الجولة الرابعة بين النسيج الإيراني والقبول الأمريكي

الجولة الرابعة بين النسيج الإيراني والقبول الأمريكي

اياد العناز

بدأت إيران تُعبد الطريق لنجاح مفاوضات الجولة الرابعة التي ستكون برعاية وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، عبر التصريحات الرسمية لعدد من المسؤولين الإيرانيين حول الانفجار الكبير الذي طال المخازن الرئيسية في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس، التي استبعدت فرضية العمل التخريبي أو الإستخباري عبر جهة إقليمية أو داخلية استهدفت الميناء، ومنها ما صرح به وزير الداخلية الإيراني اسكندر مؤمني بأن ( انفجار ميناء رجائي ناتج عن الإهمال ويتم التحقيق مع عدد المنتسبين بما حدث)، ودعمت الموقف الحكومي الصحافة الإيرانية بما نشرته من معلومات ميدانية تتعلق بأسباب ونتائج الانفجار، ومنها ما جاء في صحيفة فارس الإيرانية التي كتبت تقول ( مواد خطرة استوردها القطاع الخاص وخزنت بطريقة خاطئة سبب انفجار ميناء رجائي).
أن الغاية الفعلية من هذه الاقاويل تندرج في طبيعة السياسية الإيرانية وثوابتها في التعامل مع الأحداث التي تمر بها البلاد مهما كانت تأثيراتها ونتائجها وخسائرها فإنها تنظر إلى الآفاق المستقبلية والمصالح العليا في التعامل معها وفق المعطيات الميدانية التي ترافق الحدث وبما لا يشكل أي تأثير على مواقفها السياسية، وبما أن الانفجار تزامن مع عقد الجولة الثالثة للمفاوضات وبغية التواصل في الحوار المشترك بين واشنطن وطهران، فإن المصلحة السياسية الإيرانية ترى عدم الخوض في التفاصيل أو التحقيقات الواسعة التي من الممكن أن تتوصل إلى أن هناك عمل عدوان وفعل تخريبي استهدف ميناء رجائي، لأن أي نتيجة سلبية ستشكل عامل مهم يساهم في إيقاف المفاوضات والتأثير على استمراها، في وقت تسعى إيران للوصول إلى اتفاق يفضي الي رفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة،كما أن الإقرار بعمل استباقي استخباري من قبل إسرائيل يعرض الأجهزة الأمنية الإيرانية إلى التساؤل من قبل الداخل الإيراني ممثلًا بابناء الشعوب الإيرانية حول مدى فعاليتها مع مواجهة الأخطار التي تصيب الأمن الوطني والقومي الإيراني وأين هي من خططها الاستخبارية ونشاطها الميداني الذي تدعيه؟
وأن أي موقف سياسي من القيادة الإيرانية باتهام الجانب الإسرائيلي أو أي جهة دولية يعني عمليًا إيقاف المفاوضات لكي تحفظ مكانتها وموقفها من شعبها، وهو ما تراه يتعارض مع ثوابتها في السعي لابقاء جولات الحوار تحقيقًا لغاياتها ومصالحها في إنهاء العمل بالملف النووي وعودة لدورها السياسي والريادي.
وسعت إيران إلى توضيح موقفها من الجولة الرابعة مستبقة أي متغيرات ميدانية أو أحداث سياسية وأكدت على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي ( أن المفاوضات الإيرانية الأميركية مستمرة في مسارها القائم، وأن الأموال المجمدة جزء من العقوبات التي يجب رفعها)،ولكن الأمر الأهم في حديثه كان التوجه للدول الأوربية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) التراجع عن سياستها تجاه إيران مع استعداده لعقد جولة حوارية مع الدول الأوروبية في روما.
ثم جاء الفاعل الجديد في السلوك الإيراني لدعم التفاوض في الجولة الرابعة بإعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ( إسماعيل بقائي) بأن لا مانع لدى إيران من إمكانية مشاركة أمريكا في بناء مفاعل نووي على الأراضي الإيرانية، تصريح يعكس الحرص الكبير والأمل المنشود الذي تعمل عليه طهران في إنجاح حواراتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودعوتها للتحقق من صحة ما تدعيه حول سلامة برنامجها النووي واستعدادها للالتزام بما ستمضي إليه نتائج المفاوضات في تحديد نسب اليورانيوم المخصب وكميات أجهزة الطرد المركزي المخزونة والمواد الانشطارية، والدعوة الإيرانية أساسها تحقق واشنطن وعلمائها من نوايا القيادة الإيرانية وسعيها لامتلاك القنبلة النووية، وإيقاف الإجراءات الأمريكية بخصوص دعم العقوبات على الكيانات والأشخاص المتعاملين مع إيران في إطار خرقهم لنظام العقوبات في حدوده القصوى، فقبل الجولة الأولى نشرت واشنطن قوات عسكرية كبيرة بالقرب من إيران وأطلقت عدد من العقوبات ضدها، ثم كانت جولة الحوار في العاصمة الإيطالية ( روما) وفرضت فيها وزارة الخزانة المالية الأمريكية عقوبات على عدد من الكيانات التي تعاملت مع طهران خلافًا للتعليمات الواردة في سياسية العقوبات القصوى التي اقرتها الإدارة الأميركية وكان اخر ما اتخذته من إجراءات بتاريخ الثاني والعشرين من شهر نيسان 2025 والتي اعتبرته صحيفة ( كيهان) الإيرانية القريبة من المرشد الأعلى علي خامنئي أنها تعكس ( توقيت غير برئ) ورأيت ضرورة القيام باتخاذات خطوات مماثلة تتعلق انسحاب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وإغلاق مضيق هرمز أمام السفن العسكرية والتجارية.
أن الدعوة الإيرانية للمشاركة الأمريكية في بناء مفاعل نووي إيراني، تأتي ضمن سياسة تقديم الحوافز والاغراءات المالية لتشجيع الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار التفاوض واتباع سياسة الالتقاء والبقاء بدلًا من الخلاف والافتراق،ويؤشر على رغبة جامحة لإيران في الوصول لاتفاق نووي دائم وفق المنظور الأمريكي الذي يعمل على تحقيق أهدافه في حل مسألة النشاط النووي الإيراني قبل شهر حزيران، التزامًا من المفاوض الأمريكي في المدة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في رسالته للمرشد علي خامنئي.
تسعى القيادة الإيرانية من تعزيز فكرة التعاون مع الإدارة الأميركية لتامين مصالحها وعوائدها من أي اتفاق قادم عبر ربطها بترغيب واشنطن بالاستثمارات المالية وإمكانية التعاون النووي وتنشيط فعالية تواجد الشركات الأمريكية وعملها في الأسواق الإيرانية، لذلك سيكون التركيز في الجولة الرابعة على رفع العقوبات الاقتصادية ليتمكن المستثمرون الامريكان من التأكد من عدم مواجهتهم أي عقوبات أو مشاكل ميدانية مع ادارتهم وفتح الطريق أمام الوجود الأمريكي في ساحة الاقتصاد الإيراني.
وستعمل إيران على تحقيق رؤيتها في رسم ملامح اتفاق جديد يختلف عن ما اتفق عليه في تموز 2015، بعرض التعاون المباشر مع واشنطن والتفاهم حول المصالح المشتركة بينهما في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي من أجل تحقيق افضل حالات التواصل والتلاقي بينهما وتخفيف الاعباء عن الإدارة الأمريكية وتعزيز مصالحها في المنطقة.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة