بعد ثلاثة أشهر من إنذار أوروبي لإيران من نفاد الصبر حيال تقليص التزامات الاتفاق النووي، تقترب فرنسا وألمانيا وبريطانيا من تفعيل آلية لحل النزاعات في يناير (كانون الثاني) لإجبار طهران على التراجع عن انتهاك الاتفاق.
وأفادت رويترز عن دبلوماسيين أن من المرجح أن تُفعّل الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني آلية لحل النزاعات المنصوص عليها في الفقرة 36 من الاتفاق. لكن الدبلوماسيين أضافوا أن الدول الأوروبية لن تصل إلى حد الإسراع بإعادة فرض العقوبات من الأمم المتحدة على طهران إذ أن ذلك من شأنه أن يقضي على الاتفاق تماما.
وكانت الدول الثلاث وجهت تحذيرا لإيران على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) من أنها ستكون مضطرة على تفعيل آلية فض النزاع أو آلية «الضغط على الزناد» التسمية الإيرانية إذا ما استمرت طهران في تقليص التزاماتها النووية. ومع ذلك، أعلنت طهران في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خطوة رابعة من تقليص تعهداتها النووية في إطار خطة الانسحاب التدريجي من الاتفاق الذي أعلنته مايو (أيار) الماضي ردا على سياسة «أقصى الضغوط» التي تنتهجها واشنطن. وشملت خطوات إيران استئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة فردو تحت الأرض وتسريع وتيرة التخصيب بأجهزة طرد مركزي متطورة محظورة عليها بموجب الاتفاق وتخطي مخزونها من اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة السقف المسموح به في الاتفاق.
وانتقدت إيران إخفاق بريطانيا وفرنسا وألمانيا في إنقاذ الاتفاق من خلال حماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأميركية التي أعادت واشنطن فرضها العام الماضي بعد انسحابها من الاتفاق بين إيران والقوى العالمية. وقال مسؤولون إيرانيون إن بلادهم ستتخلى عن المزيد من الالتزامات المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي في السادس من يناير (كانون الثاني) لدق مزيد من أجراس التحذير بشأن العواقب الوخيمة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
وقالت الدول الثلاث بداية هذا الشهر أنها أرجأت تفعيل الآلية لكنها طالبت طهران بالتوقف عن انتهاك الاتفاق النووي.
ونقلت رويترز عن ستة دبلوماسيين غربيين وأوروبيين أن الدول الأوروبية الثلاث اتفقت من حيث المبدأ على تفعيل آلية حل النزاعات إلا أن الدول الثلاث ستنتظر لترى حجم الخطوات التي ستتخذها إيران قبل اتخاذ قرار نهائي.
وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي فإن «بدء العملية يهدف إلى حل الملفات التي تشكل معضلة لإنقاذ الاتفاق… ليس تلقائيا أن يلي ذلك فرض عقوبات من الأمم المتحدة. إذا قررنا أن نفعل ذلك (إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة) سيعني أننا قررنا دق المسمار الأخير في النعش» في إشارة على الانهيار الكامل للاتفاق النووي.
وتنص المادة 36 من اتفاق فيينا النووي على أن أي طرف يرى أن طرفا آخر لا يحترم التزاماته يمكنه إحالة الأمر للجنة مشتركة تضم إيران وروسيا والصين والدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي. ويكون لدى اللجنة 15 يوما لحل الخلافات لكن يمكنها تمديد تلك الفترة بإجماع كل الأطراف. لكن حال عدم التمديد أو الحل قد تتطور المسألة وتؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة فرض العقوبات التي كانت مفروضة بموجب قرارات صادرة عن الأمم المتحدة إلا إذا قرر مجلس الأمن الدولي غير ذلك.
وسيركز الأوروبيون على تمديد فترة عملية حل النزاعات بدلا من الدفع صوب العقوبات إلا إذا تخطت الانتهاكات المقبلة لإيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق الحدود المتوقعة وفقا للمصادر الدبلوماسية.
ولم يتضح ما هي الحدود التي سيكون من غير المقبول لدى القوى الأوروبية أن تتخطاها إيران.
غير أن دبلوماسي ثان قال لـ«رويترز» «ما زلنا نشعر أن الدبلوماسية لم تمت بعد». وفي نفس السياق، أشار ثلاثة دبلوماسيين إلى أن الدول الأوروبية الثلاث خاصة فرنسا تحاول حشد تأييد روسيا والصين ليكون موقف الدول الخمس موحدا رغم أن موسكو وبكين تعارضان تفعيل آلية حل النزاعات في الوقت الحالي.
وقال مسؤول إيراني كبير مشارك في المحادثات النووية إن إيران على علم بأن الدول الأوروبية الثلاث تريد تفعيل الآلية، مضيفا «إذا فعلوا… ستتصرف إيران وفقا لذلك. إذا أرادوا إنقاذ الاتفاق… عليهم أن يفوا بتعهداتهم وإلا ستتخذ إيران مزيدا من الخطوات» مضيفا أن الأوروبيين يتعرضون لضغوط من الولايات المتحدة.
وبالتزامن مع الخطوة الأوروبية أصدرت وزارة الخارجية الأميركية حججا قانونية، خلصت إلى أن الولايات المتحدة بمكنها أن تفعل بنود إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران بموجب الاتفاق النووي رغم انسحابها منه وهو موقف قد يزيد من الضغط على الأطراف الأوروبية.
وقال مبعوث الولايات المتحدة الخاص بشؤون إيران برايان هوك للصحافيين في نيويورك «لم نعد في الاتفاق ولذلك فالأطراف التي لا تزال فيه سيكون عليها أن تتخذ قراراتها فيما يتعلق باستخدام أو عدم استخدام آلية حل النزاعات… ليس هناك شك في أن إيران انتهكت الاتفاق النووي».
وقبل أيام هاجم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر «تويتر» تصريحات نظيره الأميركي مايك بومبيو بشأن استخدام أميركي لآلية حل النزاع. ونشر مرسوم الصادر من مكتب الرئيس دونالد ترمب في مايو 2018 بشأن الانسحاب من الاتفاق.
جلسة محتدمة وحدث «نادر» في مجلس الأمن جاء ذلك غداة جلسة محتدمة بشأن الالتزام بالاتفاق الموقع في عام 2015 بين القوى العالمية وإيران.
وأبلغت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت مجلس الأمن أن «الولايات المتحدة مستعدة للدخول في حوار مع إيران للتفاوض على اتفاق يعزز السلام والأمن الدوليين بشكل أفضل. لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي بينما تواصل إيران زعزعة استقرار المنطقة».
وبعد الاجتماع، أبدت كرافت تعاطفا علنيا نادرا تجاه نظيرها الإيراني في مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية حيث قدمت تعازيها في وفاة طفلة إيرانية.
ومشت كرافت إلى نظيرها الإيراني مجيد تخت روانتشي وتحدثت معه.
وكان روانتشي قد تحدث خلال بيانه أمام المجلس عن طفلة تبلغ من العمر عامين قال إنها توفيت في يونيو (حزيران) جراء مرض انحلال البشرة الفقاعي، وهو من الأمراض النادرة، وألقى باللوم على العقوبات الأميركية في وفاتها.
وقال مسؤول في البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة إن كرافت كانت تقدم تعازيها إلى روانتشي.
من جانبه قال علي رضا مير يوسفي المتحدث باسم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنهما أجريا «محادثة قصيرة فحسب بشأن المصابين بمرض انحلال البشرة الفقاعي الذين تأثروا بالعقوبات». وكتب على «تويتر» «لا يتجاوز توجه أي دبلوماسي في الأمم المتحدة نحو غيره أو إجراء محادثة قصيرة معه في المقر حدود المألوف».
لكن هذه التعاملات المباشرة بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين كانت نادرة للغاية في الأعوام الماضية بحسب رويترز.
ورغم أن الأدوية والواردات الإنسانية الأخرى معفاة من العقوبات الأميركية فإن إجراءات الولايات المتحدة، التي تستهدف كل شيء تقريبا من مبيعات النفط إلى النقل إلى الأنشطة المالية، تسببت في عزوف عدة بنوك أجنبية عن العمل مع إيران بما في ذلك الاتفاقات الإنسانية.
الشرق الاوسط