القمع والمناورات السياسية تذكي موجة الاحتجاجات في العراق

القمع والمناورات السياسية تذكي موجة الاحتجاجات في العراق


المنحى التصاعدي للاحتجاجات في العراق يظهر فشل كل محاولات وقفها عبر القمع والمناورات السياسية، الأمر الذي يضع النظام القائم في مأزق شديد، وهو الذي فشل في الحفاظ على تماسكه ووحدته الداخلية، وبدأت الخلافات الحادة تهزّ أركانه بعد أن فشل كبار أعمدته في التوافق على من يسد الفراغ الناجم عن استقالة رئيس الحكومة.

الناصرية (العراق) – سلكت موجة الاحتجاجات الجارية في العراق منذ حوالي ثلاثة أشهر، الأحد، منحى جديدا من التصعيد عكس إصرار المحتجّين على تحقيق مطالبهم وأظهر فشل جميع محاولات إخماد الحراك باستخدام القمع الشديد حينا، وباعتماد المناورات السياسية حينا آخر.

ووجّه المتظاهرون مجدّدا غضبهم صوب حلفاء إيران في العراق المسيطرين بشكل أساسي على مقاليد الدولة، في وقت واصلوا فيه محاولة شلّ مرافق حيوية، على رأسها المنشآت النفطية التي شهدت لأول مرّة توقّفا جزئيا عن الإنتاج بسبب ضغط المحتجّين.

ويكرّس تصاعد الاحتجاجات أزمة النظام القائم في البلاد بقيادة الأحزاب الشيعية، حيث عجز السياسيون عن سدّ الفراغ الناجم عن استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بفعل خلافاتهم حول ترشيح شخصية مقبولة لتشكيل حكومة جديدة.

وأصبح رئيس الجمهورية برهم صالح في مرمى نيران شركائه بالعملية السياسية بسبب رفضه تكليف مرشّح تحالف البناء المقّرب من إيران رئاسة الوزراء.

وأضرم المحتجون، الأحد، النيران في مبنى مقر ميليشيا عصائب أهل الحق بحي أم الخيل وسط مدينة الديوانية جنوبي العراق. وهذه ثالث مرة يهاجم فيها المحتجون مقرّ الميليشيا التي يتزعمها قيس الخزعلي، منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع أكتوبر الماضي.

ولا يبدو تركيز المحتجين على العصائب اعتباطيا، فهي رمز للتشدّد والاستماتة في تأمين النفوذ الإيراني في العراق والدفاع عنه، وهي ضالعة بقوّة في قمع الاحتجاجات. وقد تزعّم قائدها الخزعلي الحملة على الرئيس صالح بسبب رفضه قبول ترشيح محافظ البصرة أسعد العيداني لتشكيل الحكومة.

وواصل المئات من المحتجّين، الأحد ولليوم الثاني على التوالي، محاصرة حقل الناصرية النفطي جنوبي العاصمة بغداد الذي توقف الإنتاج فيه، في سابقة منذ بدء الاحتجاجات قبل نحو ثلاثة أشهر.

وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد في بيان رسمي إنّ “الوزارة أوقفت عمليات الإنتاج في حقل الناصرية بشكل مؤقت لعدم تمكّن موظفي الحقل من الوصول إلى أماكن عملهم بسبب قطع الطريق من قبل المتظاهرين”. وأشار إلى أنّ عملية الإيقاف لم تؤثر على عمليات الإنتاج والتصدير التي سيتم تعويضها من شركة نفط البصرة.

والعراق هو خامس أكبر مصدّر للنفط في العالم. ويصدر نحو 3.4 مليون برميل يوميا من ميناء البصرة تشكل عائداتها ما يقارب تسعين بالمئة من ميزانية البلاد.

ورغم الثروة النفطية الهائلة، يعيش واحد من كل خمسة أشخاص في العراق تحت خط الفقر، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 25 في المئة، بحسب البنك الدولي.

وتواصلت الاحتجاجات في بغداد وغالبية مدن جنوب العراق للمطالبة بتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على مقدرات البلاد ويتهمها المحتجون بالفساد والتبعية لإيران.

وأدت هذه الاحتجاجات إلى شلل في العديد من مدن البلاد، بينها الحلة والكوت والعمارة والنجف. ففي الديوانية، أعلن متظاهرون الأحد الإضراب العام وأغلقوا غالبية الدوائر الحكومية ومنعوا الموظفين من الالتحاق بوظائفهم. كما أغلق المئات من المتظاهرين جسري النصر والحضارات على نهرالفرات واللذين يربطان جانبي مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.

ودفع ضغط الشارع، رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى الاستقالة في نهاية نوفمبر الماضي، لكن الأحزاب السياسية لم تستطع التوصل إلى اتفاق على تسمية رئيس للحكومة المقبلة.

وهدد رئيس الجمهورية برهم صالح، الخميس الماضي، بالاستقالة معلنا رفضه مرشحا قدمه تحالف البناء الموالي لإيران لمنصب رئيس الوزراء إلى البرلمان. وشدد، الأحد خلال استقباله في قصر السلام بالعاصمة بغداد السفير الياباني لدى العراق ناوفومي هاشيموتو، على “احترام إرادة الشعب في الإصلاح ورفض أي تدخل خارجي في السياسة الداخلية”.

ورغم تصويت البرلمان قبل أيام، على إصلاحات للقانون الانتخابي، لا توجد مؤشرات لخطوات باتجاه إجراء انتخابات قريبة.

وقال المتظاهر أسامة علي من ساحة الاحتجاج في مدينة الناصرية لوكالة فرانس برس إنّ الرئيس برهم صالح قطع الطريق أمام محاولات الأحزاب والميليشيات لإجهاض الانتفاضة بهدف حماية مصالحهم. وأضاف “هذا يشجعنا على مواصلة الاحتجاجات السلمية حتى تحقيق أهداف الانتفاضة”.

ويطالب المتظاهرون في عموم العراق بمعالجة الفساد المستشري في البلاد والبطالة التي خلفها تحكم الأحزاب السياسية التي تسيطر على مقدرات البلاد منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين على يد القوات الأميركية. وتعرّضت الاحتجاجات منذ انطلاقها لقمع واسع أدى إلى مقتل قرابة 460 شخصا وإصابة حوالي 25 ألفا. ورغم انخفاض حدة العنف خلال الأيام القليلة الماضية، كشفت مفوضية حقوق الإنسان الحكومية عن وقوع 68 حادث خطف وفقدان على خلفية التظاهرات.

ومن جانبها، توجه مفوضية الأمم المتحدة الاتهام إلى الميليشيات بالقيام بحملة واسعة من عمليات الخطف والاغتيال للمتظاهرين وناشطين في الاحتجاج.

وتعرّض ناشطون لعمليات اغتيال، غالبا ما كانت بالرصاص، بهجمات وقعت شوارع أو أمام منازلهم، وأكد عشرات آخرون من المتظاهرين إنهم تعرضوا لخطف واحتجزوا لساعات أو أيام في منطقة زراعية قرب بغداد قبل أن يتم رميهم على جانب الطريق.

العرب