كل ما يفعله قادة الأحزاب والميليشيات الممسكون بزمام السلطة في العراق لإخماد موجة الاحتجاجات الشعبية حماية للنظام من خطر السقوط يأتي بنتائج عكسية، فلا القمع الدموي أرهب المحتجّين، ولا استقالة رئيس الحكومة هدّأت من غضبهم، ولا تنظيم التظاهرات المفتعلة المضادّة شقّ صفوفهم. ولم يبق إذن سوى السيناريو الأقصى والأكثر تطرّفا، والمتمثّل بالعنف الشامل ودفع البلد مجدّدا إلى حافّة الحرب.
بغداد – يتخوّف مراقبون من أن يكون العراق بصدد التدرّج نحو موجة جديدة من العنف الدموي، قد تكون مطلوبة لذاتها في الوقت الراهن من قبل الجهات الممسكة بالسلطة من أحزاب دينية وميليشيات مسلّحة كحلّ أخير لإنقاذ النظام السياسي بعد أن انسدّت أمامها جميع سبل تهدئة الشارع وإخماد حراكه الاحتجاجي غير المسبوق.
ومع تواصل موجة القمع الدموي للمحتجين، شهدت الأيام الأخيرة دخول مظاهر أخرى للعنف على خطّ الأحداث الجارية في العراق، تجلّت خصوصا في تعرّض محتجّين للطعن بالسكاكين على أيدي مندسّين في صفوفهم داخل ساحات التظاهر والاعتصام، يرجّح أنّهم عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي مدرّبون جيدا على القتال بمختلف أنواعه.
وتجرّب الأطراف القيادية في النظام العراقي وسائل متنوّعة لإنهاء انتفاضة الشارع. ولجأت مؤخّرا إلى تنظيم تظاهرات مفتعلة موالية للنظام استخدمت خلالها اسم المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، وجنّدت لها عناصر مستقدمة من عدّة مناطق، لكنّها فشلت في شقّ الحراك الاحتجاجي العارم.
ويستلهم هذا التكتيك الأسلوب الذي استخدمه حزب الله في لبنان من خلال توظيفه العامل الطائفي لضرب الحراك الاحتجاجي من خلال الزج بمجاميع للتظاهر والهتاف “شيعة شيعة”، لكنّ النتيجة في الحالة العرقية، جاءت عكسية تماما حيث تدفّقت الجمعة أعداد غير مسبوقة من المحتجّين على ساحة التحرير وسط بغداد، لمساندة المتظاهرين والمعتصمين هناك ضدّ ما وصف من قبل نشطاء في الحراك الشعبي بـ”هجمة الميليشيات”.
كما دفعت تلك “الهجمة” التظاهرات نحو المزيد من التنظيم حيث تشكّلت لجان شعبية أشرفت على عملية الدخول إلى ساحة التحرير وإجراء عمليات تفتيش دقيقة للداخلين لمنع دخول مندسين يحملون أسلحة بهدف تأجيج العنف وإثارة المشاكل.
وبعيدا عن المدن المنتفضة بوسط وجنوب العراق، سجّل تصعيد لافت لهجمات تنظيم داعش بمناطق شمال وغرب العراق، فيما تعرّضت قاعدتان عسكريتان توجد بهما قوات أميركية لرشقات صاروخية.
ويرى متابعون للشأن العراقي أنّ تفجير موجة عنف جديدة في العراق، يخدم مصلحة الأحزاب والميليشيات الممسكة بزمام السلطة والممتلكة للسلاح والمتحكمّة في موارد الدولة وأموالها.
وفي حال تمّ استدراج القوات الأميركية للردّ عسكريا على الميليشيات، فإنّ ذلك سيكون مفيدا لتلك التشكيلات الموالية لإيران، لإعادة تلميع صورتها وتقديم نفسها للجمهور كجزء من مشروع “نضالي مقاوم” للوجود الأميركي في العراق.
وينتشر نحو خمسة آلاف جندي أميركي في عدة قواعد عسكرية بأرجاء العراق ضمن إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.
وزادت وتيرة هجمات التنظيم خلال الأسابيع الأخيرة في المنطقة الوعرة الواقعة بين محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى شمالي وشرقي البلاد والمعروفة باسم “مثلث الموت”.
وتملك إيران نفوذا واسعا في العراق، خصوصا بين الفصائل الشيعية المسلّحة والمشاركة بشكل مباشر في صنع القرار العراقي عن طريق القادة النافذين لتلك الفصائل مثل هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، لكنّ طهران تعرّضت لأكبر هزّة في العراق عندما أصبحت مستهدفة بشكل مباشر من قبل المحتجّين الذين أحرقوا قنصليتها في النجف ورفعوا شعارات تطالبها برفع يدها عن البلد وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية.
ويشارك الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري، بشكل مباشر في إدارة عملية قمع الاحتجاجات في العراق ووضع خطط لإخماد انتفاضة الشارع.
وتمّ أخيرا الزجّ بعناصر وصفت بالمأجورة في تظاهرات مفتعلة ببغداد، بينما شهدت ساحات التظاهر والاعتصام التلقائيين مظهرا جديدا للعنف ضدّ المحتجّين، متمثلا في طعنهم بالسكاكين.
وتعليقا على الظاهرة اعتبر زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، الجمعة، تعرّض متظاهري ساحة التحرير ببغداد للطعن “استكمالا لجرائم القناصة واستهدافهم بالقنابل الدخانية والرصاص الحي”.
وقال علاوي في بيان “من يقف وراء هؤلاء ومن يوفر لهم الدعم والمساندة وما هي الرسالة التي يراد إيصالها عبر تلك الجريمة”، داعيا الأجهزة الأمنية إلى “تحمل مسؤولياتها الكاملة في توفير الحماية للتظاهرات والمتظاهرين”.
العرب