اياد العناز
أتت المعطيات والغايات الأمريكية الإيرانية في غير ما كان يتوقع المتابعون لجلسات المفاوضات بين الدولتين والتي كان من المفترض عقد الجلسة الرابعة لها في الثالث من آيار 2025، ولكن البيان الذي أعلنه وزير الخارجية العُماني بتأجيل جولة المفاوضات الرابعة لوقت لاحق، وأن هناك أسباب لوجيستية وراء تأجيل الحوار المشترك بين واشنطن وطهران،
َرغم مساحة الإطلاق السياسي لكلمة ( لوجستي) دون إعطاء توضيحات يمكن الاستدلال منها عن الأسباب الموجبة لتأجيل عقد المفاوضات، إلا أن الجانب الأمريكي أعلن أستئناف المباحثات بوقت لاحق، وهو تعليق مقتضب لا يوصل لحقيقة ميدانية تفصح عن الأسباب الرئيسية لعملية التأجيل ولم تؤكد واشنطن مشاركتها في جولة رابعة ولم تحدد موعد لجولة أخرى قادمة، ولكن الإيرانيين كانوا أكثر امتعاضًا بقولهم ( أن المحادثات الإيرانية الأميركية ستجرى في موعد مختلف وذلك بناء على السلوك الأميركي، وهي إشارة للعقوبات التي طالت عدد من الكيانات والأشخاص المتعاملين مع طهران ضمن سياسة الحد الأقصى التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية في مواجهة أي جهة تحاول الالتفاف عن البنود الواردة في التعليمات التي اقرت ضد إيران، والتي ترى القيادة الإيرانية أنها لا تساعد على إعطاء الفسحة الكاملة للعملية الدبلوماسية التي تساهم في حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني.
جاءت عملية تأجيل الجولة الرابعة بعد عدد من الوقائع والأحداث التي نرى أنها ساهمت في التوقف عن المفاوضات، وإذا ما استثنينا ما قاله وزير الخارجية العُماني حول وجود اسباب لوجستية وهي التي تعني عدم تهيئة الأجواء الملائمة لعقد جلسة الحوار وعدم الاعداد السليم لها كما كانت في الجولات السابقة ووجود بعض الاشكالات الإدارية والسوقية التي أثرت على عملية انعقاد المفاوضات، إلا أن بعض التصريحات التي وردت من القيادة الإيرانية أكدت ان العقبة المهمة في المناقشات هي ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية وليس تخصيب اليورانيوم ورغم الاتفاق الذي تم في العاصمة الايطالية ( روما) على وضع إطار لحل الخلاف القائم بشأن البرنامج النووي بإنهاء عملية التخصيب أو التنازل عن كل الكميات الخاصة باليورانيوم المخصب، ولكن لا تزال هناك آليات لكيفية التعامل مع تنفيذ هذه الخطوات.
ثم كان للعقوبات التي استهدفت سبعة كيانات تعمل في تجارة النفط الإيراني ومنتجات البتروكيمياويات وتستهدف بالتحديد سفينتين كانتا جزءا من شركة إدارة بحرية خاضعة للعقوبات لعبت دورا مهما في سلسلة توريد الطاقة الخام الإيرانية، آثرًا واضحاً في الانزعاج الإيراني الذي عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي بأنه يمثل ( النهج المتناقض لصناع القرار الأميركيين وافتقارهم لحسن النية والجدية في دفع مسارات الدبلوماسية).
والقت الزيارة التفقدية التي قام بها قائد قوات المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا لعدد من الأقطار العربية وختمها بالاجتماع مع القيادة العسكرية الإسرائيلية التي استمر أكثر من 10 ساعات، والتي جاءت بعد الجولة الثالثة ورافقها ارسال وزارة الدفاع الأمريكية قوات عسكرية جديدة للشرق الأوسط لتضاف للقوات التي حشدتها الولايات المتحدة الأمريكية في قاعدة دييغو غارسيا، وتلقي بظلالها على الموقف الإيراني من السلوك الأمريكي والذي تراه متناقضًا مع الحرص الذي أبداه المفاوض الأمريكي في جولات الحوار الثلاثة.
ولهذا فإن الجانب الإيراني يرى في هذه المتناقضات استفزازًا له، وأن تقديم أي تنازلات في المفاوضات تعني فشله في الوصول لطموحاته بأن يكون محاورًا وشريكًا مهمًا ساعيًا لرفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة، وأهدافه في الحفاظ على مكانة إيران السياسية وتأثيراتها في أي متغيرات قادمة في الشرق الأوسط، والتطلع للانتقال إلى بحث الآليات التقنية والفنية المتعلقة بالأنشطة النووية والتي تم مناقشتها من قبل اللجان الفنية التي حضرت مسارات الجولة الثالثة.
ولكن هناك أمر أكثر أهمية ساهم في تأجيل انعقاد الجولة الرابعة ما أعلنه
وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو بتاريخ 30 نيسان 2025 عن فرض عقوبات جديدة على سبعة كيانات متورطة في تجارة المنتجات النفطية والبتروكيميائية الإيرانية، بالإضافة إلى تصنيف سفينتين على أنهما ممتلكات محظورة لارتباطهما بتلك التجارة، وأن هذه العقوبات تأتي في إطار الجهود الأمريكية المستمرة للحد من قدرة إيران على تمويل برامجها النووية والصاروخية، وتقويض أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وأخيراً تبقى رسالة وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث إلى إيران بتاريخ الأول من شهر آيار 2025 والتي كانت واضحة في معانيها وأفاق مراميها بقوله للقيادة الإيرانية
(نرى دعمكم الفتاك للحوثيين ونعرف ما تفعلونه، وأنتم تدركون ما يستطيع الجيش الأميركي فعله، وستدفعون الثمن في الوقت والمكان الذي نختاره) ، تعتبر رسالة تهديد ووعيد اذا لم تبتعد إيران عن الدعم العسكري والمساعدة الميدانية التي تقدمها للحوثيين وتوقف عملية التدخل المباشر في تنفيذ سياستها الإقليمية ومشروعها السياسي، وهي احد البنود المهمة التي تناقش في جولات التفاوض المشتركة.
ومع كل هذه الأحداث والوقائع، يأتي تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي من ( أن طهران ستواصل المشاركة بجدية وحزم في مفاوضات تستهدف تحقيق نتائج مع الولايات المتحدة).
تدرك إيران لا مجال لمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الإيراني إلا بالاستمرار بالمفاوضات وصولاً لرفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة واتخاذ القرار السياسي الخاص الاحتفاظ بكمية من تخصيب اليورانيوم والطرود المركزية بحيث لا تؤدي إلى إنتاج الأسلحة النووية وهي إحدى المضامين التي وردت في رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة الإيرانية، وترغب طهران في استمرار المفاوضات مهما كانت النتائج ومهما حدثت من وقائع وصدرت من تصريحات، الغاية الإيرانية والهدف الرئيسي لها الخروج من عنق الزجاجة والحفاظ على وجودها وديمومة نظامها السياسي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة