تركيا في مواجهة تسلل الجهاديين

تركيا في مواجهة تسلل الجهاديين

4692304_7_8fe4_a-suruc-est-de-la-turquie-apres_68fabdadd9d50edda304ac4aefd1efd7

تسبب تفجير نفذه انتحاري يوم الاثنين 20 يوليو في مدينة سروج الحدودية مع سوريا، والتي يسكنها أساسًا الأكراد، في قتل 31 شخصًا على الأقل وإصابة نحو 100 آخرين، وفقًا لحصيلة غير نهائية. وتسبب الانفجار الذي تم تنفيذه مع منتصف النهار في تدمير حدائق مركز عمارة الثقافي حيث تجمع ما يقرب من 300 من الناشطين الأكراد. هؤلاء الشباب الذين جاء معظمهم من أنقرة وإسطنبول وديار بكر، وكانوا يستعدون للذهاب للمساعدة في إعادة إعمار مدينة عين العرب “كوباني” جنوب شرق تركيا قرب الحدود مع سوريا، التي دمرت هذا الشتاء بعد القتال الدامي بين تنظيم داعش والميليشيات الكردية السورية.

ويعتبر هذا الهجوم الأكثر دموية منذ انفجار سيارة مفخخة في ريحانلى (منطقة هاتاي على الحدود التركية السورية)، هذا الانفجار الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصًا في مايو 2013. ويأتي هذا الهجوم الانتحاري ليسلط الضوء على ضعف تركيا في مواجهة الإرهاب وليشكك في السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الوقت الذي يحاول فيه حزب العدالة والتنمية تشكيل تحالف غير محتمل بعد أن خسر أغلبيته البرلمانية في انتخابات 7 يونيو.

معابر إمدادات لتنظيم داعش

أشارت السلطات التركية إلى ضلوع تنظيم داعش في هذا الهجوم الانتحاري. هذا، وندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالهجوم الانتحاري واصفًا إياه بأنه “عمل إرهابي”، في حين أثار رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة، بأن “تنظيم داعش يقف وراء هذا الهجوم الانتحاري” داعيًا الشعب إلى “التروي”، ومعلنًا عن تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود السورية. وأكدت صحيفة حريت اليومية في موقعها الإلكتروني أن الهجوم نفذته فتاة من تنظيم داعش تبلغ من العمر 18 عامًا.

وفي الوقت نفسه، تم تنفيذ هجوم آخر من جهة الحدود السورية في كوباني، المدينة التي استعادتها الميليشيات الكردية في أواخر يناير/ كانون الثاني بعد أن كانت تحت سيطرة تنظيم داعش. ووقع الهجوم جنوب المدينة، بالقرب من نقطة تفتيش على طريق حلب. ووفقًا لإدريس نعسان، المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي (الحزب الرئيسي الكردي في سوريا) في كوباني، فإن الهجوم لم يسفر عن أية ضحايا.

وإذا ما تبين أن الهجوم الانتحاري الذي تم تنفيذه في مدينة سروج التركية، كان على يد مقاتلي تنظيم داعش، فهذا يعني انتهاء التسوية المؤقتة التي كانت موجودة سابقًا بين السلطات التركية وهذا التنظيم. فبعد أن كانت تركيا، ولفترة طويلة، واحدة من الطرق الرئيسة لإمدادات التنظيم من الرجال والمعدات، هاهي تصبح اليوم هدفًا رئيسًا للمنظمة الجهادية. ويأتي هذا التحول في الوقت الذي عززت فيه الحكومة، في الأشهر الأخيرة، تواجدها العسكري وبشكل كبير على حدودها، مع منع المجندين الأجانب الراغبين في الانضمام لتنظيم داعش من عبور الحدود التركية السورية.

وقد قامت الشرطة بعمليات تفتيش ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، في منتصف شهر يوليو، كما اعتقلت عشرات الأشخاص في إسطنبول وقونيا وإزمير، مانيسا وأرضروم. كما تم حظر العديد من المواقع الإلكترونية الداعمة لتنظيم داعش. وكردة فعل على هذه الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة التركية، تعددت التهديدات بالقيام بعمليات انتقامية إذا ما واصلت الحكومة “الحد من حرية المسلمين العزل“؛ إلا أن موجة الاعتقالات لم تشمل مدن أورفا وغازي عنتاب التي تعتبر القواعد الخلفية للجهاديين، حيث يحصلون فيها على الرعاية الصحية، أو على الإمدادات.

الخلايا النائمة

إذا ما تمكن حرس الحدود في الأشهر الأخيرة من وقف تدفق المجندين الأجانب في طريقهم إلى سوريا، إلا أنهم باتوا يواجهون مشكلة أخرى وهي تسلل الجهاديين إلى داخل الأراضي التركية؛ فقد أعلنت هيئة الأركان العامة، في 19 يوليو، أن حرس الحدود ألقى القبض مؤخرًا على 488 شخصًا كانوا يعبرون الحدود من سوريا إلى تركيا في مقابل القبض على 26 شخصًا ممن عبروا الحدود في الاتجاه المعاكس. وبعد النكسات في شمال سوريا، وخسائر في كوباني وفي تل الأبيض، هذه المدن التي أصبحت تحت سيطرة الأكراد، يبدو أن تنظيم داعش أصبح يفضل تسلل مسلحيه وراء الخطوط الأمامية لتنفيذ هجمات انتحارية، كما كان الحال في يونيو عندما دخلت مجموعة صغيرة من الرجال في الجانب السوري من مدينة كوباني والمناطق المحيطة بها ليقتلوا أكثر من مئة مدني.

ويبقى الغموض يحوم حول هذه التسريبات؛ فخلال مؤتمر صحفي، عقد يوم 16 يونيو/ حزيران، سُئل محافظ سانليورفا من قبل الصحفي حسن أكباس وثلاثة من زملائه حول أسباب التراخي في التصدي لهذه التسريبات، ما تسبب في اعتقالهم لفترة وجيزة من قبل الشرطة. وتتخوف تركيا، التي تستضيف 1.8 مليون لاجئ سوري، من امتداد الصراع السوري إلى أراضيها، خاصة مع تواجد 3000 مقاتل من تنظيم داعش، والذين يشكلون اليوم خلايا نائمة، وفقًا لتقرير الأجهزة الأمنية.

ويأتي الهجوم الانتحاري في سروج في الوقت الذي يحاول فيه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو تشكيل حكومة ائتلافية، مع دعوة أنصاره للاستعداد لانتخابات برلمانية مبكرة. وإذا لم يكن بالإمكان تشكيل حكومة قبل 23 أغسطس، سيكون على الناخبين الأتراك العودة إلى صناديق الاقتراع. ولا تدخر المعارضة انتقادها للدبلوماسية “الموالية للسنة، وللإخوان المسلمين” التي ينتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان، ما جعل المعارضة التركية تتهمه بالتعاطف مع المتطرفين الإسلاميين من المعارضة السورية.

وقد سبق للرئيس السابق عبد الله جول، وهو أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، أن دعا إلى إعادة النظر في السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية. وخلال مأدبة إفطار جماعي بحضور أردوغان، نظمت يوم 15 يوليو، أعرب عبد الله جول عن تأييده “لإعادة صياغة سياستنا في الشرق الأوسط والدول العربية بطريقة أكثر واقعية“، ومحذرًا من “مفاجآت غير متوقعة” التي يمكن أن تواجهها تركيا إذا ما تفاقمت حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة.

التقرير