يوم الأربعاء 15 يوليو/تموز الحالي، وصل إلى المملكة العربية السعودية وفد من المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برئاسة المجاهد خالد مشعلرئيس المكتب السياسي لحماس، والتقى صبيحة يوم عيد الفطرجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، وولي ولي العهد، ورئيس جهاز المخابرات.
أحدثت الزيارة صدى سياسيا وشعبيا وإعلاميا واسعا، وحظيت باهتمام حكام وحكومات المنطقة، وقواها السياسية ووسائل الإعلام، وتراوحت ردود الفعل بين مؤيد قوي ومرحب بالزيارة، على قاعدة أنها تحول في العلاقات السياسية وتحالفات المنطقة، وبين متحفظ يرى أن الزيارة عادية ولم تعكس تحولا حقيقيا في العلاقات، وبين معارض أو مشكك اعتبر أن حماس دخلت في حلف جديد وتنكرت لتحالفاتها السابقة، وأنها أصبحت ضمن تحالف يضم “الإخوان المسلمين” برعاية المملكة.
بكل موضوعية، تعد الزيارة التي قام بها وفد قيادي من حركة حماس للمملكة العربية السعودية، واللقاءات التي أجراها، والتي شملت أرفع المسؤولين في المملكة، حدثا مهما، نظرا لوزن المملكة وحركة حماس ومكانتهما السياسية.
فحركة حماس هي أبرز قوى المقاومة في فلسطين، وهي تقود جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني، وتفوز بأصوات الأغلبية في الانتخابات، وتحظى بشعبية كبيرة في الأمتين العربية والإسلامية، وانتصرت في أكثر من معركة مع الاحتلال الصهيوني، وهناك اتصالات دولية كثيرة مع حماس من أجل التوصل إلى تهدئة في غزة أو لإطلاق سراح جنود إسرائيليين أسرى لديها.
وتتمتع حماس بشعبية كبيرة في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، وبالأخص في لبنان وسوريا، واكتسبت الحركة مصداقية سياسية واسعة في السنوات الأخيرة حين تمسكت بتوجيه مشروعها نحو مقاومة الاحتلال، ورفضت المشاركة في أعمال الاقتتال الداخلي، والمحاور الخاصة، والعنف المحلي، والصراع المذهبي، ودفعت ثمنا كبيرا في سبيل مواقفها هذه.
بدورها، فإن المملكة العربية السعودية تتمتع بمركز سياسي قوي ومؤثر في المنطقة، وهي قطب بارز، وتمتلك رصيدا مهما من العلاقات الواسعة، ولها مكانتها الدينية في الأمة، وعلاقاتها الدولية وحضورها الشعبي.
وفي عهد الملك سلمان تبذل المملكة جهودا واضحة في إعادة التموضع السياسي الإقليمي المؤثر، وتصحيح اختلال العلاقات الذي حصل مع عدد من أهم قوى المنطقة، ومعالجة عدد من الملفات الأساسية في المنطقة، واستيعاب بعض الأطراف، وهو ما أعطى للمملكة دورا أكبر برزت معالمه من ارتفاع وزن المملكة السياسي الإقليمي المؤثر، وارتفاع الرصيد الشعبي للمملكة الداعم لقراراتها الأخيرة.
من هنا تكمن أهمية اللقاءات التي حصلت بين قيادة حركة حماس والملك سلمان، ولا شك أن لكلا الطرفين مصلحة في اللقاء.
فحركة حماس حريصة في علاقاتها السياسية على الانفتاح والتواصل، وتوفير التأييد الشعبي والرسمي لدعم القضيةالفلسطينية، ومشروع المقاومة، وصمود الإنسان الفلسطيني، ووضع قيادات المنطقة في صورة الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني.
والمملكة داعم أساسي للقضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني، وجهود المصالحة الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي، والدفاع عن مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وحركة حماس منفتحة في علاقاتها على جميع الأنظمة العربية والإسلامية، وحريصة على إبقاء التواصل مع الجميع، ولم تكن في أي يوم من الأيام سببا لانقطاع الحوار أو قطيعة سياسية مع أي نظام، حتى الأنظمة التي أساءت للحركة وقيادتها، فإن حماس صبرت على الاتهامات وتحملت الإساءة، ولم ترد على الخطأ بخطأ مماثل.
لذلك، فإن ما تريده حماس من زيارتها المملكة العربية السعودية يتلخص في: استمرار التواصل المثمر مع دولة مؤثرة، والحرص على دعم المملكة القضية الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني، وجهود المصالحة الداخلية، وتعزيز العلاقات السياسية لحماس مع الجهات العربية المؤثرة، ودعم قضية كسر الحصار عن غزة والإغاثة وإعادة الإعمار.
كما أن المملكة العربية السعودية تريد من خلال علاقتها مع حماس تأكيد دورها الإقليمي، وريادتها العربية، وفي صلب ذلك تقع القضية الفلسطينية، وتصحيح علاقة المملكة مع القوى والحركات الإسلامية، والتأكيد على دور المملكة في علاقاتها الفلسطينية المتوازنة مع جميع الأطراف، ومحاولة إصلاح ما تضرر من علاقات فلسطينية داخلية (حماس وفتح) أو علاقات فلسطينية عربية.
1- إن زيارة وفد من حركة حماس للسعودية ليست خطوة موجهة ضد فتح والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، فالسعودية ليست في وارد الاقتراب من تنظيم فلسطيني ضد تنظيم آخر، وليست في وارد إضعاف عباس وسلطته، كما أن علاقة حماس بالسعودية لا تعني انحياز المملكة ضد الأطراف الفلسطينية الأخرى. من هنا، فإن خوف سلطةمحمود عباس من أي تقارب سعودي حمساوي هو خوف غير مبرر إطلاقا.
فالقيادة السعودية تحرص هذه الفترة على إعادة التوازن السياسي في الإطار الإقليمي، وعلى تثبيت موقع المملكة المنفتح على القوى والحركات الإسلامية، وعلى خفض مستوى التوتر داخل العلاقات العربية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال الانفتاح والحوار والتواصل، وهو ما سار عليه الملك سلمان إلى الآن، بدون أن يعني ذلك إنشاء حالة من الاصطفاف المذهبي الذي سبب الكثير من الصراعات.
ثم إن حركة حماس تؤمن باتساع القضية الفلسطينية لتشمل جميع مكونات الأمة من المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين في إطار تكاملي داعم لمشروع المقاومة.
3- زيارة حماس للمملكة هي عمل سياسي ليس موجها إطلاقا ضد إيران، كما أنه ليس نتاج مفاعيل الاتفاق النووي الإيراني.
إن قيام سياسيين إيرانيين وبعض الوسائل الإعلامية بمهاجمة الزيارة هو خطأ سياسي فادح ارتكبه هؤلاء، ودليل على قراءة انفعالية عصبية متسرعة، وربط للزيارة فقط بمنطق المحاور والاصطفافات.
إن علاقة ربع قرن بين حماس وإيران يجب أن تكون كافية لكي يستوعب صناع القرار في إيران أن حماس ترفض منطق العصبية والمحاور الضيقة، وإن إيران نفسها انزعجت (أو غضبت) من حركة حماس حين رفضت الاصطفاف في محور يؤدي إلى الصراعات والانقسامات، وهي (أي حماس) تحرص على توحيد الجهود في إطار وفاق عربي إسلامي داعم لفلسطين والقدس والمقاومة.
وإن اختزال موقع حماس ووزنها السياسي المؤثر في المنطقة تحت عناوين مذهبية، هو إساءة لمطلقي هذه الاتهامات قبل أن يكون لحركة حماس. وفي الوقت الذي تتحسن فيه علاقة حماس بالسعودية فليس من مبرر منطقي عند حماس لينعكس ذلك إساءة لعلاقتها مع غيرها، بل من المؤكد أن فكر حماس السياسي وإستراتيجيتها يسمحان لها بإدارة علاقتها مع الأطراف المختلفة في نفس الوقت بكثير من المبدئية والحكمة والبراغماتية أيضا.
وإن إيران مدعوة اليوم لتفهم العلاقة بين حماس والسعودية، كما هي، وأي رد فعل سلبي على الزيارة سيكون خطوة غير حكيمة.
كما أن حماس ليست معنية مطلقا بتوتير علاقتها بإيران، أو بالتقليل من وزنها ومن دعمها الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ذلك أن حماس تسعى لتطوير علاقاتها الإقليمية وليس لإضعافها، ولتعزيز حضور المقاومة سياسيا وعسكريا.
4- إن زيارة حماس للمملكة خطوة جيدة، يجب أن تستكمل بمزيد من الجهود السياسية وبناء الثقة والتواصل، في إطار المصلحة العربية الإسلامية المشتركة، على مدى الأمة والمنطقة، ومن أجل القضية الفلسطينية.
وهذه الزيارة يجب ألا تحمل أكثر مما تحتمل، وهي فيها مصلحة لكل الأطراف في المنطقة.
وقبل الزيارة، كما هو بعدها، ستواصل حماس تنفيذ برامجها المتعلقة بتعزيز الموقف الفلسطيني، وتوفير الدعم العربي والإسلامي والدولي لبرنامج المقاومة، وسيجد المشككون أنفسُهم بعد عدة سنوات أن حماس لم تغير رؤيتها الإستراتيجية الثابتة، وأنها عامل فاعل في المنطقة ينبغي دعمه دون شروط مسبقة.