكي في شرقي سوريا ومناطق حدودية مع العراق، وأن التنفيذ ينتظر مصادقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقالت الصحيفة، نقلاً عن مصادر مطلعة، إن هدف الخطة مزدوج يتضمن الإبقاء على إمكانية مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة أولى، والحيلولة دون وقوع مناطق النفط في أيدي روسيا والنظام السوري من جهة ثانية.
وكان ترامب قد أوحى باحتمال الموافقة على الخطة حين أشار في تغريدة على «تويتر» إلى أن الولايات المتحدة «عملت على تأمين النفط»، وسوف تخرج في الآن ذاته من «الحروب التي بلا نهاية». وفي حال تطبيق الخطة فإن الرئيس الأمريكي سوف يكون قد تراجع للمرة الثانية عن قرار اتخذه في كانون الأول /ديسمبر من العام الماضي وقضى بسحب فوري لنحو 2000 جندي أمريكي منتشرين في مناطق مختلفة من سوريا، ثم عاد وقبل مقترحات البنتاغون بسحبهم على دفعات. كذلك كان قد قرر قبل أسبوعين سحب ما تبقى منهم في ضوء مكالمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغه الأخير خلالها بأن أنقرة سوف تشرع في عملية «نبع السلام» داخل الأراضي السورية، وها هو اليوم يتراجع مجدداً فيقبل مقترح الإبقاء على 200 منهم.
يلاحظ أولاً أن هدف محاربة «الدولة الإسلامية» بعديد من 200 جندي أمريكي ليس تدبيراً غير منطقي بالمعنى العسكري الصرف فحسب، بل هو غير ممكن ميدانياً وأقرب إلى استغفال للعقول، لأن التنظيم إذا تمكن من استعادة بعض قوته واستنهض خلاياه التي يُقال إنها نائمة فلن تكون القوة الأمريكية الرمزية هذه قادرة على مواجهته. وبذلك سوف تكون الولايات المتحدة مجبرة على العودة إلى «قوات سوريا الديمقراطية» لقتال التنظيم، وهذا الخيار لم يعد متاحاً تماماً كما كان من قبل بعد تخلي واشنطن عن حلفائها هؤلاء، ودفعهم إلى الارتماء في أحضان موسكو والنظام السوري.
كذلك يلاحظ ثانياً أن الهدف الثاني، المتمثل في تأمين النفط، فضح حقيقته السناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من ترامب والذي كان يتصدر فريق أعضاء الكونغرس الرافضين لقرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة بصدد الانسحاب من سوريا وما تردد عن إعطائه الضوء الأخضر لأنقرة كي تشرع في عملية «نبع السلام». وبعد أن غيّر رأيه جرياً على عادته، فامتدح خيارات ترامب في سوريا وتفاءل بالتوصل إلى «بعض الحلول التاريخية»، قال غراهام بصراحة إن الولايات المتحدة تنخرط في « مشروع مشترك بيننا وبين قوات سوريا الديمقراطية لتحديث حقول النفط وضمان أنها هي التي تحصل على الإيرادات وليس إيران أو نظام بشار الأسد».
كذلك كشف غراهام النقاب عن واحد من أبرز أغراض السياسة الأمريكية في سوريا، حين اعتبر أن «هدفنا الأساسي من كل هذا هو حماية إسرائيل»، وهو أمر لم يكن خافياً على أحد بالطبع. ولن تكون حماية أمريكا لدولة الاحتلال عبر الإبقاء على 200 من جنود البنتاغون ينتشرون في التنف أو آبار النفط في رميلان أو شرق سوريا على الحدود مع العراق، بل من خلال التشديد على أن أي سياسة أمريكية في المنطقة لا بد لها أن تخدم أمن الاحتلال ومصالحه.
القدس العربي