يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاهل الخبراء، كما الأحزاب السياسية، الذين حذروا من تداعيات المضيّ قُدما في مشروع حفر قناة إسطنبول في وقت تمرّ فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة. ويرى متابعون للشأن التركي أن تمسّك أردوغان بالمشروع يأتي من باب محاولته تسجيل نقاط سياسية ضد خصومه الذين هزموه في الانتخابات المحلية في مارس الماضي لا من ناحية المنافع الاقتصادية التي شكك فيها معظم الخبراء.
أنقرة – أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، عزم وتصميم بلاده على شق قناة إسطنبول الجديدة، الهادفة إلى وصل بحر مرمرة بالبحر الأسود، على الرغم من المعارضة الشديدة التي يلقاها المشروع من قبل خبراء للبيئة وسياسيين أتراك.
وفي تجاهل لجميع الأصوات حتى العلمية منها، أوضح أردوغان أن حكومة بلاده ستنجز مشروع قناة إسطنبول رغم المعارضة التي يواجهها المشروع.
وقال “سننجز مشروع قناة إسطنبول وفق مبدأ ‘الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية’، أو عبر ميزانيتنا، فتركيا لديها القدرة على إنجاز هذا المشروع بإمكاناتها الذاتية”.
وشكّك منتقدون بينهم اتحاد الغرف التركية للمهندسين والمهندسين المعماريين في تركيا في الحاجة لحفر القناة، وحذّروا من أن المشروع سيدمر موقعا أثريا قريبا من إسطنبول يعود تاريخه إلى 8500 عام وسيتسبب في ضرر بيئي واسع النطاق.
ويريد أردوغان تنفيذ مشروع قناة إسطنبول الجديدة بأسلوب التشييد والتشغيل ونقل الملكية هو السماح لمستثمرين بالقطاع الخاص بتشييد المشروع من مواردهم الخاصة على أن يتولوا تشغيله وإدارته بعد الانتهاء منه لفترة امتياز تمتد للعشرات من السنين.
ويرى منتقدو هذا المشروع أنه سيصبّ في مصلحة قلّة من المقاولين المقرّبين من حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس شخصيا، ولن يعود بأيّ فوائد على مدينة إسطنبول.
ومن المقرّر أن تصل قناة إسطنبول البحر الأسود ببحر مرمرة، لتكون ممرا للسفن موازيا لمضيق البوسفور، حسب ما تروّج له حكومة العدالة والتنمية.
ويهدف المشروع حسب ما يقول النظام أيضا إلى تخفيف الضغط الذي يشهده مضيق البوسفور، الذي يربط طبيعيا بين البحرين المذكورين في إسطنبول.
وينفي المناهضون لخطط أردوغان أن هذا المشروع سيكون له أثر في القريب العاجل على إسطنبول، لكن الرئيس التركي يقول إن القناة سوف تقلل حركة المرور البحري المزدحمة في البوسفور إلى الصفر، لكي تعود إسطنبول إلى سابق عهدها، حيث سيؤدي المشروع إلى الحد من حوادث اصطدام ناقلات النفط وتسرّب حمولاتها إلى مياه المضيق والتداعيات البيئية المحتملة وبشكل يحمي الطبيعة البحرية والنباتية في مدينة إسطنبول ومحيطها.
وعزا أحمد فاروق أونسال، الناشط الحقوقي والبرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، سبب إعادة الرئيس طرح قضية قناة إسطنبول مجددًا، إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من سنة.
وفي إطار تقييمه إصرار أردوغان على شقّ قناة إسطنبول، رغم كل التحذيرات الموضوعية الصادرة من العلماء المتخصصين في البيئة، أكد أونسال في حوار على إذاعة موقع أحوال تركية الناطق بالعربية والإنجليزية والتركية أن هذا المشروع سيتسبب في وقوع عديد من الكوارث ستظل آثارها العشرات من السنين.
ولفت إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية تستغل نظام الخصخصة لنقل الأموال إلى الشركات المحلية والدولية المتعاونة معها، وأنها تقوم بتمويل قطاع البناء والإنشاء، قاطرة الاقتصاد التركي، عن طريق أرباح بيع الأراضي والعقارات، معتبرا هذه الطريقة نهبا وسلبا لأصول تركيا وبيعها إلى الأجانب، وخطأ سينعكس سلبا على الإنتاج والاقتصاد.
وأكد نائب حزب العدالة والتنمية سابقا أن المشروع سيحقق لأردوغان ولرجاله ريعا كبيرا، وذلك “عن طريق تسويق المناظر الطبيعية التي ستظهر حول مياه البحر الذي ستشق فيه القناة للمستثمرين المحليين والأجانب”، على حد تعبيره.
وتابع “اعتماد الاقتصاد على الريع بدلا من الإنتاج الحقيقي ليس طريقا صحيحا للتنمية ولا يمكن أن يكون نموذجا اقتصاديّا ناجحا. حيث إن للأراضي والمناظر الطبيعية والمستثمرين حدودا معيّنة ينتهي الاقتصاد القائم عليها بانتهائها”.
ويقول خبراء جيولوجيا إن المشروع سيسبب كارثة بيئية لقربه من منطقة نشطة بالزلزال، مطالبين بإلغائه، ويعارض المشروع رئيس بلدية أنقرة أكرم إمام أوغلو.
وفي تحدٍّ لرغبة أردوغان، أكد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، أن تنفيذ مشروع قناة إسطنبول لا يمكن أن يتوقف على قرار شخص واحد فقط.
وقال إمام أوغلو “لا يجب أن يلغى المشروع لأنني قلت ذلك، ولا يجب تنفيذه لأن أحدهم يريده. ولكن يجب مناقشته. بفضلنا يتم مناقشته، ولكنهم يقولون نحن مصرّون على تنفيذه، ولا يقولون سنسأل ونستشير. لا يوجد منهم من يقول سنناقش الأمر. هذا تصرّف خاطئ تمامًا”.
وواصل هجومه قائلا “اليوم تواجه تركيا أزمة اقتصادية خطيرة. وازدادت حالات الانتحار. هناك أناس يفقدون وعيهم من الجوع. وهناك مئات الآلاف من المنازل لا يوجد بها طعام. جميع المطابخ بها حريق، وكل همّ أردوغان هو لمن سأعطي المقاولة التي في إسطنبول. إن عينيه معميتان لدرجة أنه لا يضع المقالات التي تقول فيها المؤسسات العامة إن هذا خطأ، في ملف تقييم التأثير البيئي”.
وتابع “لقد قالوا بأنفسهم إنهم خانوا إسطنبول. فقط حتى لا تُناقش الأزمة الاقتصادية ومشاكل المواطن، يصر على قناة إسطنبول. فهو متأكد وأنا كذلك، أن السيد سيذهب. فلا يأتي أحد ويقول: أنا سأنشئ قناة إسطنبول، وأخذت ضمانات منها، وسأبحث عن حقوقي في المستقبل. فأنا أحذّر الجميع من اليوم. عندما نصبح نحن في السلطة، لن نعطي أحدا أمواله. باختصار، إن عمر السيد أردوغان السياسي لن يكفي. وسيذهب في أول انتخابات”.
ووقّع المئات في اسطنبول على عرائض احتجاج خلال الأسبوع الماضي لإبداء اعتراضهم على مشروع قناة ضخم يدافع عنه ويؤيده الرئيس التركي لكنهم يقولون إنه سيلحق دمارا بيئيا بالمدينة.
ويقول أعضاء في البرلمان من أحزاب المعارضة وخبراء بيئة إن تقرير التأثير البيئي للقناة، وهو خطوة أساسية لأي مشروعات ضخمة للبنية التحتية، لا يتصدى بشكل كاف لجميع المشاكل التي يمكن أن تترتب على إقامة القناة.
وكان زعيم حزب السعادة المعارض تمل كرم الله أوغلو، انتقد في وقت سابق مشروع القناة، واصفا إياه بـ”الاستثمار الخاطئ”.
وقال كرم الله “ستنشئون المشروع، إذا أتاحت الدولة الإمكانيات لمدة 5 – 10 أعوام قادمة، من الممكن أن تنشئوه لنقطة محددة. لكن اعلموا أن هذا ليس حلا. ولا يمكن أن يكون حلا”.
وأوضح أن مشروع قناة إسطنبول هو استثمار خاطئ، قائلا “لا يمكن إدارة المستشفيات العملاقة بشكل صحيح. والآن يقول السيد الرئيس إن كان المشروع سيضر، فأنا على استعداد لإلحاق الضرر بأمتي. نحن متفقون. من أجل صحة الأمة اليوم، نحن على استعداد لتدمير ميلين، لكن هذا المال سوف يذهب إلى صحة الأمة أم إلى محفظة شخص معيّن؟”.
وكان زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو هاجم بدوره الرئيس أردوغان ومشروع قناة إسطنبول مرارا.
العرب