أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن مقاتلات من طراز ف ـ 15 استهدفت مواقع تابعة لكتائب حزب الله العراقي، ثلاثة منها في العراق واثنان في سوريا، وذلك رداً على هجمات صاروخية نفذها الحزب ضد قاعدة عسكرية أمريكية في كركوك أسفرت عن مقتل متعاقد أمريكي وجرح عسكريين أمريكيين وعراقيين. ومن جانبه أكد الحزب مقتل 25 من مقاتليه وجرح آخرين في هذه الهجمة، متوعداً بـ«معركة مع أمريكا مفتوحة على كل الاحتمالات».
ومن المعروف أن الكتائب هذه جزء من فصائل «الحشد الشعبي» التي تتألف من فصائل توالي إيران علانية وعبر التنسيق العسكري والأمني واللوجستي المباشر مع «فيلق القدس» الذي يقوده قاسم سليماني. لكن «الحشد» جرى ضمه رسمياً إلى الجيش العراقي بهدف مواجهة تنظيم داعش الارهابي في أعقاب سقوط الموصل، كما سمحت وزارة الدفاع العراقية بتوسع فصائله في عمق الأراضي السورية سواء ضمن إطار محاربته أو مساندة النظام السوري عسكرياً.
ومن جانبه أعلن وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، أن الضربات التي استهدفت منشآت تابعة لحزب الله في العراق وسوريا، مساء الأحد، كانت ناجحة، لافتا إلى أنه لا يستبعد أي خطوات أخرى “إذا لزم الأمر”.واعتبر إسبر خلال مؤتمر صحفي بعد ساعات من الإعلان عن الضربات، أن “الولايات المتحدة اتخذت إجراءات هجومية ضد جماعة ترعاها إيران”. وقال مارك إسبر للصحفيين: “سنتخذ مزيدا من الإجراءات إذا لزم الأمر للدفاع عن النفس وردع الميليشيات أو إيران من ارتكاب أعمال معادية”، حسبما نقلت قناة “الحرة” الأميركية.
من جانبها أعلنت الحكومة العراقية أن الضربات الجوية الأمريكية تدفعها إلى «مراجعة العلاقة» مع الولايات المتحدة. وجاء في بيان للمجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي الذي عقد اجتماعا طارئا لدرس تداعيات الهجوم الذي شنته الطائرات أن «القوات الأمريكية اعتمدت على استنتاجاتها الخاصة وأولوياتها السياسية، وليس الأولويات كما يراها العراق حكومة وشعباً». وأضاف أن «حماية العراق ومعسكراته والقوات الموجودة فيها والممثليات هي مسؤولية القوات الأمنية العراقية حصراً». وتابع أن «هذا الاعتداء الآثم المخالف للأهداف والمبادئ التي تشكل من أجلها التحالف الدولي يدفع العراق إلى مراجعة العلاقة وسياقات العمل أمنياً وسياسياً وقانونياً بما يحفظ سيادة البلد وأمنه وحماية أرواح أبنائه وتعزيز المصالح المشتركة».
وتعمل واشنطن حاليا على تشديد الضغوط على طهران ومحاصرة الاستراتيجية الإيرانية بلا هوادة من خلال تضييق الخناق على أذرعها المسلحة في المنطقة. وقد أكد من جانبه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن بلاده لن “تقبل أن تقوم الجمهورية الاسلامية الإيرانية بأفعال تعرض نساء ورجالا أميركيين للخطر”.
وفي أول رد فعل من جانب الولايات المتحدة على اقتحام أنصار “كتائب حزب الله” العراقية مقر سفارة واشنطن في بغداد، اليوم الثلاثاء، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السلطات العراقية إلى استخدام قواتها لحماية السفارة، متهماً إيران بالوقوف وراء ما يجري.
وكتب الرئيس الأميركي، على حسابه بموقع “تويتر”، إنّ “إيران قتلت متعاوناً أميركياً، وتسببت في إصابات لأخرين. قمنا بالرد بقوة على ذلك، وسنقوم بذلك دائماً”، في إشارة إلى الغارات الأميركية التي استهدفت المليشيا رداً على هجوم قتل فيه متعاون أميركي في العراق.وتابع ترامب في تغريدته: “الآن تقوم إيران بتدبير هجوم على السفارة الأميركية في العراق. سيتحمّلون عواقب ذلك بالكامل. علاوة على ذلك، نتوقع أن يستخدم العراق كافة قواته لحماية السفارة، وقد أخبرناهم بذلك”.
وبناء عليه يدور التساؤل حول مختلف الاحتمالات الممكنة في العراق وفق قاعدة الفعل وردة الفعل:
الاحتمال الأول يدور حول استمرار الهجمات والهجمات المضادة، ولكن بشكل محدود، دون تحول الأمر إلى حرب شاملة أميركية – إيرانية. أما الاحتمال الثاني فيتمحور حول اتفاق سياسي مرحلي للإدارة الأميركية عبر الحكومة العراقية مع إيران لتهدئة الأمور وتحييد البلاد.
الاحتمال الثالث يقوم على تصاعد الصدامات إلى حد تقوم به واشنطن في الأشهر المقبلة بعملية واسعة لاستئصال القوة العسكرية الإيرانية في العراق، ويربط السيناريوهات الثلاثة حدٌّ زمنيٌّ متمثلٌ في الأشهر التسعة الأولى من 2020 حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية. وهناك اتجاهان، إما أن يتم إعادة انتخاب ترمب وبالتالي نكون أمام سيناريوهات معينة، أو يتم انتخاب رئيس ديموقراطي، وتبدأ بالتالي مرحلة العودة إلى الاتفاق النووي.
الاحتمال الأكثر وضوحا هو استمرار المواجهات لأن القيادة الإيرانية تريد استعمال هذه الصدامات لأكثر من سبب، أهمها تحويل الأنظار إلى اشتباك بين الأميركيين وميليشيات مؤيدة لها، ما يضعف الاهتمام بالاحتجاجات القائمة في العراق، خصوصا في المناطق الشيعية. وقد يكون هذا العامل الأكثر أهمية بالنسبة لهم، ويذكّرنا بما قام به حزب الله بعد ثورة الأرز عام 2005 عندما فجّر حربا مع إسرائيل أضعفت الثورة، فهل يخطط الإيرانيون لمواجهات مع الأميركيين بهدف إضعاف الثورة العراقية؟. هذا أمر أكثر من ممكن.
السبب الآخر للتصعيد الإيراني ضد القواعد الأميركية يهدف إلى إضعاف عزيمة واشنطن في المنطقة وتخفيف قدراتها حتى الانتخابات، ومن المرجح أن يكون السببان متلازمين (إضعاف الثورة العراقية وإضعاف الأميركيين)، وفيما يخص إدارة ترمب فقد لاحظنا تصميما على ضرورة عدم إضعاف الصورة الأميركية في الشرق الأوسط عامة، وفي العراق بشكل خاص، ويشدد مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع على ضرورة أن يكون الموقف الميداني الأميركي حاسما، إذن كلا الطرفين يمتلكان تصميما على المواجهة وعدم التراجع.
وتعد الأجواء العراقية ساقطة عمليا بيد واشنطن، ولكن أرض المواجهة إذا حصلت فهي معقدة أكثر مما ينتظر، فإذا حسم الأميركيون أمرهم وصمدوا في مناطق وجودهم من المنتظر أن تبدأ انتفاضات ميدانية في الأنبار وكردستان حيث الأكثرية في هذه المناطق تؤيد الولايات المتحدة على حساب طهران، والجميع يعلم أن قطاعات شبابية واسعة في المناطق الشيعية ثائرة أصلا على الوجود الإيراني.
يمكن القول وفق تغليب احتمال المواجهة أن التوافق “الصامت” قد انتهى بين «الحشد» والفصائل الموالية لإيران عموماً من جهة، وقرابة 5000 جندي أمريكي عادوا إلى العراق في سنة 2014 لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي من جهة ثانية. ولهذا فإن الهزائم المتكررة التي مُني بها التنظيم لاحقاً تكفلت بإعادة شحن التوتر بين الطرفين، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الغرب النووي مع إيران، وتفاقم ما يُعرف بـ«حرب الإنابة» التي تخوضها إيران عبر التنظيمات التابعة لها في العراق، أو تخوضها الولايات المتحدة عبر وكلائها في المنطقة.
وبهذا المعنى فإن التطورات العسكرية الأخيرة تُنذر بإدخال العراق في فصول جديدة بالغة الخطورة من حرب الإنابة بين واشنطن وطهران.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية