كل عام تحتفل السلطة الفلسطينية في رام الله بيوم الاستقلال، وفي دول كثيرة في العالم لدى السلطة الفلسطينية سفراء يمثلونها. ومن يعود للتاريخ وخاصة للعام 1993، سيجد بأن السلطة الفلسطينية في رام الله والضفة الغربية وغزة نشأت منذ عام 1994 من جراء اتفاق اوسلو الشهير الموقع عام 1993 بين قيادة ياسر عرفات في حركة فتح ومنظمة التحرير وبين دولة إسرائيل، وقد تم ذلك الاتفاق بعد مقاومة فلسطينية باسلة ومواجهات وحروب مع الاحتلال الاسرائيلي لم تتوقف منذ انطلاقة حركة فتح في العام 1965 . لقد نص اتفاق أوسلو الموقع رسميا بصفته اتفاقا مرحليا على نشوء سلطة فلسطينية في الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 وذلك كإطار ممهد لتسوية سلمية دائمه.
لكن إسرائيل وضعت على السلطة الفلسطينية التي ستنشأ في الضفة الغربية وغزة شروطا قاسية. ففي البداية ستنشأ السلطة الفلسطينية عام 1994 على جزء من مناطق الضفة الغربية المحتلة، ثم بعد ثلاثة أعوام من نشوئها تبدأ المفاوضات على القضايا الأساسية على أن تنتهي تلك المفاوضات خلال عامين. وهذا عنى أن مدة اتفاق أوسلو حددت بخمس سنوات. لقد دفعت إسرائيل جميع القضايا الخاصة باللاجئين والقدس والسيادة والمستوطنات والارض والحدود والمياه وحق العودة للسنة الثالثة من نشوء السلطة.
وبنفس الوقت قسمت إسرائيل الضفة الغربية منذ بداية نشوء السلطة الفلسطينية لثلاث مناطق هي المنطقة (أ ) التي تخضع للسلطة الفلسطينية، و تشمل المدن الأساسية ومحيطها في الضفة الغربية ما عدا القدس، ثم المنطقة (ب) التي تشمل الكثير من القرى وهي مناطق خاضعة للإدارة الأمنية الاسرائيلية وإن كانت السيطرة السياسية للسلطة الفلسطينية، أما مناطق (ج)، وهي أكثر من 40٪ من مناطق الضفة الغربية فتقع بالكامل تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، وقد ربطت اسرائيل مصير مناطق أ ثم ب ومناطق ج بالمفاوضات على الحل النهائي والتي تبدأ في السنة الثالثة لنشوء السلطة الفلسطينية. كما أن إسرائيل فرضت اتفاقا اقتصاديا ضرب قدرات السلطة الفلسطينية على النمو الاقتصادي والاستقلال المالي وحرية المرور عبر المعابر.
وفي الممارسة العملية لم ينجح اتفاق اوسلو في التمهيد لدولة فلسطينية مستقلة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين الأكثر جدية في تطبيق الاتفاق تم قتله بواسطة متطرف يهودي في العام 1995. لهذا بعد 25 عاما على اتفاق أوسلو تحولت فكرة السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المستقلة لحالة حكم ذاتي محدود في مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما انتهى التفاوض على اللاجئين والسيادة والقدس والمستوطنات للاشئ ولعدم اتفاق. أما غزة فتحولت نحو سلطة حماس، كما أن حال غزة يشبه حال السلطة الفلسطينية وذلك من حيث الاختناق وحالة الحكم الذاتي المحدود. لكن حال غزة أكثر صعوبة بحكم الحصار الشامل. لقد سقط اتفاق أوسلو منذ زمن طويل.
ان الموجه الصهيونية التي انطلقت بقوة بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين عام 1995 هي التي نسفت حل الدولتين. فقد أرسلت الصهيونية بحدود 800 ألف مستوطن للاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس. هذا الحدث هو المسـؤول عن إنهاء أسس الدولة الفلسطينية المستقلة لأنه عزل الضفة الغربية عن مجالها الحيوي وعن العاصمة المرتقبة في القدس، كما أنه قطع الضفة الغربية بواسطة مستوطنات اسرائيلية انتشرت في كل مكان وقرب كل مدينة فلسطينية. إن القرارات الاسرائيلية الاستيطانية بالإضافة للقوانين الاسرائيلية التي تشمل كل فلسطين جعل حل الدولتين غير ممكن.
لقد وحد اليمين الإسرائيلي كل الأرض التاريخية في فلسطين، لكنه لم ينتبه بأن كل ضم للسكان الفلسطينيين وأراضيهم لدولة إسرائيل يمثل بداية اهتزاز لقواعد يهودية الدولة. ربما يعتقد اليمين الاسرائيلي بأن العرب سيختفون فجأة، ام أن حربا كبيرة ستقع ويتم تهجير المواطنين العرب بالقوة كما حصل في نكبة 1948، أو ربما يعتقد اليمين أنه يستطيع ان يبقي العرب تحت سيطرة الدولة اليهودية وسلوكها العنصري الى الابد.
ما لا تعيه الحركة الصهيونية انها أدخلت إسرائيل بحالة أبارتايد تزداد عمقا. والأبارتايد هو سياسة رسمية للفصل العنصري أساسها التميز العنصري السياسي والقانوني والاقتصادي ضد سكان البلاد الأصليين. ويصح القول إن الأبارتايد بدأ مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، لكنه تغير مع الوقت وأخذ اشكالا مختلفة أكثر تطرفا. لقد مورس الأبارتايد على الشعب الفلسطيني المتبقي، فيما أصبح أسرائيل في 1948، ومورس على المناطق التي تم احتلالها عام 1967، وهو يمارس اليوم بصورة أكثر فجاجة ووضوحا. الأبارتايد في هذا الإطار زحف زحفا وتطور مع الوقت إلى أن وصل للحالة الراهنة. انه نظام عنصري لايزال قيد التطور والنمو.
ستقاتل إسرائيل بكل ما لديها من قوة لإدامة هذه اللحظة: لحظة السيطرة على كل الارض ولحظة وضع الفلسطينيين تحت سلطة نظام عنصري صارم. لكن المقاومة التي تنبع من المجتمع الفلسطيني هي الأخرى ترفض ادامة هذه اللحظة، بل ستسعى لإنهائها. إن مقاومة الأبارتايد ستعني عدم القبول بنتائج الاستيطان والتهويد والتميز العنصري في الانتقال والإقامة والحقوق المدنية والسياسية وحق الملكية والمعاملة، وستعني في نفس الوقت المطالبة بالعدالة والمساواة، وستعني الحق بالمكان والأرض والمنزل وحق العودة. ما هو قادم في الصراع مع الصهيونية ليس حل الدولتين، بل مواجهة الأبارتايد والتفرقة والعنصرية والاحتلال الدائم، وهو يعني سعي لبناء أوسع جبهة تحالفات لمواجهة العنصرية الصهيونية. ما يقع اليوم بداية لمرحلة طويلة من النضال بل بداية عودة لشعار قديم طرحته الحركة الفلسطينية في الستينيات: دولة واحدة لكل مواطنيها.
القدس العربي