بعد ربع قرن من التدخل العسكري.. الاستراتيجية التي تحتاجها أمريكا حقا في العراق

بعد ربع قرن من التدخل العسكري.. الاستراتيجية التي تحتاجها أمريكا حقا في العراق

1024px-Iraqi_tanks_during_the_parade1

في آب/أغسطس قبل خمسة وعشرين عامًا، توغل جيش صدام حسين في الكويت، وبدأ عصر من التدخل العسكري الأمريكي في العراق لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا. وقد هيمن السؤال حول ما يجب فعله بشأن العراق على النقاش الدائر ضمن أروقة السياسة الخارجية الأمريكية لمدة ربع قرن حتى الآن، وسوف يكون هذا السؤال قضيةً مركزية مرة أخرى في انتخابات عام 2016 الرئاسية.

وقد زار رئيس هيئة الآركان المشتركة العراق حديثًا، بهدف مراجعة سير عملياتنا العسكرية والمساعدة التي نقدمها هناك. وزار وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، العراق للتو أيضًا.

وللأسف، يكرر تركيز واشنطن على الجيش خطأ الماضي، من حيث التركيز على استراتيجية محددة بعدد القوات، والأهداف العسكرية، وفعل ما من شأنه تحقيق الفوز “لنا”.

وفي الواقع، تخفي عناوين الصحف القضية الحقيقية، وهي: هل شيعة وأكراد وسنة العراق على استعداد لتقاسم السلطة في عراق موحد، حتى لو كانت هذه السلطة لا مركزية؟

وليس صعود الدولة الإسلامية سوى الفصل الأخير في صراع طويل على السلطة السياسية في العراق. ولذلك، يجب أن تقترن أي تأكيدات حول ما نستطيع فعله مع جرعة صحية من التواضع. إن مستقبل العراق اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، موجود في أيدي العراقيين؛ ومن الغطرسة المرهقة أن تعتقد أمريكا أنها سوف تستطيع تقرير مستقبل العراق.

ولكننا نستطيع رغم ذلك استخدام نفوذنا بشكل أكثر فعالية. وسوف يتطلب فعل هذا شيئًا من الصبر؛ حيث أنه، وفي حين يسير النقاش في واشنطن بسرعة عادةً، يحدث التغيير السياسي في العراق ببطء شديد.

وجاء انخراط أمريكا في العراق بعد عام 2003 مترافقًا مع عدد لا يحصى من المشاكل، ولكن الأمر الأكثر ضررًا كان السرعة في الدفع لبناء توافق عراقي في الآراء وفي اتخاذ القرارات. وفي الواقع، كان السبب الرئيس الذي دفع الولايات المتحدة للحفاظ على رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، في منصبه عام 2010، نابعًا من نفاد الصبر. وقد خلصت واشنطن حينها إلى أن ظهور رئيس وزراء أخر سوف يستغرق وقتًا طويلًا على الأرجح، وبالتالي، لن يكون هناك أي فريق تفاوض عراقي مخول تستطيع الولايات المتحدة ترتيب مستقبل وجودها العسكري في البلاد معه. والآن، نحن بحاجة لإعطاء العراقيين الوقت والمساحة اللازمين لحل قضاياهم السياسية، حتى خلال مواجهتهم لتحديات عسكرية.

ولا يعني هذا أنه يجب منح العراقيين الـ”شيك” على بياض. بل يجب أن تكون القاعدة العامة في السياسة الأمريكية هي أننا لا نعطي مساعدات عسكرية، ناهيك عن القيام بعمليات عسكرية، دون تأمين اتفاق حول الاستراتيجية والهدف. إننا لا نتفق مع كل الموجودين في الائتلاف السياسي الشيعي المهيمن لرئيس الوزراء حيدر العبادي. ولذلك، يتمثل التحدي الذي يواجهنا في المساعدة في تأمين التوصل إلى تسوية سياسية من شأنها أن تعزز المكاسب التي يمكننا المساعدة في تأمينها عسكريًا. وباختصار، يجب علينا ألا نغفل التركيز على السياسة العراقية، حتى خلال عملنا على العمليات العسكرية.

ويجب أن يبدأ هذا من خلال إعطاء العبادي الحوافز التي تشجعه على التصرف فيما يتعلق بالمتشددين الشيعة العراقيين المدعومين من إيران، والذين يشكلون جزءًا قويًا من ائتلافه الحاكم، والذين يعرقلون منح تنازلات سياسية للأكراد والسنة.

ولا يزال المالكي مرتبطًا بشكل وثيق بهذا الفصيل الشيعي. وفي حال انتصر هذا الفصيل في نهاية المطاف في بغداد، فسوف يكون هناك قتال بين العراقيين لسنوات عديدة، ولكن هذه الحرب لن تكون حربنا. لم يتمكن 160 ألف جندي أمريكي من السيطرة على العراق قبل عشر سنوات، وبالتأكيد، لن يستطع العدد الحالي الأصغر بكثير فعل ذلك.

ومن المهم  أيضًا أن نتذكر أن “الصحوة السنية” اعتبارًا من عام 2007 لم تكن فقط نتيجةً للطفرة العسكرية الأمريكية، بل نتيجة للشعور بالفرصة السياسية التي أنشأتها الوعود بأنه سيم إدراج العرب السنة في صلب العملية السياسية في بغداد. وإن كسر المالكي لتلك الوعود تحت أنظارنا هو ما أعاد إشعال نار السلفية الجهادية.

ورغم كونه غير مثالي، يُعد رئيس الوزراء العبادي أكثر توافقًا مع رؤية أن تكون السياسة العراقية شاملة. ولكن العبادي في الوقت نفسه أقل قوة. وحتى نقوم بدعمه في تنافسه مع المتشددين من السياسيين الشيعة، يجب أن تكون استراتيجيتنا متجذرة في مبدأين مترابطين، هما الشرطية والمساءلة.

وأولاً، تحتاج الولايات المتحدة لربط المساعدة للحكومة العراقية بتنفيذ برنامج الإصلاح الشامل الذي بدأته الحكومة عندما تولى العبادي منصبه في سبتمبر الماضي. وإذا ما نجح الشيعة والأكراد في منع تحقيق هذا البرنامج، فإن أي سلاح نقدمه لن ينجح في وقف تقدم الدولة الإسلامية، ولا في إبطاء انزلاق العراق نحو حرب طويلة.

وتعني الشرطية أنه في حال عدم تقدم الإصلاحات السياسية، فإن مساعداتنا لن تزيد أيضًا. وقد يساعد إرسال مستشارين عسكريين إضافيين، أو نشر أي من المراقبين الجويين،  قليلاً في تحسين الوضع الأمني، ولكنه يشكل في الوقت نفسه إشارةً نرسلها إلى الميليشيات الشيعية، ورعاتها السياسيين في طهران، بأن الأمريكيين لا يهتمون بحل الخلافات السياسية في بغداد، بغض النظر عما تؤكده بياناتنا الصحفية.

وثانيًا، يجب علينا تعزيز المساءلة. وأثناء تجهيزنا وتدريبنا لقوات الأمن العراقية الجديدة، يتعين علينا القيام بشيء لم نفعله بشكل كاف من قبل، وهو الإصرار على مساءلة قيادة قوى الأمن الداخلي فيما يتعلق بحالات الاعتداء وسوء الإدارة والطائفية. لقد أقال العبادي العشرات من كبار الضباط الفاسدين وغير المتمتعين بالكفاءة، ويجب علينا مساعدته في هذا الشأن.

وليس تغيير الثقافة العسكرية بالمهمة السهلة، بل مهمة تستغرق وقتًا طويلًا. وفي حال تمكنت الحكومة العراقية من إزالة المسؤولين المسيئين والفاسدين، فإن ذلك سيعطي العرب السنة شعورًا بأن التغيير ممكن، وسيساهم بتقوض جهود داعش

وسيكون من الصعب تنفيذ استراتيجية متجذرة في الشرطية والمساءلة، ولكن مثل هذه الاستراتيجية تشكل أفضل طريقة قد نستطيع من خلالها تمكين أولئك الذين نريد لهم تحقيق النجاح في العراق. وقد يكون العائق الأصعب في هذا الطريق هو أن هذه الاستراتيجية تتطلب درجةً من الصبر افتقرت إليها سياستنا في العراق لسنوات عديدة.

وإذا ما لبى العراقيون شروطنا وقاموا بمساءلة أنفسهم، سيتوجب علينا أن نكون مستعدين لمساعدتهم على المدى الطويل. وفي حال فشلوا في تحقيق هذا، كما فعل المالكي من قبل، فيجب علينا أن نكون على استعداد للسير بعيدًا عنهم.

لقد علمتنا السنوات الخمس والعشرين الماضية أنه يتوجب على سياسة الولايات المتحدة أن تكون أكثر من مجرد عملية حسابية لإعداد القوات والأهداف. وقد تسهل العمليات العسكرية الأمريكية الوصول إلى عراق مستقر، إلا أنها لن تستطيع أبدًا أن تحل محل الاستراتيجية السياسية.

التقرير