كشفت السلطات العراقية أخيراً عن القيمة الإجمالية لديونها المستحقة على 55 دولة، تعود لما قبل عام 1990، إبان الغزو العراقي للكويت، وما خلّفه من حصار اقتصادي وعقوبات دولية على بغداد. بينما يؤكد خبراء اقتصاد وقانونيون صعوبة استرداد هذه الأموال، مشيرين إلى أن قسما منها يحتاج إلى محاكم أو تسويات تتطلب سنوات لحسمها، بينما يطرح آخرون خيارات أخرى عبر استبدالها بمشاريع بنى تحتية وإعمار.
وقدرت دائرة استرداد الأموال في هيئة النزاهة، الأموال المستحقة بأكثر من 87 مليار دولار، لافتة إلى أن القوانين العراقية تخول صندوق استرداد الأموال ودائرة الاسترداد التي تشكلت عام 2011 في هيئة النزاهة، العمل على استرجاعها.
وأشارت دائرة الاسترداد، في بيانات لها، إلى أن أموال العراق سواء كانت رسمية أو لأشخاص لهم صلة بالنظام السابق، جًمدت في الخارج بقراري مجلس الأمن 660 و661 بعد غزو الكويت.
وقال مسؤول عراقي لـ”العربي الجديد”، إن “قيمة الأموال التي جرى حصرها فعلا تحتاج إلى تفاهمات وتظلمات ومحاكم من أجل استردادها أو تنفيذ العقد، بمعنى أن ينفذ الطرف الثاني التزاماته تجاه العراق، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات عدة من العمل والجهد”.
وأضاف المسؤول أن أغلب الديون العراقية مترتبة على دول أوروبية وأخرى من دول الاتحاد السوفييتي، وكذلك دول في أميركا اللاتينية، وهناك مشاكل في استرداد مستحقات صعبة مثل تلك المسجلة على يوغسلافيا التي لم يعد لها أثر اليوم.
ومن بين العقود التي أبرمها العراق، التعاقد مع إيطاليا نهاية الثمانينيات، لإنشاء أسطول بحري حربي يضم 11 سفينة بقيمة 1.35 مليار دولار، وتم تسليم الجانب الإيطالي القيمة في صورة شحنات نفط ومبالغ نقدية، بينما لم يتسلم العراق السفن، وبعدها تم بيعها من قبل شركات إيطالية متخصصة إلى جهة أخرى، وفق بيانات دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة، التي نشرتها، الإثنين الماضي، صحيفة الصباح الحكومية.
وأشارت الهيئة إلى أن الجانب الإيطالي رفع، رغم تسلّمه قيمة العقد، دعوى على العراق بالضرر بعد عام 2003، مضيفة أن هناك عقداً آخر مع إسبانيا بقيمة 11 مليون دولار مع وزارة الصناعة، لتزويد العراق بمواد صناعية مختلفة لم ينفذ هو الآخر، وهناك تفاهم حول استعدادها لتسديد قيمة الدين على شكل بضائع للعراق.
ووفق المسؤول الحكومي الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن “الملف ككل مؤجل للحكومة المقبلة ورهن باستقرار الأوضاع العراقية، لكن دولا عدة مثل إسبانيا وفرنسا والبرازيل أبدت تعاونها، وأخرى مثل الأردن ولبنان يجري التحرك دبلوماسياً معها، بينما يجرى اتباع إجراءات قانونية مع البعض الآخر مثل اليونان وباكستان والهند”.
وقال: “الملف شائك وغير سهل، والعراق يسعى للحصول على حقه، سواء بإعادة الأموال أو تنفيذ ما اتفق عليه في حينها أو استبدال مستحقات العراق بمشاريع يحددها العراق وليس الدول المديونة”.
وأضاف: “ديون العراق على تلك الدول تتطلب شركات محاماة عريقة وذات تأثير في الغرب، وتتواجد عادة في نيويورك ولندن. وحكومة عادل عبد المهدي (التي استقالت مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري) لم تتحرك في هذا الشأن، لذا نعول على الحكومة المقبلة”.
ويحتاج العراق، وفقا لتقارير حكومية، إلى ما بين 80 إلى 90 مليار دولار، لإعادة إعمار 180 مدينة وقضاء وبلدة وناحية موزعة على المناطق التي اجتاحها تنظيم داعش شمال وغرب العراق منتصف عام 2014 وجرى تحريرها في 2017، بينما تمثل ما نسبته 49 في المائة من إجمالي مساحة البلاد.
وقال جمال كوجر، عضو اللجنة المالية في البرلمان، لـ”العربي الجديد”، إن “الحكومات السابقة، ورغم علمها بملف الديون الضخمة المستحقة لدى الدول الأخرى، إلا أنها لم تتحرك لاسترداد هذه الأموال”.
وأضاف كوجر أنه “جرى تشكيل لجنة مصغرة في وقت سابق داخل اللجنة المالية في البرلمان، لمتابعة الملف وحصر الأموال والمستحقات الفعلية للعراق”، لافتا إلى أن جزءا من الديون أو المستحقات أيضا هو استثمارات عراقية في دول عدة كانت مربحة، عبارة عن أرصدة وودائع وشركات وأصول عقارية مختلفة، وهو ما يعني وجود تراكمات مالية لها.
في المقابل، قال محسن عمر الفضلي، الخبير المالي وعضو جمعية بغداد للاقتصاديين، إن “الديون المستحقة تحتاج إلى حكومة قوية وجهد كبير لاسترجاعها، وهو ما لا يتوفر حالياً”.
وأضاف الفضلي “بعض الدول منحت نفسها حق مصادرة أموال العراق، مثل السعودية التي صادرت أنبوب النفط العراقي. وميناء عائم تم بناؤه بأموال عراقية، بحجة تعويض قصف العراق للعاصمة الرياض واحتلال الجيش العراقي الخفجي. أو سورية التي اعتبر نظام الأسد نفسه متضرراً من العراق وصادر أنبوب نفط العراق المتجه إلى بانياس، أو تركيا التي وضعت يدها على استثمارات عراقية عدة، والقائمة تطول”.
وتابع: “هذه الأموال من شأنها حل أزمة العراق المالية، أو أن تتجه لإنهاء أزمة السكن والبنى التحتية، من خلال تسويات مع تلك الدول، ونأمل في استرداد الأموال رغم علمنا بصعوبة ذلك في التفاوض، لذا هناك حاجة لاستدعاء خبراء ومسؤولين في النظام العراقي قبل عام 2003، فهم أكثر دراية وخبرة من الطاقم الحكومي الحالي في هذا الملف تحديداً”.
وتشير بيانات صادرة حديثاً عن وزارة التخطيط، إلى أن معدل الفقر في العراق الغني بالنفط، وصل إلى 22.5 في المائة خلال العام الجاري 2019، بما يعادل 8.6 ملايين نسمة.
العربي الجديد