فشل البرلمان العراقي في عقد جلسة لبتّ قانون الانتخابات الجديد، الذي يشهد خلافات واسعة بشأن بنوده، خصوصاً تلك التي ترى فيها كتل وأحزاب سياسية تهديداً لمستقبلها السياسي، وتعد في الوقت نفسه مطلباً أساسياً للمتظاهرين الذين يهددون برفض أي قانون يتضمن بنوداً تصبّ في مصلحة الأحزاب على غرار القانون السابق.
وتتركز الخلافات الحالية على عدة بنود، منها طريقة احتساب الأصوات، والدوائر الانتخابية المتعددة أو الدائرة الواحدة، ومنع المسؤولين الحاليين من الترشح للانتخابات المقبلة، وكذلك تصويت عراقيي الخارج والنازحين، وأخرى تتعلق بطريقة الاقتراع، إلكترونية أو يدوية.
وقال النائب عن تحالف سائرون رعد المكصوصي، لـ”العربي الجديد”، إن “كتلاً سياسية، تعمدت إفشال جلسة البرلمان، لمنع تمرير قانون انتخابات وفق تطلعات الشعب العراقي، وخصوصاً المتظاهرين”.
”
الاجتماعات سوف تبقى مستمرة بين القوى السياسية للوصول إلى حلول لهذه الفقرة الخلافية، من أجل الإسراع في تشريع القانون
“
وبيّن المكصوصي أنه “رغم الاجتماعات منذ ساعات الصباح الأولى، بين رئاسة البرلمان واللجنة القانونية وقادة الكتل السياسية، ولساعات طويلة، لم يتوصل المجتمعون إلى أي اتفاق، فهناك من يريد جعل نسبة للأحزاب وأخرى للمستقلين، لضمان وجود لها في البرلمان المقبل، فهي تدرك أنه لا شعبية لها بعد ثورة أكتوبر”.
وأضاف أن “جهات سياسية حاولت جعل الدوائر الانتخابية في دائرة واحدة، لكن الأغلب مع طرح الدوائر المتعددة، حتى يختار الناخب من يريد، وهذا يضمن عدم ذهاب صوت الناخب إلى مرشح آخر، كما حصل في الانتخابات السابقة، طوال السنوات الماضية”.
وأكد النائب عن تحالف سائرون أن “سبب الخلاف الرئيسي الذي دفع إلى تأجيل الجلسة لعدم وجود توافق حولها، المادة (15) من قانون انتخابات مجلس النواب، التي تتحدث عن تقاسم المقاعد النيابية بنسبة 50% لمصلحة القوائم و50% للتصويت الفردي، وأغلب النواب مع نسبة 100%”.
وختم المكصوصي حديثه بأن “الاجتماعات ستبقى مستمرة بين القوى السياسية للوصول إلى حلول لهذه الفقرة الخلافية، من أجل الإسراع في تشريع القانون، حتى تكون هناك أرضية جاهزة لإجراء الانتخابات المقبلة، في المرحلة المقبلة”.
ويقول مصدر في رئاسة مجلس النواب، لـ”العربي الجديد”، إن “المادة (15) في قانون انتخابات مجلس النواب، هي محل الخلاف، التي لم تحل رغم الاجتماعات الموسعة والمطولة، وهذه المادة تتحدث عن إعطاء (50%) من المقاعد في تلك المحافظة مقرباً لأكبر عدد صحيح للأفراد و(50%) الأخرى لأكبر عدد صحيح للقوائم، ما معناه (50% الأولى للأفراد والثانية للقوائم)، وهي جدلية، وكانت معظم الآراء في البرلمان هي الابتعاد نهائياً عن هذا الموضوع والاتجاه إلى جعل جميع القوائم فردية، أي (100%) من المقاعد للقوائم الفردية”.
ومنذ ظهر اليوم، يجري التداول بين قادة الكتل لحل النقاط الخلافية دون استفزاز الشارع بقانون مشوّه، وفقاً لأحد أعضاء البرلمان العراقي، الذي قال إن الجلسة ستعقد حتى لو مع منتصف الليل إن حصل التوافق.
”
“سبب الخلاف الرئيسي هو عدم التوافق حول المادة (15) من قانون انتخابات مجلس النواب، التي تتحدث عن تقاسم المقاعد النيابية بنسبة 50% لصالح القوائم و50% للتصويت الفردي
”
وكان عضو في اللجنة القانونية في البرلمان قد صرح لـ”العربي الجديد”، في وقت سابق، بأن الرأي السائد الآن يسير باتجاه جعل التصويت فردياً بنسبة 100%، وأن يُقسَّم العراق إلى دوائر انتخابية صغيرة داخل كل محافظة بعدد أعضاء البرلمان لكل محافظة وحسب العدد السكاني، مؤكداً أن التوصل إلى هذه الصيغة جاء من خلال عدة كتل فاعلة في البرلمان، لكنّ هناك كتلاً أخرى تجده تهديداً لوجودها أو مستقبلها السياسي بالانتخابات المقبلة.
وتابع: “حتى الآن، بعض الكتل تصرّ على تمرير قانون لا يختلف عن القوانين القديمة المرفوضة شعبياً، إلا أن هذه المقترحات لم تكن مقبولة من نواب تحالف “سائرون” المدعوم من التيار الصدري، الذين طالبوا بقانون انتخابات يقوم على أساس تقسيم كل محافظة إلى دوائر انتخابية صغيرة”.
وقال عضو التيار المدني العراقي عباس الحبوبي، لـ”العربي الجديد”، إن “القانون الانتخابي الجديد لن يكون مقبولاً إذا وُجدت فيه فقرات تصبّ في مصلحة الأحزاب الحالية، وهناك شعارات طبعت وهتافات صيغت تدعو العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة من الآن في حال تمرير أي قانون مفخخ”.
وبيّن أن المتظاهرين يريدون قانوناً واضحاً للانتخابات، “من يحصل على أعلى عدد من أصوات هو من يفوز، لا قانوناً مخترعاً غير مسبوق بالعالم لم يقدم عليه أحد”. وتابع: “لدينا معلومات عن أن هناك محاولات التفاف من قبل الأحزاب، لسبب رئيس. إنهم يستشعرون بالقانون قرب نهاية نفوذهم أو تراجعه، لذلك قانون الانتخابات مهم، وخيام ساحات الاعتصام فيها محامون وحقوقيون يراقبون ما سيصدر”.
إلى ذلك، قال عضو البرلمان عن تحالف “سائرون”، المدعوم من التيار الصدري، سلام الشمري، إن الترشيح الفردي وتخفيض عدد أعضاء البرلمان أمر، وإلغاء تصويت الخارج أمر آخر لا بد من تطبيقه، مؤكداً في بيان أن قانون الانتخابات بهذه الصيغة يمكن أن ينهي هيمنة الأحزاب الفاسدة.
ووفقاً لمختصين ومراقبين للشأن الانتخابي العراقي، حاول مجلس الوزراء المستقيل وبعض الأحزاب من خلال مقترحاتهم الإبقاء على الوجوه ذاتها في السلطة.
”
القانون الانتخابي الجديد لن يكون مقبولا في حال وجدت به فقرات تصب لصالح الأحزاب الحالية
“
وقال رئيس شبكة “حمورابي” لمراقبة الانتخابات، عبد الرحمن المشهداني، لـ”العربي الجديد”، إن الحكومة المستقيلة أصرت على تمرير قانون الانتخابات الجديد وفقاً لرؤيتها، حتى وإن لم يكن عادلاً، مبيناً أن مشروع القانون المرسل من الحكومة إلى البرلمان لا يلبي طموحات العراقيين بقانون انتخابي عادل. ولفت المشهداني إلى أن المختصين والمعنيين بالشأن الانتخابي بذلوا جهوداً كبيرة من أجل تضمين الترشيح الفردي في قانون الانتخابات بعيداً عن هيمنة القوائم، مؤكداً وجود تباين بوجهات النظر حول أي القوانين الانتخابية يناسب الوضع العراقي.
وأقر عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي حسين علي، بوجود نقاط خلافية أخرت تمرير قانون الانتخابات الجديد، مبيناً، خلال تصريح صحافي، أن بعض هذه الخلافات سياسية، والأخرى فنية تتعلق باعتماد الدوائر الانتخابية على مستوى المحافظات أو على مستوى الأقضية والمدن.
وأشار إلى أن الخلافات السياسية نتج منها الاتفاق على منع ترشح بعض السياسيين، مثل رئيسي الجمهورية والوزراء والدرجات الخاصة ومزدوجي الجنسية، مبيناً أن القوى السياسية ستعقد ثلاثة اجتماعات متكررة من أجل التوصل إلى تفاهمات بشأن النقاط الخلافية من أجل تمرير قانون الانتخابات بشكل سريع.
وفي السياق، قال القيادي في ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، إن قوى سياسية حاولت خلال الفترة الماضية تشريع قانون انتخابات لا يلبي طموحات المتظاهرين، مبيناً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الأحزاب الكبيرة لم تكن مستعدة للتنازل عمّا تعتقد أنها حقوقها السياسية بسهولة.
وأشار إلى أن صورة المشهد السياسي في العراق مشوشة بشكل كبير، بالإضافة إلى وجود عدة متغيرات داخلية وخارجية، وكل ذلك يؤثر بشكل قانون الانتخابات، ولفت إلى وجود جهات خارجية تضغط بقوة من أجل إحداث التغيير، موضحاً أن الأمر الذي زاد المشهد تعقيداً هو الخلافات الشيعية – الشيعية بشأن قانون الانتخابات وقضايا أخرى.
العربي الجديد