النجف (العراق) – استدعت خطورة الموقف الناجم عن الضربة الجوية التي وجهتها الولايات المتحدة لإحدى الميليشيات المنضوية ضمن الحشد الشعبي، تدخّل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لتهدئة الموقف والحدّ من تداعياته، لتكسر مرجعية النجف بذلك قرارها عدم الخوض في الشأن السياسي الذي كانت قد أعلنت عنه الأسبوع الماضي وبدأت بتطبيقه الجمعة، حيث لم تتضمّن خطبتها الأسبوعية الماضية أي إشارة إلى التطورات السياسية في البلد رغم كثرتها وتقلّبها.
وأدان السيستاني القصف الأميركي الذي طال موقعا تابعا لحزب الله العراق في محافظة الأنبار غربي البلاد وأسقط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الميليشيا ذات الصلات الوثيقة بإيران، لكنّه اعتبر في الوقت ذاته أنّ “السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها، وهي مدعوّة إلى ذلك وإلى العمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخّل الآخرين في شؤونه الداخلية”.
وعبّرت المرجعية بحصرها الردّ على الخطوة الأميركية بيد السلطات الرسمية، عن مخاوف شرائح واسعة من العراقيين، من أن يتحوّل بلدهم إلى ساحة صراع أميركي إيراني بالوكالة، الأمر الذي سيزيد من تعقيد أوضاع البلد ويعمّق أزمته.
وورد في بيان منسوب إلى مصدر مسؤول في مكتب المرجع الديني نشر على موقع السيستاني على الإنترنت “أن المرجعية الدينية العليا تدين الاعتداء الآثم الذي استهدف جمعا من المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية وأدّى إلى استشهاد وجرح عدد كبير منهم”.
وتعليقا على بيان السيستاني، قال مراقب عراقي إنّه يحتمل قراءة مزدوجة. فهو من جهة انطوى على تنديد معلن بالرد الأميركي، غير أنه في الوقت نفسه لم يعف جهات عراقية من كونها كانت السبب في ما حدث. كما أنه حمّل الحكومة العراقية مسؤولية بسط نفوذها على الأراضي العراقية ومنع الميليشيات من القيام بأفعال عبثية، يدفع العراق ثمنها باهظا. غير أن العقدة تكمن، وفق ذات المتحدّث، في التفاصيل.
وتساءل المراقب العراقي: هل ستكون الدولة العراقية قادرة على التحكم بحركة الميليشيات داخل الاراضي العراقية؟ معتبرا ذلك سؤالا جوهريا يوجه من قبل المرجع الديني إلى الأحزاب التي يجب عليها أن تضبط ميليشياتها في ظل غياب الدولة أو عجزها عن ممارسة دورها القانوني.
وتأسّس الحشد الشعبي سنة 2014 استنادا إلى فتوى دينية من السيستاني لمواجهة تنظيم داعش الذي كان غزا مناطق واسعة من العراق آنذاك، وتشكّل من عشرات الآلاف من المتطوعين وعناصر الميليشيات الشيعية. وتمّ بعد نهاية المعركة العسكرية ضدّ داعش في سنة 2017 الإعلان عن إدماج الحشد ضمن القوات المسلّحة، دون أن يتمّ ذلك بشكل عملي، ودون أن تغيّر الميليشيات المكوّنة له ولاءها الذي تدين به لقادتها وحتى لإيران التي تربطها بها صلات وثيقة.
وغالبا ما يوصف الحشد بأنه بمثابة جيش إيراني داخل الأراضي العراقية تستخدمه إيران في صراع النفوذ الذي تخوضه ضد الولايات المتحدة، وتحاول من خلاله تأمين طريق مفتوح يمتد من أراضيها صوب ضفّة المتوسّط في سوريا ولبنان عبر العراق. ومن هنا جاء قصف الولايات المتحدة لمواقع الحشد في مناطق الوصل بين الأراضي السورية والعراقية، متجاوزا مجرّد الرد على قصف الميليشيات لمواقع تضم قوات أميركية في العراق، إلى العمل على قطع الطريق الذي تريد إيران تأمينه.
ونادرا ما يصدر السيستاني تعليقات على تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية باستثناء أوقات الأزمات، وتحظى مواقفه باحترام شريحة واسعة من العراقيين لاسيما الشيعة في وسط وجنوبي البلاد.
وكانت الولايات المتحدة قد شنت ضربات جوية على كتائب حزب الله العراق، وهي أحد فصائل الحشد الشعبي، في محافظة الأنبار غربي العراق، ما أدى إلى مقتل 28 مقاتلا من الكتائب وإصابة 48 آخرين بجروح.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية، في بيان الأحد، إن هذه الضربات تأتي ردا على هجمات صاروخية شنتها الكتائب على قواعد عسكرية عراقية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أميركيين، أحدثها هجوم استهدف قبل 3 أيام قاعدة “كي وان” في كركوك بشمال البلاد، ما أدى إلى مقتل متعاقد مدني أميركي وإصابة أربعة من أفراد الخدمة الأميركية واثنين من قوات الأمن العراقية.
ولم توضح الوزارة الأميركية كيف تم تنفيذ الضربات، بينما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول عسكري أميركي أن الضربات جرى تنفيذها عبر مقاتلات من طراز إف15، دون أن يذكر من أين انطلقت.
ويتهم مسؤولون أميركيون إيران بشن هجمات صاروخية ضد قواعد عسكرية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أميركيين في العراق عبر وكلائها من الفصائل الشيعية العراقية، وهو ما تنفيه طهران.
ويتصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وهما حليفتان لبغداد، وسط مخاوف من تحول العراق إلى ساحة صراع بين الدولتين. وينتشر نحو خمسة آلاف جندي أميركي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.
العرب