اياد العناز
اربع ساعات كانت كفيلة بتبادل الاراء والمقترحات وبيان موقف كل من ممثل الإدارة الأمريكية ستيفن ويتكوف وعباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني من وضع معايير مشتركة للبدأ في حوارات كانت مرتكزاتها رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورد القيادة الإيرانية عليها، وأخذت أبعاد متباينة في وضع أولويات للمناقشة وابداء الرؤى التي تخدم الأهداف والقواسم المشتركة للدولتين. رغم أن المفاوضات كانت غير مباشرة واعطت للوسيط العُماني وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي، الذي عقدت المفاوضات في منزله المعروف باسم ( بيت الهائل) والذي يقع على بُعد أقل من 10 دقائق من مطار العاصمة مسقط، ويُعتبر ملتقى لكبار المسؤولين الحكوميين من الغرب والشرق الأوسط. شارك في المحادثات 13 شخصًا منهم (5) أمريكيين و(5) إيرانيين و(3) عُمانيين،وتبادل وزير الخارجية العُماني الرسائل التي بلغ عددها أربعة رسائل باللغة الإنجليزية بين الجانب الأمريكي والجانب الإيراني. إذا ما أخذنا صورة أولية عن ما دار في هذه المباحثات وألقينا نظرة فاحصة لما تم تداوله بشكل واضح، يمكن لدينا أن نستدل إلى نقاط جوهرية كانت هي الأساس في توجيه سير المباحثات، أنها اتسمت بالهدوء السياسي والحوار الدبلوماسي الذي قاده الوسيط العربي العُماني عبر تبادل الرسائل بين الطرفين، ونرى فيه الحرص الذي ابدته إيران بالتمسك في تأمين أهدافها وغاياتها وتعزيز موقفها الذي كان يمثل رؤية القيادة الإيرانية التي تعامل معها ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس ترامب بشكل جدي مع التزامه بالثوابت والأسس التي تضمنها الشروط الأمريكية،بأن لا يعمل على إطالة أمد المفاوضات بل السعي للعمل ضمن الفترة المحددة بشهرين والتي أكد عليها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، على أن تراعي فيها حل الخلافات وفهم المشتركات وتحديد الصيغ الواقعية لمجمل المناقشات الواردة بين واشنطن وطهران عبر الحوار والدبلوماسية وابداء الاراء المشتركة وصولاً لحلول جذرية تنطلق منها نقاط جوهرية لتحديد الآفاق المستقبلية لاتفاق سياسي يوصل إلى نتائج إيجابية تخص البرنامج النووي الإيراني والوسائل الفاعلة في برنامجي الصواريخ الاستراتيجية والطائرات المسيرة والدور الإقليمي للمشروع السياسي الإيراني، في جولة أولى تم اعتبارها خطوة للأمام. اعتمد الجانب الأمريكي صيغة التبادل الجاد والحوار المثمر وعدم الإطالة وتحديد المهام المطلوبة من إيران، واتسمت هذه الرسائل بالجدية وعدم الالتفاف على المبادئ الأساسية الواردة في رسالة الرئيس الأمريكي ترامب،مع لفت أنظار الإيرانيين إلى أن الغاية ليست هي محادثات وتبادل رسائل وإنما اتفاق تحدده أدوات وفاعلية وجدية الحوارات والمفاوضات ويكون مداه قصيرًا وبعيدًا عن الإطالة واستغلال الوقت. سعت إيران لتحديد بعض من مطالبها وأهمها رفع العقوبات الاقتصادية التي انهكت وضعها السياسي والاجتماعي وادت إلى أزمات كبيرة القت بظلالها على الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني واضعفت قدرة الدوائر الحكومية الإيرانية في مواجهتها وإيجاد الحلول لها مما أدى إلى تعاظم خطورتها وخروج أبناء الشعوب الإيرانية بتظاهرات واحتجاجات تندد بسياسة النظام وتعترض على سياسته الخارجية والداخلية،كما حرص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على ابداء المرونة في موضوع تفكيك البرنامج النووي وفق الصلاحيات التي منحت له من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي في تجنب إيران أي ضربات عسكرية والحفاظ على نظامها السياسي وفق معطيات ووعود أمريكية وضمانات سياسية حقيقية،تساهم في تهدئة التوترات الإقليمية والالتزام بتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وابدت إيران مرونة سياسية عندما طرحت موضوع قبولها زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيفن ويتكوف إلى إيران اذا ما أيقنت أن لطروحات والأفكار الأمريكية قابلة للمناقشة والاستماع اليها. الأبعاد الحقيقية لبدأ المفاوضات أخذت جوانب مهمة تتعلق بالثوابت السياسية الإيرانية التي تعمل على تعزيز مكانتها والحفاظ على مستقبل نظامها والالتزام بالمعايير المشتركة في المفاوضات السياسية مقابل القبول بالعودة إلى أولويات ومرتكزات الاتفاق الذي ابرم في تموز 2015 بخصوص البرنامج النووي الإيراني والذي رعته دول (5+1) في حينها، وهي ما تعمل على تثبيته الإدارة الأمريكية باعطائها دور حيوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عودتها لطهران وقيامه بمهامها الأساسية في المتابعة والمراقبة وعودة مفتشيها والسماح لهم بزيارة جميع المواقع والمنشأت النووية. وبغية مخاطبة الداخل الإيراني وإظهار سياسة الممانعة والقوة في إدارة المفاوضات من قبل الجانب الإيراني لتعزيز مكانة النظام لدى الشعوب الإيرانية وإعطاء صورة مغايرة لما اتفق عليه في يوم الثاني عشر من نيسان 2025 باستمرار المفاوضات واحتمالية عقدها في عاصمة أوربية أو الابقاء عليها في مسقط،يأتي تصريح عضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري من أن إيران تمتلك ( خطوط حمراء لن تتفاوض حولها خلال محادثات عُمان مثل القدرات الدفاعية والصاروخية)، وإذا ما نوقشت أي مواضيع أخرى بعيدة عن الملف النووي فيعني توقف المفاوضات فورًا، وأن إيران سوف لا تتوقف عن تخصيب اليورانيوم إلا بعد رفع جميع العقوبات الأمريكية والاوربية بشكل علمي، وهي ما تتناقض وما تم الإشارة إليه أثناء تبادل الرسائل بين المبعوث الأمريكي والإيراني عبر الوسيط العُماني. تبقى التطورات السياسية والمواقف الأمريكية والإيرانية كفيلة بما سيتم تحقيقه والوصول إليه في الجولة الثانية من المفاوضات، وما ستؤول إليه الردود الإيرانية في التعامل الجدي مع الرسالة الأمريكية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث الدراسات الاستراتجية