إسرائيل تتقبل التفاهمات الأميركية – الإيرانية ما عدا إحياء الاتفاق النووي

إسرائيل تتقبل التفاهمات الأميركية – الإيرانية ما عدا إحياء الاتفاق النووي

رغم معارضتها الشديدة للعودة إلى الاتفاق النووي للعام 2015، فإن إسرائيل تبدي موقفا أقل حدة على الجهود السرية للتوصل إلى تفاهمات جديدة بين الولايات المتحدة وإيران قد تؤدي إلى تجميد المشروع النووي مقابل مكافآت ستحصل عليها طهران.

القدس – لم يكن رد فعل إسرائيل على التقارير عن تفاهمات أميركية ـ إيرانية مرتقبة بشأن البرنامج النووي بذات حدة رفضها لعودة واشنطن إلى اتفاق عام 2015 مع طهران، والذي انسحبت منه في 2018 إدارة الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب (2017 – 2021).

وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية لم تعلن عنها رسميا وغير خاضعة للرقابة الدولية، وتتهم إسرائيل ودول إقليمية وغربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهرن إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.

وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية بوجود اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بما يسمى “دبلوماسية الخطوة خطوة”، لصياغة إطار لتفاهمات بديلة عن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في 2015 مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا بالإضافة إلى ألمانيا.

وهذا الاتفاق كان يفرض قيودا على برنامج إيران للحيلولة دون إنتاج أسلحة نووية، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها، إلا أن واشنطن اعتبرت أنه غير فعال وانسحبت منه وأعادت فرض العقوبات.

وقال راز زيميت، الخبير في شؤون إيران بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إن “رد فعل إسرائيل على التقارير عن إبرام تفاهمات كان خفيفا، أما الرد على إمكانية العودة إلى الاتفاق الأصلي (خطة العمل المشتركة الشاملة) فكان أكثر سلبية”.

زيميت أوضح أن “إسرائيل رفضت أي إمكانية للعودة إلى الاتفاق الأصلي، ولكن مؤخرا بعد تقارير عن إمكانية التوصل إلى تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، قالت إنها في حين تدعم مواصلة الضغط على طهران، فإنها لا تستبعد هذه الإمكانية (التفاهمات) لأنها لا تعني العودة إلى الاتفاق”.

ملامح التفاهمات
وفقا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإنه بموجب تلك التفاهمات “يتم تقييد البرنامج النووي الإيراني، وتلتزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 60 في المئة وعدم تكديس المزيد من المواد في هذا المستوى من التخصيب”.

وأردف “كما سيتم الإفراج عن ثلاثة أميركيين مسجونين في إيران منذ 2015 بتهمة التجسس، وسيُطلب من إيران التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والامتناع عن مهاجمة القوات الأميركية في سوريا والعراق”.

وأضاف المعهد أنه “سيُطلب من إيران أيضا وقف بيع الصواريخ الباليستية إلى روسيا، وفي المقابل، ستوافق الولايات المتحدة على الإفراج عن الأصول المالية الإيرانية (المجمدة في الخارج)”.

وأوضح أن “تقديرات يناير 2021 تشير إلى تجميد 10 مليارات دولار في العراق ونحو 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، ومبالغ مماثلة في الولايات المتحدة وسلطنة عمان والصين واليابان”.

“هذه الأموال يُطلق عليها ‘الأموال المجمدة’، لأنها مودعة في حسابات مصرفية لا تستطيع إيران الوصول إليها مباشرة بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بيع النفط الخام الإيراني”، بحسب المعهد.

وتابع أنه توجد “تقارير عن دفع العراق ديونا بقيمة 2.76 مليار دولار لإيران، بموافقة الولايات المتحدة.. وهذه خطوات ثانوية بالنسبة لإيران مقارنة بالتنازلات المطلوبة للعودة إلى اتفاق 2015، وهي تشير إلى استعدادها للتسوية، دون إجبارها على التنازل عن تقدمها وإنجازاتها في المجال النووي”.

أما “المكافأة التي تحصل عليها إيران في إطار التفاهمات فضئيلة مقارنة بشروط خطة العمل الشاملة المشتركة، لأنها لا تزال خاضعة لعقوبات اقتصادية”، كما أضاف المعهد.

مثل هذه التفاهمات اعتبرها زيميت “الخيار الأفضل على الطاولة، لأن أي خيار آخر سيكون على الأرجح أسوأ.. نحن في وضع قائم خطير جدا، فإيران على وشك أن تصبح دولة نووية مع إمكانية رفع التخصيب إلى نسبة 90 في المئة”.

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي رأى أن التفاهمات ستكون أقل الشرور، بعد حوالي خمس سنوات على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي

وتابع “في هذه المرحلة، حيث لا يوجد أي بديل آخر أو إمكانية للعودة إلى الاتفاق الأصلي، فإن الأمر الوحيد الممكن تحقيقه هو نوع من نزع فتيل التوتر وتجميد إيران لبرنامجها النووي، وأنا لا أسميه اتفاقا وإنما هو تفاهم”.

والمشكلة الكبرى في هذ السيناريو، وفقا لزيميت، هو أنه “يحافظ على إنجازات إيران النووية، بحيث تحتفظ بكل المواد الخام التي راكمتها، وستواصل إمكانية التخصيب بنسبة 60 في المئة”.

وأردف “هذه أخبار سيئة لإسرائيل لأنها تعني أن إيران على بعد مسافة أسبوعين من الحصول على القدرات النووية، بمعنى أنه إذا ما قررت رفع مستوى التخصيب إلى 90 في المئة فيلزمها أقل من أسبوعين لمراكمة ما يكفي من المواد للتخصيب بهذه النسبة”.

وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإنه “وفقا للإطار الناشئ (التفاهمات)، ستستمر إيران في كونها ‘دولة عتبة نووية’، لأنه لا يتضمن قيودا على قدراتها بل ينص على تجميدها، وبالتالي يعترف بأنها ‘دولة عتبة’ بموافقة الولايات المتحدة ومن دون ضمانات كافية لعدم اختراقها القدرة النووية”.

وأوضح أن “حالة ‘دولة العتبة’ تعني أن إيران ستحتفظ بخيار حيازة أسلحة نووية عندما تقرر أن الظروف تسمح أو تلزمها في رأيها بالانتقال إلى القدرة النووية العسكرية، وهذا يخلق تهديدا مستمرا لإسرائيل، بسبب عدم توقع تفكيك هذه القدرة”.

لكن زيميت رأى أن التوصل إلى مثل هذا التفاهم “قد يمثل فرصة أيضا لإسرائيل، فإيران لن تراكم مواد بتخصيب أكثر من المستوى الذي وصلت إليه بالفعل، وربما توافق على ألا تصل نسبة التخصيب إلى 90 في المئة، وهو المستوى العسكري من التخصيب”.

وأردف “ولذا فإن الفرص هي أن التفاهم قد يمنحنا ذلك الوقت وربما ينزع فتيل تصعيد الوضع”.

خطأ إستراتيجي
هناك اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بما يسمى “دبلوماسية الخطوة خطوة”، لصياغة تفاهمات بديلة عن الاتفاق النووي

رأى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن تلك التفاهمات ستكون “أقل الشرور.. اليوم، بعد حوالي خمس سنوات، من الواضح أن انسحاب الرئيس ترامب أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة كان خطأ إستراتيجيا”.

وأوضح أن “منذ ذلك الحين، تدهور موقف إسرائيل الإستراتيجي في مواجهة التهديد النووي الإيراني، وأصبح استمرار التعزيز الإيراني على المسار الحالي خطيرا”.

المعهد رأى أيضا أن “على الرغم من أن التفاهمات الناشئة بعيدة كل البعد عن أن تكون شبيهة باتفاق 2015، ولا تهدف إلى حل المشكلة النووية الإيرانية، فإن أي تقييد للبرنامج الإيراني هو خطوة إيجابية لإسرائيل وأفضل من الوضع القائم الذي يعني تقدم إيران نحو سلاح نووي دون آليات تقييد”.

وأضاف أن “إطار العمل سيمنع إيران من تكديس ما يتجاوز 60 في المئة من المواد المخصبة أو تخصيب اليورانيوم فوق هذا المستوى، وهو إنجاز مهم يجب عدم التعامل معه باستخفاف”.

وفي الأشهر الأخيرة، لوحت إسرائيل بالتحرك عسكريا ضد البرنامج النووي الإيراني. لكن زيميت لم يملك إجابة محددة عن ماهية “الخط الأحمر” الذي ستتحرك إسرائيل عسكريا في حال تخطته إيران.

وقال “هذا سؤال من الصعب جدا الإجابة عنه، فلست متأكدا من أن إسرائيل نفسها قد قررت ما هو الخط الأحمر”.

وأضاف “إذا سألتني قبل 5 سنوات لكنت قلت لك إن الجواب هو التخصيب بنسبة 90 في المئة، لكن اليوم أنا لست متأكدا، وحتى لو قررت إيران التخصيب بنسبة 90 في المئة فهذا لا يعني أنها جددت عملية عسكرة برنامجها النووي، فهي ستكون على مسافة 6 أشهر إلى عامين من إنتاج سلاح نووي”.

وتابع زيميت “ولذا فإن إسرائيل قد تعتبر التخصيب بنسبة 90 في المئة الخط الأحمر، وربما تعتبر قرار إيران تجديد عسكرة برنامجها النووي هو الخط الأحمر”.

وختم بقوله “علينا أن نتذكر أن الخط الأحمر الأميركي قد يكون مختلفا عن نظيره الإسرائيلي، ولذا فحتى لو اعتبرت إسرائيل التخصيب بنسبة 90 في المئة خطا أحمر، فهذا لا يعني بالضرورة أن يكون هذا هو أيضا موقف الولايات المتحدة”.

العرب